كيف يسهم كل من الفومو واجترار الأفكار في الاستخدام المفرط للهواتف الذكية في الإمارات؟

5 دقائق
استخدام الهواتف الذكية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أصبح استخدام الهواتف الذكية من المسلّمات في عصرنا الحالي؛ إلاّ أن العلماء والباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع يحذرّون في دراساتهم دائماً من الاستخدام المفرط لها، لما له من تأثيرات سلبية في الصحة النفسية. يغطّي المقال واحدة من تلك الدراسات المهمة التي أفضت إلى نتائج جديدة تخصّ منطقة الشرق الأوسط؛ حيث درس الباحثون الأثر الذي يخلّفه الاستخدام السلبي للهاتف الذكي بين شباب الإمارات في صحتّهم النفسية، وتحديداً بعض الأعراض مثل الخوف من تفويت شيء أو "الفومو" (FOMO)، واجترار الأفكار النفسي.

يستحوذ استخدام الهواتف الذكية على انتباه البشر في كل مكان وينتشر بين الفئات العمرية المختلفة، فقد بات أشبه بالوباء الرقمي الذي لا مهرب منه للإنسان المعاصر. فعلى سبيل المثال؛ قد تضاعفت ملكية الهواتف الذكية في الإمارات ثلاث مرات تقريباً بين عاميّ 2007 و2017، ناهيك بأن بعض المواطنين يمتلك أكثر من هاتفٍ واحد!

الاستفادة عالية جدّاً والمنافع لا يمكن حصرها كإبقائنا على اطلاع على الأخبار والمستجدات والتواصل مع بعضنا من مختلف أماكن العالم، وقد ذهبنا إلى أبعد من ذلك حين استهللنا ثورة العمل عن بعد، فكانت تلك الأجهزة فائقة الذكاء ملتصقة بنا طوال الوقت.

وعلى الرغم من ارتفاع بعض الأصوات والتحذيرات بين الفينة والأخرى حول المخاطر المحدقة لهذه الاعتمادية مكتملة المعالم على الهواتف الذكيّة، ما زالت الهوة التي تفصل بيننا وبين تحقيق بعض التوازن من خلال الاستغناء الجزئي عنها كبيرة، على الأقل بالنسبة إلى معظم مستخدميها.

تطرّق العديد من الدراسات والأوراق البحثية إلى موضوع التأثيرات النفسية المحتملة لاستخدام الأجهزة الذكيّة بشكلٍ مفرط؛ لكن يبقى هناك شحٌّ واضح في البحث العلمي المستهدف لمواطني المنطقة العربية. لذلك يأتي هذا المقال ليغطّي أهم المعطيات والنتائج التي جاءت في دراسة بحثية حديثة حول الرابط بين الاستخدام المفرط للهواتف الذكيّة، وبخاصة بين فئة الشباب والاكتئاب والقلق في الإمارات؛ لكن قبل الغوص في تفاصيل الدراسة، دعونا نبدأ بتعريف أهم عاملَين قامت عليهما الدراسة:

1. الخوف من تفويت شيء (FOMO)

هو شعور طاغٍ بعدم الارتياح بشأن تضييع التجارب التي يرى الشخص أنها قد تكون ممتعة ومُرضية، ويصاحب ذلك الإحساس بالحاجة إلى الحفاظ على اتصال دائم مع أعضاء الشبكة الاجتماعية لتجنّب ذلك الخوف. ويرتبط الفومو ارتباطاً وثيقاً بكلٍّ من الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى زيادة مستويات الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي.

2. الاجترار النفسي

يُقصد بالاجترار (Rumination) الانخراط في عملية التفكير السلبي المتكرّرة التي تدور باستمرار في الذهن دون نهاية أو اكتمال، وهو أمر مزعج نظراً لصعوبة إيقافه، ويصفه المختصون بأنه استراتيجية تكيّف سيّئة التأقلم (Maladaptive Coping Strategy)، ومعنى ذلك أن الاجترار يغذي التركيز على الإدراك السلبي للتجارب السابقة، ويمثل استجابة لتجربة الشعور السلبي.

ترتبط بعض سلوكيات الاجترار، على غرار التفقّد المستمّر للإشعارات والرسائل الإلكترونية واستخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل مفرط، بمجموعة من الحالات النفسية مثل الاكتئاب والقلق.

استخدام الهواتف الذكية وتأثيراته في الصحة النفسية

تفحّص العديد من علماء الاجتماع في أبحاثهم التأثيرات الصحيّة السلبية للاستخدام المفرط للهواتف الذكيّة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث ارتبط الوقت الذي يقضيه الأفراد في استخدام الشاشات بالأفكار الانتحارية في العديد من الدراسات. بينما أشارت دراسات أخرى إلى تزايد الشعور بالوحدة والعزلة لدى الأشخاص الذين يعانون من "الإدمان" على هواتفهم، على الرغم من وجود بعض الاختلافات حول اصطلاح الإدمان فيما يتعلّق بالسلوكيات المرتبطة بالتكنولوجيا.

لقد أصبح هناك وفرة في الأبحاث التي تؤكّد الرابط الذي يجمع بين التأثيرات في الصحة النفسية والاستخدام المفرط للهواتف الذكيّة، وبخاصة الدراسات التي أُجريت في أوروبا وشمال أميركا وشرق آسيا؛ إذ إنها أبرزت العلاقة مع الاكتئاب والقلق والإجهاد وتدنّي احترام الذات.

وإن اختلفت المصطلحات التي استخدمها العلماء؛ مثل "متغيّرات التكيّف المعرفي المختّل" وعلاقتها بمشكلات الصحة النفسية و"الاستخدام المفرط للهاتف الذكي" و"الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي" و"اضطراب استخدام الهاتف الذكي"، فقد انصبّ تركيز أبحاثهم على مشكلات الصحة النفسية الناتجة من استخدام الهاتف الشخصي بشكل زائد.

اقرأ أيضاً: النوموفوبيا: رهاب فقدان الهاتف الذي لا يفارق يدي

دراسة المتغيّرات النفسية المتعلّقة باستخدام الهواتف الذكية في الإمارات

قادت مجموعة من الباحثين من جامعات الإمارات والرياض وتوليدو الأميركية دراسة نُشرت نتائجها في 2021، شملت استطلاعاً نحو 264 طالباً جامعياً إماراتياً يهدف تحديد طبيعة العلاقة الموجودة بين أعراض الخوف من تفويت شيء (FOMO) واجترار الأفكار النفسي (Rumination)، والشعور بالاكتئاب والقلق في دولة الإمارات.

وتُضاف هذه الدراسة إلى الأبحاث العلمية المتزايدة حول أهمية الفومو والاجترار النفسي بالنسبة إلى استخدام الهواتف الذكية، وهي الدراسة الأولى التي تبحث في هذين المتغيرين النفسيين في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تركّز على ما أسماه الباحثون القائمون عليها بـ "الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي" (Problematic Smartphone Use. PSU) الذي يصاحبه ضعفٌ وظيفي وأعراض شبيهة بتلك التي تُلاحظ عادة في اضطرابات تعاطي المواد المخدّرة؛ مثل الأعراض التالية:

  • صعوبة التحكّم في استخدام الهاتف.
  • ظهور آليات تأقلم سلبية والاستسلام أمام المغريات بسرعة.
  • اختبار أعراض الانسحاب بعد فترة الانقطاع عن استعمال الهاتف.
  • عدم القدرة على التوقّف عن استعمال الهاتف على الرغم من معرفة تأثيراته السلبية.

ويرجع ذلك إلى حقيقة أنّ استخدام هذه الأجهزة للانخراط في العديد من الأنشطة الباعثة على الاستمتاع؛ يحفّز إطلاق مواد كيميائية في الدماغ تعزّز بدورها الرغبة في استخدام الهاتف الذكي باستمرار.

المقاييس النفسية التي اعتمدتها الدراسة

استُخدم الاستبيان لتجميع بيانات عن أربعة مقاييس نفسية أساسية وهي كالتالي:

  1. إدمان الهواتف الذكية: قياس شِدّة الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي (PSU)، عن طريق تحديد الأضرار الصحية والاجتماعية وأعراض الانسحاب والتساهل.
  2. الاكتئاب والقلق: عن طريق قياس 21 عرضاً من أعراض الاكتئاب والقلق والإجهاد.
  3. الخوف من تفويت شيء: بالاعتماد على قوائم من 10 عناصر تقيس التخوّف من تفويت بعض الأنشطة الاجتماعية والرضا عن الحياة والثقة بالنفس وغيرها.
  4. التفكير الاجتراري: عن طريق مقياس تقرير ذاتي مكون من 20 عنصراً للتفكير الاجتراري.

ماذا كشفت نتائج الدراسة في الإمارات؟

أظهرت نتائج الدراسة أن الفومو واجترار الأفكار يؤديان إلى الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وكان تأثر الإناث أكبر من تأثر الرجال من حيث شدة القلّق والاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي.

كما كشفت نتائج تحليلات الباحثين أن الأفراد ينخرطون في الاستخدام المفرط لأجهزتهم في محاولةٍ لتخفيف وطأة المشاعر السلبية الناتجة من الفومو؛ والمتمثّلة في القلق وعدم الارتياح والخوف.

وعلى غرار العلاقة الارتباطية بين الفومو والاستخدام المفرط للتكنولوجيا، دعمت نتائج الدراسة أيضاً نظرية الباحثين حول العلاقة بين الاجترار النفسي وحدّة الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي. حيث يمكن أن يؤدّي اجترار الأفكار إلى تحفيز الانخراط في الاستخدام المفرط والإشكالي للهواتف الذكية، لأن هذا السلوك قد يخفّف لديهم التأثير السلبي للاجترار.

ومن ثَمّ أكدّ الباحثون أن الفومو والاجترار يؤديّان إلى الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي؛ ما يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب والقلق، وهما يشكّلان بذلك عوامل خطر للاستخدام المفرط للتكنولوجيا.

استخدام الهواتف الذكية وخصائص منطقة الشرق الأوسط

ويشير الباحثون إلى أن نتائج تحليلاتهم تؤكّد نتائج دراسات علم النفس المرضي العديدة التي أُجريت في البلدان الغربية مثل أميركا الشمالية وتتوافق معها؛ حيث إنها دعمت الارتباط الواضح بين مشكلات الصحة النفسية والاستخدام المفرط للهواتف الذكية، وتُعدّ نتائج دراستهم بذلك جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

غير أنهم لاحظوا أن الفومو قد يشكّل نمطاً خاصاً بالمنطقة نظراً للطبيعة الثقافية والدوافع الدينية التي تجعل من تكوين العلاقات بين الجنسين بين فئة المراهقين والشباب اليافع خارج النطاق الافتراضي صعبة وغير مُشجّعة؛ ما يجعل من الخوف من تفويت شيء والمشاعر السلبية المرتبطة به عامل خطر مهماً في الوقوع في فخ الاستخدام الإشكالي للهاتف؛ إذ يمثّل التواصل الافتراضي الوسيلة الأسهل لتحقيق التواصل الاجتماعي في هذه الحالة.

وفي الختام، شرحت نتائج تحليلات الباحثين طبيعة الرابط الذي يجمع بين الاكتئاب والقلق وحدّة الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي؛ حيث أوضحت الدراسة بشكل صريح وبالدلائل العلمية أن الأشخاص الذين يوظفّون الاجترار والفومو كآلية تكيّف نفسي مع أَثر الاكتئاب والقلق، يكونون أكثر عرضة للاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي.

كما أشار الباحثون إلى إمكانية وجود آليات تكيّف نفسي أخرى تتوسّط العلاقة بين الاكتئاب والقلق والاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي بين فئة الشباب؛ وهو ما يستدعي المزيد من البحث العلمي لفهم هذه التأثيرات في الصحة النفسية ورفاهية الأفراد.

المحتوى محمي