ملخص: قد يسمح لك التخزين السحابي بالاحتفاظ بعدد لا نهائي من الملفات؛ لكن هذه الفوضى الرقمية قد تكون ذات تأثير في صحتك النفسية!
ومن المثير للاهتمام أن هذه الممارسة لا تقتصر على العالم المادي فحسب، فإن الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، تعج بالمقتنيات الرقمية غير المهمة لدى البعض. بعبارة أخرى؛ يقوم الكثيرون بتخزين بيانات لا يحتاجون إليها، ولا يعيدون زيارتها، ومع ذلك لا يحذفونها أبداً؛ إنهم المكتنزون الرقميون!
مثلما قد يكون للفوضى المادية تأثير سلبي في إنتاجيتنا وصحتنا؛ قد يكون للفوضى الرقمية الشأن ذاته.
ما هو الاكتناز الرقمي؟
عام 2015، قام رجل هولندي يبلغ من العمر 47 عاماً بتكديس أكوام من الورق وقطع تبديل الدراجات وغيرها من الأشياء على مر السنين، حتى بدت شقته فوضوية لدرجة أنه شعر بالخجل من دعوة أصدقائه إليها مرة أخرى. وعندما اشترى كاميرا رقمية، اتخذت حالته منحىً متطوراً.
لسنوات، كان يلتقط ما يصل إلى 1,000 صورة يومياً؛ معظمها للمناظر الطبيعية. ولكن على الرغم من أن العديد منها كانت متشابهة؛ إلا أنه لم يستطع إقناع نفسه بحذفها. في النهاية، شخّص الأطباء حالة الرجل بنوع فرعي جديد من متلازمة الاكتناز القهري؛ وهي "الاكتناز الرقمي".
ولكن ليس كل من يحتفظ بالبيانات مصاب به؛ إذ يمكن تصنيف "مخزّني البيانات" إلى:
- الجامع: هو الذي يجمع البيانات القيّمة بالنسبة إليه من باب الهواية؛ مثل أدلة تقنية قديمة، أو حلقات تلفزيونية نادرة، أو ألعاب فيديو محجوبة، وغيرها من الأشياء التي قد لا يتمكن من العثور عليها مرة أخرى. ويمكن وصف هذا النوع من الاكتناز بالأرشيف، لأنه يتضمن كل ما هو قديم فقط.
- المكتنز الرقمي: من فئة الذين لا يستطيعون التخلي عن ملفاتهم، حتى لو كانت غير ذات قيمة؛ كما لا يهتمون بتنظيمها أو أرشفتها بطريقة مفيدة؛ بل هي عبارة عن فوضى رقمية متكدسة ليس إلا! على سبيل المثال؛ علامات تبويب المتصفح، وأيقونات سطح المكتب الزائدة، وصناديق البريد الإلكتروني، والبرامج القديمة، وغيرها.
اقرأ أيضاً: الوسواس القهري: الأسباب والأعراض والعلاج
أنواع الاكتناز الرقمي
وفقاً لسبب تخزين الملفات والبيانات الرقمية؛ صنفت الدراسة المنشورة في دورية "إنترآكتينغ ويذ كومبيوترز" (Interacting with Computers)، المكتنزين الرقميين إلى:
- المكتنزين القلِقين: إن كنت ممن يحتفظ بمئات الإشارات مرجعية، أو رسائل البريد الإلكتروني القديمة، ظناً منك بوجود حاجة إليها في المستقبل، فأنت من المكتنزين القلقين. ووفقاً للدراسة؛ يساعد الاحتفاظ بالبيانات أياً كانت قيمتها، على توفير مستوىً من الأمان والراحة للمشاركين.
- المكتنزين العَرَضيين: بالنسبة إلى هؤلاء، فإن احتفاظهم بالبيانات الرقمية ليس عن قصد الاكتناز وإنما لأنهم لا يعرفون كيفية تنظيمها أو إدارتها. وأشارت الدراسة إلى أن هؤلاء كانوا الأقل ارتباطاً ببياناتهم؛ أي ليس لديهم سبب محدد أو قلق بشأن البيانات وحاجتهم إليها في المستقبل، فهم إما ينسون حذفها وإما لا يمتلكون الوقت الكافي لإنجاز هكذا مهمة.
- مكتنزي الامتثال: هؤلاء هم من يجمعون البيانات ويحتفظون بها فقط لأن مدراءَهم أو رؤساءَهم في العمل يقولون إنها مهمة. وغالباً لا توجد روابط شخصية بالملفات، ولا تحتوي على أي بيانات شخصية، لذا فهم منفتحون على حذف هذه البيانات بمجرد موافقة المدراء.
- المكتنزين المنظمين: هم من يحتفظون بالبيانات إما لحاجتهم إليها وإما لأنها ممتعة وإما لسبب آخر. وفي الأحوال جميعها، فإنهم يخزنون البيانات على نحوٍ منظم؛ ما يمنحهم الشعور بالسيطرة.
اقرأ أيضاً: هل يتحكم الوسواس القهري في علاقتك العاطفية؟ إليك الحل!
الاكتناز الرقمي مقابل الاكتناز المادي
يتشابه الاكتناز الرقمي مع الاكتناز المادي في الأسباب، وربما في الأسلوب من حيث المبدأ؛ ولكن هل لهما النتائج نفسها؟ في الواقع، قد لا تكون للاكتناز الرقمي العواقب النفسية ذاتها مقارنةً بالاكتناز المادي. يعيش الفرد الذي يكتنز الأشياء المادية في مكان غير منظم وتعمه الفوضى؛ ما يسبب له الإرهاق ويؤثر سلباً في علاقاته مع أسرته وأصدقائه، فيصبح أكثر عزلة.
ووفقاً لمركز "فنتج بوينت ريكفري" (Vantage Point Recovery)؛ يُعتبر الاكتناز سلوكاً قهرياً مرتبطاً بمشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب؛ حيث يؤدي الاكتناز إلى الوسواسية والخوف من فكرة التخلص من بعض الأشياء. علاوة على ذلك، يمكن للاكتناز المادي أن يتسبب بالضيق وفقدان المساحة، وتراجع الأداء الوظيفي، والصعوبات المادية. في المقابل، قد لا يتسبب الاكتناز الرقمي بالمخاطر ذاتها؛ إلا أن له تداعيات أخرى:
- القلق من فكرة التخلص من المقتنيات، حتى الإلكترونية منها.
- الأفعال الهوسيّة؛ مثل شراء محركات أقراص ثابتة باهظة الثمن لتخزين البيانات الرقمية كافةً.
اقرأ أيضاً: ما هو الاكتناز القهري وما طرق علاجه؟
أوضحت دراسة نُشرت في دورية "المعلومات والإدارة" (Information & Management)، أن 37% من المكتنزين الرقميين المشاركين في الدراسة قالوا إن التخزين الرقمي تسبَّب لهم بالقلق. كما وجد الاستطلاع أن النساء كنّ أكثر عرضة للإحساس بالقلق الناجم عن الاكتناز الرقمي مقارنةً بالرجال بنسبة 27%، وعلى نحوٍ أكثر تحديداً، كان القلق من معرفة الناس وكشفهم للاكتناز الرقمي.
ووفقاً لباحثي الدراسة؛ يتفاقم الاكتناز الرقمي على نحوٍ متزايد بسبب توافر الأجهزة التكنولوجية الحديثة؛ مثل الهواتف المحمولة الذكية، والأجهزة القابلة للارتداء، والقدرة على تحمل تكاليفها، وسهولة استخدامها، والانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصال.
إذاً يُعد الاكتناز الرقمي أقل خطراً من الاكتناز المادي؛ ولكن عندما يتسبب في القلق أو مشكلات التنظيم والإنتاجية، تجب معالجته. وتقول أحد مؤلفي الدراسة، د. دارشانا سديرا (Darshana Sedera): "نحن نتعامل مع شيء موجود على عتبة بابنا في الوقت الحالي؛ ولكن يبدو أننا نتجاهله"!