يأتي يوم الثاني من أبريل/نيسان ليحتفل الجميع حول العالم باليوم العالمي للتوحد، لدعم الأبطال المصابين بهذا الاضطراب وزيادة الوعي به، بالإضافة إلى البحث عن الطرق الأمثل لدمج هؤلاء الأفراد في المجتمع وتوظيف مهاراتهم بالشكل الصحيح.
لكن على الجانب الآخر؛ يوجد مَن يعاني معاناة مضاعَفة غير هؤلاء الأطفال؛ إنهم الوالدان ومقدمو الرعاية الذين لا يَلقون نفس الدعم، على الرغم من معانتهم الناتجة عن الرعاية الخاصة التي يقدمونها لهؤلاء الأطفال والشباب، بالإضافة إلى التزاماتهم الأخرى - سواء كانت عملاً أو دراسة أو مهامَ يومية.
لذلك نحاول في هذا المقال رصد الآثار النفسية التي يواجهها الوالدان ومقدمو الرعاية للأطفال المصابين بالتوحد، ونقدم بعض النصائح لمساعدتهم على الاستمرار دون أن يطغى ذلك على رفاهتهم الشخصية وصحتهم النفسية.
التوحد يؤثر في حياة الأسرة بأكملها
بحسب دراسة كندية من جامعة تورنتو؛ يُعد التوحد حالة معقدة تتضمن مشاكلَ في السلوك، وقصوراً في التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين؛ ما يسبب تحديات سلوكية كبيرة. كما يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من ضعف الصحة العامة وبطء النمو، وغالباً ما يعانون من إعاقات جسدية ونفسية متزامنة.
في حين قد تتحسّن بعض أعراض التوحد بالعلاج؛ إلا أنه يستمر مدى الحياة، وتقدَّر معدلات انتشاره بـ 1 من كل 160 طفلاً حول العالم وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO).
لا تقتصر الآثار النفسية العميقة لاضطراب التوحد على المصاب فقط؛ بل تؤثر أيضاً في حياة أفراد الأسرة ككل.
يعود ذلك للأدوار والمسؤوليات الإضافية التي يتحملها هؤلاء الأفراد في رعاية الشخص المصاب، وتحمُّل عبء السلوكيات التخريبية، والتغيرات في العلاقات الاجتماعية، وسوء الصحة البدنية، ونقص الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى التغيرات في الروتين اليومي.
كما ترتبط رعاية الأطفال المصابين بالتوحد بارتفاع معدل إجهاد الوالدين والقلق والاكتئاب مقارنة برعاية الأطفال الذين يعانون من مشاكل تنموية أخرى والإعاقات الجسدية.
زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق
أظهرت دراسة من جامعتيّ الزرقاء والأردن أن آباء الأطفال المصابين بالتوحد معرّضون لخطر متزايد من الإصابة بالاكتئاب والقلق، على الرغم من وجود ثقافة المسؤوليات الأسرية المشتركة.
كما يمتد الضغط الجسدي والنفسي الناتج عن تلك الرعاية لفترات طويلة إلى جوانب أخرى من حياة الوالدين.
ففي دراسة منشورة بدورية وجهات نظر في الرعاية النفسية (Perspectives in Psychiatric Care)؛ والتي فحصت العلاقة بين أعراض التوحد لدى الأطفال ومستويات العبء والقلق والاكتئاب لدى مقدمي الرعاية، أشارت النتائج إلى أن الآباء يواجهون صعوبة في الموازنة بين رعاية أنفسهم وأطفالهم المصابين، كما أن هناك ارتباطاً إيجابياً بين الوقت الذي يقضيه مقدم الرعاية في مهام العناية بالمصاب وارتفاع مستويات الاكتئاب والقلق لديه.
الأمهات يتحمّلن العبء الأكبر
أشارت نتائج الدراسة أيضاً إلى أن العديد من مقدمي الرعاية لهؤلاء الأطفال هم الأمهات؛ ما يعني أنهن يتحملن مسؤوليات أسرية أكثر من الآباء. في معظم الثقافات؛ تميل النساء إلى تحمُّل المزيد من المسؤوليات المنزلية، بينما يشارك الآباء بشكل أكبر في الدعم المالي للأسرة.
وتشير النتائج إلى أن الآباء كانوا مثقَلين بشكل معتدل بعبء رعاية طفلهم المريض بسبب الوقت الذي يقضونه في عملهم.
كما يرتبط وقت تقديم الرعاية عكسياً مع نتائج تلك الرعاية، فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الفرد في تقديم الرعاية، كانت الرعاية المقدَّمة أسوأ؛ ما يؤدي إلى زيادة مستويات العبء والاكتئاب والقلق.
الوالدان الأصغر سناً والعاملون أكثر معاناةً
بالإضافة إلى ما سبق؛ أشار الباحثون إلى أن الآباء الأصغر سناً -الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً- هم أكثر معاناةً. يعود ذلك لطبيعة الاضطراب ومتطلبات الرعاية الخاصة به التي تزعج روتين حياة مقدم الرعاية؛ حيث يضطر إلى تقليل الوقت الذي يقضيه في الأنشطة الاجتماعية الأخرى.
علاوةً على ذلك، فالآباء العاملون يعانون من مستوى عبء أعلى، ويشعرون أن تقديم الرعاية دور معقَّد يتطلب تضحيات شخصية ومهنية. لذلك، فهم يعانون من المتطلبات المتنافسة للوظيفة واحتياجات الأسرة والعمل المنزلي.
زيادة العبء في مرحلة المراهقة
من جهة أخرى؛ بحثت دراسة إنجليزية في عبء مقدم الرعاية بانتقال الطفل المصاب بالتوحد أو فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) إلى مرحلة المراهقة -بين 14 و24 عاماً- في المملكة المتحدة، وتوصلت نتائجها إلى ارتباط كلا الاضطرابين بمستوى عالٍ من العبء النفسي؛ والذي كان ملحوظاً بشكل أكبر بين مقدمي رعاية المصابين بالتوحد.
في كلتا المجموعتين؛ ام تفسير عبء مقدم الرعاية بشكل أساسي من خلال الاحتياجات غير الملبّاة للشباب المتأثر في مجالات مثل العلاقات الاجتماعية ومشاكل الصحة العقلية.
نصائح لمقدمي الرعاية
إذا كنت ولي أمر أو مقدم الرعاية لطفل مصاب بالتوحد، فرعايته أمر شديد الأهمية، وإحداث فرق في حياته سيُشعرك بالإنجاز ويمنحك سعادة حقيقية؛ لكن ذلك يجب ألا يكون على حساب صحتك أنت النفسية، فيجب أن تعتني بنفسك.
لذلك، فعليك التساؤل حول مصادر دعمك، وكيف تشعر - هل أنت بخير أم لا؟ هل ما عدت تستطيع التحمُّل؟
فالوصول لنقطة الاحتراق النفسي لن تساعدك أنت أو عائلتك؛ لذلك عليك بناء الرعاية الذاتية في حياتك اليومية، وأن تبحث عن الأشخاص والأنشطة والروتين الذي يناسبك حقاً.
إليك هذه النصائح من موقع "أوتيزم سبيكس" (Autism Speaks) لمساعدتك في مهمتك:
1. اطلب المساعدة: قد يكون طلب المساعدة صعباً في بعض الأحيان، خاصة في البداية؛ لكن عليك ألا تتردد في استخدام أي دعم متاح لك. قد يرغب الأشخاص من حولك في المساعدة؛ لكن قد لا يعرفون كيف أو إذا كنت تريدها حقاً.
على سبيل المثال؛ هل هناك شخص يمكنه اصطحاب أطفالك الآخرين إلى مكان ما لقضاء فترة ما بعد الظهيرة؟ أو طهو العشاء لعائلتك ذات ليلة حتى تتمكن من إنجاز عملك أو متابعة دراستك؟
2. تحدَّث إلى شخص ما: كل شخص يحتاج إلى شخص ما للتحدث إليه. دع أحدهم يعرف ما تمر به وكيف تشعر. يمكن أن يكون الشخص الذي يستمع مصدراً كبيراً للقوة حتى لو لم يساعدك بشكل مباشر.
3. انضم إلى مجموعة دعم: قد يكون من المفيد الاستماع أو التحدث إلى الأشخاص الذين مرّوا أو يمرون بتجربة مماثلة. يمكن أن تكون مجموعات الدعم مصادر رائعة للمعلومات حول الخدمات المتوفرة في منطقتك ومَن يقدمها، كما يمكنها أن توفر الأمل والراحة والتشجيع.
4. حاول أن تأخذ استراحة: اسمح لنفسك بأخذ بعض الوقت بعيداً خلال أي فرصة ممكنة، حتى لو لم يستغرق المشي سوى بضع دقائق. فالخروج لمشاهدة فيلم أو الذهاب للتسوق أو زيارة صديق يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً.
إذا شعرت بالذنب بشأن ذلك، فحاول تذكير نفسك بأن ذلك سيساعدك على الشعور بالتجدد للأشياء التي تحتاج إلى إنجازها عند العودة، كما أنه سيجعلك أكثر استعداداً لاتخاذ قرارات جيدة، وستكون أكثر صبراً مع طفلك وأكثر قدرة على التعامل مع التوتر في حياتك.
5. وأخيراً؛ احتفظ بدفتر يوميات. تقول لويز ديسالفو في كتابها "الكتابة كطريقة للشفاء"، أن الكتابة التي تصف الصادمة وأعمق أفكارنا ومشاعرنا عنها، مرتبطة بتحسين وظيفة المناعة، وتحسين الصحة العاطفية والجسدية، والتغيرات السلوكية الإيجابية. فتلك الدفاتر تكون أداة مفيدة لتتبع تقدم الأطفال، وما ينجح وما لا ينجح.