كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً عندما فتحت عيني فجأة، ثم اتجهت بتثاقل إلى غرفة أطفالي، فتحت الباب برفق، واقتربت منهم، كانت أنفاسهم منتظمة، وغطاؤهم فوقهم، كما تركته قبل ساعات، تنفست الصعداء وعدت إلى غرفتي، لكن ذلك الشعور الغامض لم يغب؛ ماذا لو استيقظ أحد أطفالي وهو يعاني البرد؟ ماذا لو اختنق تحت الغطاء؟ هل أنا أم سيئة؟ هل أطفالي يواجهون التنمر في المدرسة؟ ما يحدث معي كل يوم يمكن أن نسميه القلق الأبوي (Parental anxiety)؛ ذلك الإحساس الذي لا يغادر عقول بعض الآباء والأمهات، فكيف يمكن التعامل معه؟ وما هي أهم علاماته؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هو القلق الأبوي؟
القلق الأبوي هو مصطلح يُطلق على القلق المرتبط بأن الشخص أب أو أم، وعادة ما يتجلى هذا القلق بأشكال مُختلفة، بدءاً من الخوف على صحة الطفل وسلامته وصولاً إلى القلق بشأن تفاعلاته الاجتماعية وأدائه الدراسي، ويتغذى هذا القلق على الخوف من المجهول، وطبيعة المسؤولية الكبرى المترتبة على رعاية الأطفال والاهتمام بهم، بالإضافة إلى التغييرات الحياتية الكبرى، مثل الانتقال إلى بيت جديد، أو بدء المدرسة، أو دخول الطفل مرحلة المراهقة.
9 علامات تؤكد معاناتك القلق الأبوي
بصفتي أماً، يمكن أن أخبرك أن القلق على الأطفال أمر طبيعي، ولكن حين يزيد هذا القلق عن الحد يصبح مشكلة كبرى، وهذه هي أهم علامات القلق الأبوي التي يجب الانتباه لها جيداً:
- الحماية المفرطة لدرجة تعوق استقلال طفلك ونموه.
- اضطرابات النوم بسبب القلق المستمر بشأن طفلك.
- سلوكيات التجنب التي تدفعك بعيداً عن بعض الأنشطة أو المواقف الاجتماعية لاعتقادك أنها محفوفة بالمخاطر.
- صعوبة التركيز في أثناء أداء المهام أو المحادثات بسبب انشغالك بالمخاوف والقلق المستمر بشأن طفلك.
- البحث المستمر دون توقف عن معلومات عبر الإنترنت للإجابة عن أسئلة تتعلق بالتربية أو الصحة والنمو.
- المبالغة في تقدير احتمالية تعرض طفلك للحوادث أو الإصابات.
- التحدث عن مخاوفك إلى الآخرين، خاصة أمام طفلك.
- تجاهل احتياجاتك الشخصية لانشغالك بالقلق.
- تجنب وضع الطفل في مواقف آمنة لأنك تراها ضارة.
الشعور بخوف شديد من مواقف أو أشياء معينة، مثل الكلاب أو الحشرات أو زيارة الطبيب.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن القلق التوقعي
ما هي أهم أسباب الإصابة بالقلق الأبوي؟
لا يوجد سبب محدد يؤدي إلى الإصابة بالقلق الأبوي، وعلى الرغم من ذلك، فإن معرفة العامل الأساسي المسبب لقلقك يمكن أن تساعدك على معالجة آثاره وتخفيفها، ومن أهم العوامل التي يمكن أن تسبب القلق الأبوي:
1. مسؤوليات التربية
تربية الأطفال مهمة صعبة؛ فهي تنطوي على شعور مُفرط بالمسؤولية، وتشمل أداء العديد من مهام الرعاية اليومية، هذا بالإضافة إلى اتخاذ القرارات المستمرة، ومتابعة أداء الأطفال وحمايتهم، كل تلك الأمور تسبب ضغطاً هائلاً على الأبوين وتسهم في تعزيز الشعور بالقلق.
2. الضغوط الاجتماعية
يمكن أن تُسبب الضغوط الاجتماعية، والتوقعات المرتفعة، والمقارنات مع الآباء الآخرين قلقاً شديداً لدى العديد من الآباء، إذ إن الضغط للالتزام بأنماط أو معايير أبوية مُحددة، أو للتظاهر بأن كل شيء تحت السيطرة، قد يكون مُرهقاً ويؤدي إلى الإفراط في القلق الأبوي، علاوة على ذلك، هناك وسائل التواصل الاجتماعي التي تفرض معايير صارمة على الكثير من الآباء والأمهات، وتجعلهم يحسون بالنقص والتقصير، ما يؤدي إلى زيادة القلق.
3. المخاوف المالية
قد يُشكّل القلق بشأن إعالة أسرتك والنفقات الباهظة لتربية طفل اليوم ضغطاً كبيراً، إضافة إلى أن التخطيط لمستقبل طفلك المالي، والخوف من عدم الاستقرار الاقتصادي، قد يُفاقمان القلق. على سبيل المثال، قد ينتابك القلق الأبوي بسبب مصاريف التعليم، والاستعداد للمستقبل.
4. العوامل الوراثية والبيئية
تشمل هذه العوامل التعرض لصدمة نفسية في الماضي، مثل الإهمال أو سوء المعاملة أو العنف المنزلي، فقد تُصاب بالقلق من فكرة نقل تلك التجارب المؤلمة إلى أطفالك، أو تحس بالهلع حين تتخيل أنهم قد يواجهون مصيراً مماثلاً، علاوة على ذلك، هناك العوامل الوراثية مثل وجود تاريخ من القلق أو اضطرابات الصحة النفسية الأخرى لدى الأقارب البيولوجيين.
5. صعوبة تحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل ورعاية الأطفال
أسأل نفسي قبل النوم سؤالاً محدداً: هل قضيت مع أطفالي ما يكفي من الوقت؟ هل استمعت إليهم وشاركتهم أنشطتهم؟ في الحقيقة إن هذا صراع يومي أعيشه باستمرار؛ وهو صعوبة تحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل ورعاية أطفالي، حيث إن محاولة الموازنة المستمرة بينهما أمر مرهق ويؤدي إلى الشعور بالضغط النفسي والقلق.
6. قلة الدعم من المقربين
قرأت في رواية قديمة من الأدب الإفريقي أن تربية الطفل الواحد تحتاج إلى قبيلة كاملة، ربما لأن عملية التربية تُشكّل تحدياً كبيراً دون وجود شبكة دعم قوية، فوجود أحد الأبوين بمفرده قد يفاقم الشعور بالعزلة والوحدة، ويجعله يحس أنه غارق وحده في مسؤولية كبرى، ما يؤدي إلى الإحساس المستمر بالقلق.
اقرأ أيضاً: "أحن إلى صوت أمي" دراسة تؤكد تأثير صوت الأم في تحسين المزاج وتخفيف التوتر
كيف يؤثر القلق الأبوي في نمو الأطفال وتطورهم النفسي؟
يُقدم الآباء والأمهات لأبنائهم نموذجاً يُحتذى به في كيفية النظر إلى العالم؛ وعندما يرى الطفل أحد والديه يعاني القلق، قد تصله رسالة مفادها أن العالم غير آمن، وغير متوقع، ومليء بالكآبة والخطر، وقد يُسبب هذا للأطفال القلق، لأن الوالدين لا يُعطيان أمثلة على كيفية التفكير بعقلانية في التعامل مع المشكلات؛ ونتيجة لذلك، يُطور الأطفال سلوكيات إشكالية مثل الانفعال والتحدي والخوف المفرط أو قلق الانفصال، ما يُصعّب عليهم أداء مهامهم. هذا بالإضافة إلى:
- اعتماد الأطفال المفرط على الأهل وانعدام الاستقلالية.
- تدني احترام الذات لأن الأطفال يحسون أنهم مصدر القلق والتوتر لأهلهم.
- صعوبة التعامل مع المشاكل.
- التردد في تجربة أنشطة جديدة.
- مواجهة صعوبة بالغة في التعبير عن مشاعرهم الخاصة.
6 استراتيجيات فعالة تساعدك على التعامل مع القلق الأبوي
يؤكد استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، أن الشخصيات القلقة ترى المشاكل ضخمة عبر مكبر التفكير الكارثي، ما يقلل قدرتها وإمكاناتها في مواجهة الأزمات، وهو الأمر الذي يعني أن قلقك يضر أطفالك ولا ينفعهم، لذلك إذا كنت تعاني القلق الأبوي، فربما قد حان الوقت للبحث عن كيفية تخفيف آثاره والتعامل معه، وذلك عبر اتباع الاستراتيجيات التالية:
1. دع القلق يتسلل إليك
تنصح المختصة النفسية، إيرينا جوريليك (Irina Gorelik)، بضرورة أن تمنح نفسك وقتاً محدداً للقلق بعيداً عن أطفالك، وتضيف جوريليك أنه على الرغم من غرابة الأمر، فإن إنكار القلق أو قمعه سوف يؤدي إلى تفاقمه، لذلك اسمح له بالحضور، وافسح له بعض المساحة حتى لا تسمح له بالسيطرة عليك.
2. مارس اليقظة الذهنية
هل تعلم أن تطوير ممارسة تمارين اليقظة الذهنية، والتأمل، والتنفس العميق يمكن أن يوفر لك فرصة من أجل الحصول على الهدوء والحضور الذهني في اللحظة الحالية؟ وهو ما يخفف عنك الشعور بالقلق، ويجعلك قادراً على مواجهة ضغوط الحياة دون هلع.
اقرأ أيضاً: كيف توظف اليقظة الذهنية في علاج القلق والتوتر؟
3. خصّص وقتاً لنفسك
رعاية الأطفال ليست أمراً سهلاً، وتضم العديد من المهام اليومية؛ مثل طبخ الطعام، والتنظيف، وقراءة القصص، ومتابعة الدروس. ومن خلال تجربتي يمكن أن أخبرك أن إدارة القلق تصبح أسهل حين تمارس بعض الأنشطة الممتعة وتقضي وقتاً مع نفسك؛ يمكنك على سبيل المثال قراءة فصل من كتاب، أو الخروج في الهواء الطلق.
4. ابحث عن الدعم الاجتماعي
تحدث إلى آباء آخرين، بمن فيهم الأصدقاء وأفراد العائلة، حول مشاكل الأبوة والأمومة التي تواجهها والأمور التي تقلقك، هذا مهم على نحو خاص للآباء والأمهات الذي لا يتحدثون عن أمور عائلتهم إلى الآخرين، فالانفتاح قد يساعدك، ويجعلك تحس بأنك لست وحدك.
5. مارس الرعاية الذاتية
اعتنِ بنفسك جيداً من خلال تناول طعام صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وممارسة الرياضة، خاصةً عندما تشعر بقلق شديد. ويمكن القول إن الرعاية الذاتية لا تقتصر على الذهاب إلى المنتجع الصحي أو الاستحمام بفقاعات، فهناك العديد من أنشطة الرعاية الذاتية التي تتطلب وقتاً قصيراً جداً، مثل ممارسة التأمل اليقظ، أو الرقص.
6. خطط مسبقاً للتعامل مع المواقف
يمكنك أن تضع خطة مسبقة لكيفية التعامل مع المواقف المحفزة التي تتوقع حدوثها؛ على سبيل المثال، دوّن المواقف في دفتر يوميات، ثم اكتب استراتيجيات التكيف التي يمكن استخدامها، مثل الحصول على بعض الهواء النقي أو إعداد مشروب أو الاستماع إلى أغنية مفضلة أو التنفس بعمق. وعلى الجانب الآخر، يمكنك حل المشكلات أيضاً وفق خطة مسبقة؛ على سبيل المثال، إذا كنت تخشى أن يتعرض طفلك للغرق، ادفعه لتعلم السباحة.