لا يستطيع من يعاني من الأليكسيثايميا تحديد مشاعره أو التعبير عنها بالكلمات. فبالنسبة له على سبيل المثال؛ يُعد التعبير عن الغضب أو الحزن أو الخوف ضرباً من المستحيل، وحينها يتسيد الارتباك الموقف، وقد يتعرض لذلك أكثر من شخص من كل عشرة أشخاص، وفيما يلي بعض التوضيحات.
يقول رامي؛ البالغ من العمر 36 عاماً، والذي يعمل في تجارة الكتب. "يبهرني مؤلفي الروايات، فبوسعهم الإسهاب في شرح وتحليل مشاعر شخصياتهم بطول صفحات وصفحات. إنه عالم يختلف تمام الاختلاف عن عالمي، فأنا لا أستطيع في أغلب الأوقات البوح باستخدام الكلمات عما يخالجني من مشاعر، واكتشفت مؤخراً أن هذا ما يُعرف بالأليكسيثايميا". ظهر هذا المصطلح العلمي في أوائل السبعينيات من القرن العشرين؛ وهو مركب من ثلاثة مقاطع: البادئة الدالة على النفي، بالإضافة لكلمتين يونانيتين؛ ما معناه "لا كلام يعبر عن العواطف". يرى موريس كوركوس؛ طبيب نفس الأطفال والمحلل النفسي ومؤلف كتاب "ما هي الأليكسيثايميا؟" (Qu'est-ce que l'alexithymie)، أنها الشر الذي يهدد عصرنا، فيقول: "يوجد هذا الاضطراب في المجتمعات التي تضحي بالتعبير عن المشاعر وتفضل عليها القوالب النمطية"، فالجميع اليوم يكتفي باستخدام أيقونات الوجوه المعبرة التي لا قيمة لها، لنقل صورة للآخر عن حالته المزاجية في تلك اللحظة، وبحسب ما ذكرته كاثرين إيمليت-بيريسول؛ الطبيبة والمعالجة النفسية تحديداً: "قد يصل من يعانون هذه الصعوبة لنسبة 15%؛ بل ولعدم القدرة على "معرفة الحالة المزاجية" للبشر من خلال قراءة وجوههم". لاحظ الباحثون، بعد فحص نشاط الدماغ لدى مرضى الأليكسيثايميا، بعض القصور في منطقتين؛ الأولى هي التي توصل المشاعر، والأخرى هي التي تعيها وتحللها وتصيغها. ومع ذلك، فليس من الواضح ما إذا كانت أوجه القصور هذه، هي التي سببت هذا الاضطراب، أم على النقيض من ذلك؛ ما إذا كانت الصعوبات التي يواجها المصاب، هي التي أدت إلى عرقلة عملية إيصال المشاعر.
لا أدري كيف أشعر
تسبب الأليكسيثايميا ارتباكاً شديداً، ويشرح ذلك عالم النفس أوليفييه لومينيه؛ الذي شارك في تأليف كتاب يحمل عنوان "الأليكسيثايميا" (L'Alexithymie)، فيقول: "لا يعرف المصاب كيفية التفريق بين مشاعره، فعندما يكون مستاءً، يصبح من الصعب عليه معرفة ما إذا كان غاضباً أم حزيناً أم خائفاً". يُعتبر التعليم في بعض الأحيان هو أصل هذه الفوضى. وتؤكد كاثرين إيمليت-بيريسول على هذا الأمر، فتقول: "تقلل بعض الأسر من شأن التعبير عن المشاعر إلى حد ما؛ بل يمكن أن تعاقب عليه أيضاً".
لا يعجبني ما أشعر به
يلاحظ أوليفييه لومينيه أيضاً أن "المصاب بالأليكسيثايميا يمر بمشاعرَ مزعجة أكثر مما يتعرض لأحاسيس إيجابية. كما أن ما يختبره شديد ومؤلم". ما فائدة الحديث عما يُزعج؟ يتابع موريس كوركوس حديثه قائلاً: "يكون الوضع أسوأ إذا كان هذا الاضطراب نتاج إحدى الصدمات، فهنا ينشأ الفراغ داخل المصاب لحمايته من المشاعر التي قد تجعل الحدث المؤلم يطفو على السطح"؛ إذ يكون هناك التباس من نوع آخر. تقول كاثرين إيمليت-بيريسول شارحةً: "بدون التمييز بين الجانب الخارجي (الحدث) والجانب الداخلي (الإحساس)، فإن ذكر الألم يتسبب في إيقاظ الذاكرة، وهنا تفرض آلية الدفاع نفسها تلقائياً".
لا أعرف كيف أفكر فيما أشعر به
يرى موريس كوركوس أن "الإدراك الجسدي لا يحفز المشاعر، كما لا يمكن أن يؤدي إلى صياغة شعور ما، ومن ثم فكرة معينة".من أين تأتي هذه المحدودية في التخيل؟ يُذكر المحلل النفسي "بأن الأم هي أول من يُفسر الأحاسيس الأولى لدى الطفل، وهي التي تضفي عليها معنىً؛ من خلال ترجمتها إلى كلمات (لابد أنك جائع أو خائف،... إلخ)، وكذلك من خلال استجابتها لتلك الأحاسيس بالإيماءات والنظرات"، فإذا لم يتلقَّ الطفل استجابةً، أو بالأحرى تلقى استجابةً غير مناسبة، فهنا يبدو أنه لا جدوى من هذا الشعور أو ذاك. فلماذا نتحدث عنه إذاً؟
ما العمل؟
افتح معجماً
تؤكد كاثرين إيمليت-بيريسول؛ المعالجة النفسية والطبيبة، على أن "الشعور يكون موجوداً بالفعل بداخل الجسم قبل أن يتحول إلى صورة ذهنية ما؛ أي قبل أن يصبح "من الممكن التعبير عنه بكلمات"؛ لكن هناك معاجم تحتوي على كلمات نستطيع من خلالها التعبير عن أحوالنا المزاجية المختلفة: ابحثوا عن تلك التي تلهمكم، دون محاولة منكم لشرح لماذا وقع اختياركم عليها دون غيرها. إن "قراءة" المشاعر تبدأ بكلمات مثل "مضطهد"، "حزين" للتعبير عن الخوف أو الحزن؛ أو "منفعل"، "ثائر" للتعبير عن الغضب".
حرر جسمك
للتعبير بشكل أفضل عن المشاعر من خلال الكلمات؛ يقترح عالم النفس أوليفييه لومينيه، استخدام أساليب غير لفظية، فيقول: "تُعتبر الأساليب النفس-جسمانية في منتهى الفاعلية، فالاسترخاء يريح الجسم ويعزز المشاعر السارة، كما يمكن للتنويم المغناطيسي مساعدة الشخص على فهم ما يشعر به للتعبير عنه بصورة أفضل، من خلال حالة مُعدلة من الوعي".
تخطى التركيز على الجسد وحده
سُلط الضوء على الأليكسيثايميا أثناء إجراء بعض الأبحاث حول الاضطرابات النفسية الجسدية. يشير موريس كوركوس: "بسبب الافتقار إلى الصور الذهنية واللفظية؛ يقوم الجسد بدور بالغ الأهمية. فـ "يحادث نفسه"، ويتململ، ويتفاعل، ومن المرجح أن تظهر بعض الأعراض على المدى الطويل. ويتابع طبيب نفس الأطفال والمحلل النفسي حديثه، فيقول إن من المهم استشارة الطبيب "إذا بدأ المرء يشعر بالأسى"، وهذا قبل أن يصرخ الجسم تعبيراً عن عدم قدرته على مواصلة الأمر...
الحل الذي عثرت عليه مريم (38 عاماً)
"أدركت وجود جسدي عندما بدأت في التأمل. قبل ذلك؛ كان بالنسبة لي مجرد "شيء" بسيط يسمح لي بالحركة والسعي. تعلمت الانتباه لتنفسي وأحاسيسي أثناء أوقات التمرين، وأيضاً أثناء المشي أو الطهي. تدربت مثلي في ذلك مثل شخص رياضي، على أن أتعرف عما يدور في داخلي؛ وكأن نوعاً جديداً من الاتصال قد تم! ما زلت أجد بعض الصعوبة في الحديث عن مشاعري؛ لكنني أصبحت -في اعتقادي- متعايشةً معها".