من البيت الأبيض إلى بيت العائلة: ما الذي قد يواجهه بايدن نفسياً إن ترك منصبه؟

5 دقيقة
أضواء الشهرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: أضواء الشهرة براقة وتجذب الكثيرين حولها؛ لكن مثلما تقول الحكمة الشهيرة: "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع"، فما الذي يحدث في النفس البشرية عندما تنطفئ أضواء الشهرة فجأة؟ وفي حال كانت الشهرة زائلة، فما الأعمدة الأساسية التي يجب أن يقيمها الشخص في حياته حتى لا تنهار مستقبلاً؟ الإجابة بالتفصيل في مقالنا.

كلما قل عدد الأيام الفاصلة بيننا وبين شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ازدادت التحليلات والنقاشات التي تتناول الحدث المهم الذي سيكون موعده خلال ذلك الشهر؛ وهو الانتخابات الأميركية التي سيتحدد خلالها مصير الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن (Joe Biden)؛ أي إذا كان سيبدأ فترة رئاسية جديدة أم يرحل عن البيت الأبيض.

وتُثار حالياً تكهنات في وسائل الإعلام العالمية حول احتمالية تنحي بايدن عن السباق الرئاسي، وما السيناريوهات المحتملة في حال حدوث ذلك. وبالتوازي مع تلك التكهنات، يتحدث البعض أنه نظراً إلى تقدم الرئيس الأميركي في السن وتراجع حالته الصحية؛ يجب عليه أن يفضل الراحة في منزله عن خوض المعارك الإنتخابية؛ لكن هل من السهل نفسياً الابتعاد عن أضواء الشهرة؟ وما التغييرات التي قد تطرأ نتيجة ذلك؟ هذا ما سنجيب عنه بالتفصيل في مقالنا.

رئيس حتى الرمق الأخير: لماذا يتمسك بايدن بشهرته؟

"كدت أنام على المسرح".

جملة برر بها الرئيس الأميركي بايدن ضعف الأداء في المناظرة الأخيرة التي أجراها أمام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (Donald Trump)، وقد تسببت هذه المناظرة في ظهور دعوات تطالبه بالتنحي نظراً لمواجهته صعوبة في الحديث بطلاقة إلى جانب انخفاض نبرة صوته، وهو ما دعا البيت الأبيض إلى التصريح بأن بايدن كان قد أُصيب بنزلة برد، لكنه في الوقت نفسه لم يجيب عن الأسئلة المتعلقة بقدراته الذهنية.

وعلى الرغم من الأداء المتراجع للرئيس بايدن فإنه لم يتردد في التصريح لاحقاً أنه ما زال زعيماً للحزب الديمقراطي مشدداً على أنه لا يوجد أحد يدفعه للرحيل من منصبه، وهو ما يثير في الأذهان تساؤلات عن السبب الذي قد يدفع الرئيس الأميركي إلى التشبث في منصبه على الرغم من ضعف أدائه؛ هل هو بريق الشهرة الذي يخشى فقدانه؟ أم عمله الذي يشعره بقيمة ذاته؟

حسناً، بحسب دراسة علمية أجرتها عالمة النفس دونا روكويل (Donna Rockwell) وعالم النفس ديفيد جايلز (David C Giles) فإن إغراء الشهرة جذاب للغاية، وعندما يجربه الشخص يصبح من الصعب عليه أن يتخيل العيش من دونه فهو نوع من أنواع النشوة.

ويوضح ذلك عالم النفس جيمس بيلي (James Bailey) بإشارته إلى أن الوصول لنشوة الشهرة ينتج عنه اندفاع هرمون الأدرينالين في الدماغ، وهو ما يجعل الشخص المشهور يرغب في التمسك بشهرته ويحاول جذب المزيد من المعجبين حوله، وبالتأكيد يرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالحاجة إلى التقدير والرغبة في نيل قبول أكبر عدد من البشر، وهو ما قد يجعل الشخص المشهور يظل يعمل بمجال شهرته حتى لو فقد شغفه به.

وتتصل جاذبية النشوة الناتجة عن الشهرة بتحولها أحياناً إلى حلقة من حلقات الإدمان، فالمشهور يتحسن مزاجه عندما تزداد شهرته ما يجعله يعمل جاهداً للبقاء في قمة المجد، ولا ينفي ذلك معاناته الخوف من ذهاب شهرته بين ليلة وضحاها، وهذا يفسر الصراع النفسي الذي يعيشه المشاهير معظم الوقت.

كما يوجد بعد نفسي مهم قد يوضح سبب تمسك بايدن بشهرته وهو الدافع الفطري للميل إلى السيطرة، فمعظم البشر يميلون إلى زيادة ممتلكاتهم ونفوذهم وأن يعملوا بوظائف تشعرهم بالقوة والازدهار، وهو ما جعل أحد المشاهير يصف الشهرة بأنها عضوية في نادِ حصري يرغب دوماً أن يظل ضمن أعضائه مهما كان الثمن.

بالإضافة إلى أن المجتمع الأميركي غالباً لا يميل أفراده إلى الرغبة في التقاعد، فعلى سبيل المثال بلغ عمر رجل الأعمال الأميركي وارن بافيت (Warren Buffett) 93 سنة ولم يتخل عن قيادة شركاته حتى اليوم، ويعد العمل بعد سن التقاعد أحد الحلول التي يلجأ إليها كبار السن للهروب من تعرضهم لفقدان الهوية نتيجة إحساسهم القوي بذواتهم في أعمالهم، بالإضافة إلى تجنب الآثار النفسية التي قد تنتج عن الجلوس في المنزل بعد التقاعد مثل الاكتئاب والوحدة والشعور بالإحباط واليأس.

اقرأ أيضاً: ما الذي يدفع المرء للرغبة في الشهرة؟

الجانب المظلم: تعرف إلى الأضرار النفسية للشهرة

يسعى الكثيرون نحو تحقيق الشهرة ظناً منهم أنها البوابة الذهبية لعيش حياة خالية من المنغصات؛ لكن ما لا يرونه غالباً أن الشهرة تأتي حاملة معها بعض الأعباء النفسية غير الهينة؛ وفي مقدمتها التعرض إلى الانتقاد المستمر، فكل من الجمهور والإعلام يراقب حياة المشهور من كثب؛ ما يسبب الشعور بالقلق المستمر والرغبة في الحفاظ على صورة مثالية تتعارض مع الطبيعة البشرية، فالمطلوب من المشهور أن يظهر بلا عيوب جسدية أو نفسية!

ولا تمنح الشهرة أي ميزة بلا مقابل، فهي عندما تعطي الشخص التقدير بين أفراد مجتمعه غالباً ما تُفقده خصوصيته، فدوماً سيجد نفسه ملاحَقاً من أعين الآخرين وكاميراتهم حيثما ذهب؛ وهذا بالطبع يجعله يعاني صعوبة في الاستمتاع بتفاصيل الحياة العادية البسيطة؛ وهو ما يمتد تأثيره إلى تراجع علاقاته الأسرية والاجتماعية.

وفي السياق نفسه، يفقد بعض المشاهير صلاتهم بذواتهم الحقيقية نتيجة حصرهم في نمط شخصية معين يجب أن يتصرفوا وفقاً له في معظم الأوقات؛ ما يجعلهم غير قادرين، إلى حد كبير، على التعبير عن أنفسهم وصراعاتهم؛ وهو ما يؤدي إلى معاناتهم ضغطاً نفسياً يمكن أن يتطور إلى اضطرابات في الصحة النفسية؛ وذلك ما يدفع بعض المشاهير إلى التنفيس عن هذا الضغط بممارسة بعض سلوكيات التكيف غير الصحية مثل تعاطي المخدرات.

اقرأ أيضاً: سيكولوجية المشاهير: تعرّف إلى 4 مشاهير عرب واجهوا أمراضهم النفسية

تُنسى كأنك لم تكن: ماذا يحدث بعد انطفاء أضواء الشهرة؟

مشكلة الشهرة أنها غير مضمونة إلى حد كبير، فلا أنسى عندما كنت أمشي بصحبة خالي في أحد شوارع القاهرة ووجدته يشير إلى رجل جالس على كرسي إلى جانب الرصيف وقال لي: "ألا تعرفه؟"، فأجبته نافياً، فأخبرني إنه أحد أهم الوجوه السينمائية المصرية في السبعينيات والثمانينيات، وحاصل على عدة جوائز مرموقة، وختم حديثه بترديد: "سبحان مغير الأحوال!".

ما حدث مع هذا الممثل وغيره من المشاهير تشرحه المختصة النفسية، سيوبان فيليبس (Siobhan Phillips)، قائلة إن وسائل الإعلام توقع المشاهير في فخ السعي وراء المزيد من الشهرة ثم تطيح بهم خارج دائرة الاهتمام بلا موعد مسبق؛ وهذا ما يجعل البعض منهم يختار ترك كل شيء وراء ظهره في توقيت يحدده هو ليفعل ما يراه أكثر أهمية، سواء كان ذلك عمل آخر له قيمة أكبر بالنسبة إليه، أو حتى مجرد العناية بالأسرة والتواصل مع الأصدقاء.

يغوص المعالج النفسي ريتشارد ثورب (Richard Thorpe) في الأعماق أكثر ليكشف عن الأسباب الحقيقية للمعاناة النفسية عند انطفاء أضواء الشهرة، فيشير إلى أن المسألة تتعلق بالهوية، فالمشهور غالباً لا يرى نفسه خارج الوصف الذي ناله نتيجة شهرته، فإذا فقده يعيش صدمة تنبع من تساؤل شديد الأهمية هو: "من أنا الآن؟ وما قيمتي؟"، فيشعر وكأن هويته قُطعت بالمقصلة؛ فيقع في دائرة من الانتقاد الذاتي المدمر، وتُحاوطه مشاعر الإحباط والفشل التي إن لم يواجهها مبكراً فقد توصله إلى مرحلة متقدمة من الاضطراب النفسي.

تمتد المعاناة إلى دائرة العلاقات كذلك؛ فقد يرى الممثل أو الرياضي أو السياسي أن الأصدقاء الذين كانوا حوله لم يصادقوه سوى لأنه مشهور، أو أن زوجته لم تتزوجه إلا بعد أن أعجبتها شهرته؛ وهذا يجعله يعاني ضغوطاً إضافية قد ينتج عنها فقده بعض علاقاته ومعاناته الوحدة.

اقرأ أيضاً: 3 أسباب ستجعلك تتراجع عن استخدام شريك حياتك لنيل الشهرة على منصات التواصل

إذاً، ما الذي يمكن أن يستند عليه المشهور حتى لا ينهار نفسياً؟

ينصح استشاري الطب النفسي وليد السحيباني، صاحبَ المنصب في الأوقات التي يقضيها خارج عمله، ألا يقيد نفسه ويعيش حياته بعيداً عن البروتوكولات وقيود المنصب أو الشهرة، وأن يتذكر أن عائلته وأصدقاءه يحبونه بوصفها إنساناً وليس لأنه يحتل هذا المنصب، وحينها سيستمع بحياته ويُسعد من حوله ببساطته وأريحيته.

نصيحة السحيباني تؤكدها دراسة علمية أجرتها جامعة روتشستر الأميركية (University of Rochester)، توصلت إلى أن السعي وراء الشهرة أو الثروة أو الجمال يوصل الشخص إلى طريق مسدودة على الصعيد النفسي.

وإنما ما يجعل الشخص سعيداً حقاً وراضياً عن حياته، تحقيق ذاته بفعل ما يعتقد من داخله أن له قيمة حقيقية، وبنائه علاقات صادقة مليئة بالمحبة مع من حوله، وتأثيره إيجاباً في محيطه؛ وهذا يعكس ضرورة أن يركز الفرد على ما بداخله من مشاعر، ويحاول تعزيز اتساقه مع ذاته ولا ينتظر أن يحدد له العالم الخارجي قيمته واستقلاليته، وعليه ألا ينساق في أي مسارات يتنافس فيها مع الآخرين على نحو مَرَضيّ أو يقارن بين حاله وحالهم مستشعراً امتلاكهم ما لا يمتلكه، فلكل منا رحلة حياة فريدة تستحق الفخر.

اقرأ أيضاً: ضريبة النجومية: ما أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً بين المشاهير؟