الأكل باستمرار بين الوجبات: الأسباب النفسية والحلول الممكنة

4 دقائق
الأكل باستمرار بين الوجبات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يقول الطبيب النفسي فريدريك فانجيه (Frédéric Fanget) بإن الطعام من أبرز المتع التي رسختها ثقافة مجتمعاتنا، وما يميزه هو أن الحصول عليه أسهل وأسرع من الحصول على أي متعة أخرى. ويتفق الأطباء وخبراء التغذية على أن الأكل باستمرار بين الوجبات يضر بالصحة ويؤدي إلى زيادة الوزن؛ لكن رغم معرفتهم ذلك يصعب على بعض الأشخاص التخلي عن هذه العادة القهرية. تقول لمى: "كلما تناولت هذه الوجبات الخفيفة شعرتُ بالخزي، لقد سيطرت عادة قضم الطعام المستمر على حياتي"، فما أسباب هذه العادة وكيف يمكن التخلص منها؟
يتفق الأطباء وخبراء التغذية على أن الأكل بين الوجبات يضر بالصحة ويؤدي إلى زيادة الوزن؛ لكن رغم معرفتهم ذلك يصعب على بعض الأشخاص التخلي عن هذه العادة القهرية، فما أسبابها وكيف يمكن التخلص منها؟

ما أسباب عادة الأكل باستمرار بين الوجبات؟

تقول لمى ذات الـ 35 عاماً وهي محررة في إحدى الصحف: "ينهي ابني عشاءه في السابعة والنصف مساءً فأجلس وأكمل ما تبقى في طبقه، وعند التاسعة يصل زوجي إلى المنزل فنتناول عشاءنا، ثم لا بد من تناول قطعة من الجبن أو الشوكولاتة قبل الذهاب إلى الفراش". وتعترف لمى أيضاً أنها مدمنة على الحلوى التي يحضّرها فرن الكعك في الحي الذي تعيش فيه، وتتابع: "كلما تناولت هذه الوجبات الخفيفة شعرتُ بالخزي، لقد سيطرت عادة قضم الطعام المستمر على حياتي".

طريقة لمواجهة الأفكار المزعجة

تمثل عادة تناول الوجبات الخفيفة على نحو متكرر طريقة لمواجهة المشاعر المزعجة، ويقول مختص الطب والعلاج النفسي جيرار أبفلدورفي (Gérard Apfeldorfer): "إنها آلية دفاعية، وكلما كانت مخاوف المرء أكبر زاد ميله إلى تناول الأطعمة الدسمة". وترى مختصة التحليل النفسي جيزيل هاروس ريفيدي (Gisèle Harrus-Révidi) أن الأكل يمكن أن يكون طريقة لمواجهة الملل أيضاً، وتوضح قائلةً: "يُعد تناول الطعام نشاطاً كاملاً فهو يُشبع حواسنا جميعها: البصر واللمس والتذوق والشم وحتى السمع أحياناً"؛ لكن لمَ لا نفكر في استبدال هذا النشاط بممارسة الرياضة مثلاً، لما كانت نشاطاً ممتعاً أيضاً؟ يجيب الطبيب النفسي فريدريك فانجيه بإن الطعام من أبرز المتع التي رسختها ثقافة مجتمعاتنا، وما يميزه هو أن الحصول عليه أسهل وأسرع من الحصول على أي متعة أخرى.

عادة تنشأ بسبب التربية

يقول فريدريك فانجيه: "عندما تمنع الأم الطفل من تناول أطعمة محددة فإنه قد يعتاد في الكبر تناول ما حُرم منه في الصغر، فكل ممنوع مرغوب". من جهته يرى جيرارد أبفيلدورفي أن مختصة الطب والتحليل النفسي الألمانية هيلدا بروخ (Hilde Bruch) قد سلّطت الضوء على المشكلة في أبحاثها، ويقول: "أوضحت بروخ إن بعض الأمهات يحاول حل مشكلات الطفل جميعها بالطعام"، فمثلاً وقع في أثناء اللعب وخدش ركبته فتقدم له أمه الحلوى، أو شعر بالحزن لسبب ما فتواسيه فوراً بقطعة من الكعك، ولهذا لا عجب من أن تناول الطعام سيصبح أفضل طريقة لمواساة النفس بالنسبة إلى هذا الطفل في الكبر.

رغبة في استرجاع الحب الذي تذوقناه في الطفولة

يقول جيرار أبفيلدورفي: "يمتزج الغذاء الذي تقدمه الأم لطفلها الرضيع بالحب"، وتقول جيزيل هاروس ريفيدي: "تترسخ مشاعر الوفرة والامتلاء التي يسببها الشبع في الإنسان منذ صغره، ولذلك فإن تذوق الطعام يمثل تذوقاً للحياة في حد ذاتها"، وتضيف مختصة التحليل النفسي إنّ إعلانات الطعام رسخت هذا المفهوم في أذهاننا بشدة، ولنأخذ إعلانات العلكة مثلاً التي نرى فيها حياة البطل أو البطلة تنقلب رأساً على عقب بمجرد مضغ العلكة. يمثل الأكل بالنسبة إلى من يحبون قضم الوجبات الخفيفة طريقة لجعل الحياة أحلى من خلال استرجاع أحاسيس الطفولة المبكرة، وتوضح مختصة التغذية فلورنس بوجول (Florence Pujol) إنها تفضل تناول الفطائر والمعجنات عموماً لأن قوامها اللين يذكرها بالراحة والأمان والمتعة التي يمنحها سلوك المص للطفل، أما بالنسبة إلى من يفضلون المأكولات صغيرة الحجم كالفول السوداني ورقائق البطاطا والحلويات، فإن ذلك يرجع إلى أن تأرجح اليد على نحو مستمر باتجاه الفم يحيي في أذهانهم ذكرى هدهدة أمهاتهم لهم. إذاً عندما يقضم البالغون الأطعمة باستمرار فإنهم يبحثون في الحقيقة عن الأمان والحنان الذي "تذوقوه" في الطفولة.

كيف يمكنك التعامل مع هذه العادة؟

1. حدد نوع المشكلة بدقة

يقول فريدريك فانجيه: "عليك التأكد أولاً أن مشكلتك تنحصر في عادة قضم الوجبات أي تناول الوجبات الخفيفة باستمرار، وألا تخلط بينها وبين الشره المرضي وهو استهلاك كمية كبيرة من الطعام في مدة محدودة دون أن يكون الهدف من ذلك الاستمتاع به أو تذوقه، أو فرط الأكل وهو استهلاك الطعام المفرط للغاية خلال تناول الوجبة وهو أمر ملحوظ لدى الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة، فهاتان الحالتان تستلزمان رعاية طبية".

2. لا تتناول الوجبات الخفيفة على حساب الوجبات الرئيسية

يقول فريدريك فانجيه: "لا بأس بتناول الوجبات الخفيفة باعتدال طالما أنها لا تتعارض مع تناول 3 وجبات رئيسية يومياً". ويشير الطبيب في هذا السياق إلى الضغط الاجتماعي الذي يدفع النساء على وجه الخصوص إلى الحد من استهلاكهن للطعام بشتى السبل، وكذلك الظروف التي تفرضها بيئة العمل (التوتر ومحدودية خيارات الطعام) وتجعل المرء يستغني لا إرادياً عن الوجبات الرئيسية.

3. حدد المشاعر التي تدفعك إلى تناول الطعام

ترتبط الرغبة المستمرة في تناول الوجبات الخفيفة غالباً بسيطرة مشاعر معينة علينا، وتوضح مختصة التغذية فلورنس بوجول إنه بدلاً من محاولة مكافحة هذه المشاعر بتناول الطعام فإنه علينا أن نتعلم كيف نتقبلها وننظر إليها من كثب ثم نتساءل: ما الذي نحاول الهرب منه بسلوك قضم الطعام المستمر؟ ومن ثم فإن ذلك سيمنحنا الفرصة لندرك ما يثير هذه المشاعر.

شهادة سارة التي تجاوزت هذه العادة

تقول سارة ذات الـ 29 عاماً: "عندما أخبرتُ معالجي النفسي عن الراحة التي يمنحني إياها تناول الطعام سألني: ما السبل الأخرى التي تلجئين إليها لتشعري بالسعادة؟ لم أتمكن من الإجابة إذ لاحظت أنه لم يسبق لي التفكير بأي طريقة أخرى سوى الأكل، لذا قررت البدء بالبحث عما قد يمنحني الراحة والسعادة. ورغم أنني لم أنجح في ذلك تماماً لأن تناول الطعام كان مصدر سعادتي طوال 29 عاماً؛ لكنني اكتشفتُ أن كثيراً من الأمور يمكنها أن تمنحني السعادة كأخذ حمام دافئ أو مشاهدة فيلم كوميدي أو الخروج في نزهة مع زوجي".

المحتوى محمي