متى يصبح الأسلوب التربوي سبب الإصابة بالوسواس القهري؟

2 دقيقة
الأسلوب التربوي والوسواس القهري
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ثمة أسلوب تربوي قد يؤدي إلى الإصابة باضطراب الوسواس القهري في الكبر، لنتعرف إلى التفاصيل في المقال التالي.

حينما يدرك المرء في مرحلة الرشد أنه يعاني اضطراب الوسواس القهري، فإنه يمر بعدة مراحل قبل أن يتمكن من تقبل هذه الاضطراب وإدارته، ويتطلب الأمر سبر أغوار مرحلة الطفولة. يشير اضطراب الوسواس القهري إلى اضطرابات نفسية تتميز بوساوس و(أو) أفعال قهرية.

الوساوس هي أفكار أو صور أو دوافع متكررة ومستمرة غير مرغوب فيها، وغالباً ما تسبب قلقاً أو ضيقاً كبيراً، ويمكن لهذه الاضطرابات أن تعوق الفرد عن ممارسة أنشطته اليومية والتواصل مع الآخرين؛ إذ قد يمضي ساعات كل يوم مثلاً وهو يمارس عادات قهرية تؤدي إلى تأزمه نفسياً وتضيع الكثير من وقته، أو قد يعاني الأفكار الوسواسية المتكررة.

ما هو تأثير الأسلوب التربوي في الإصابة بالوسواس القهري؟

يقول مختص التحليل النفسي ستيفان ريتشي (Stéphane Ricchi): "المريض المصاب باضطراب الوسواس القهري تربى في طفولته بطريقة معينة؛ إذ توقع والداه منه أن يكون طفلاً نموذجياً، حاضر الذهن ومتفوقاً في المدرسة ويساعد في أداء المهام المنزلية، لقد مارس والداه عليه ضغطاً مستمراً ليكون كذلك".

حينما يتوقع الوالدان من الطفل أن يكون مثالياً جداً، تنشأ لديه سلوكيات وسواسية ليلبي هذا التوقع. وبالمثل، عندما يمارس الوالدان رقابة صارمة على أنشطة الطفل واختياراته، بهدف مساعدته على التطور، فإن ذلك قد يؤدي إلى إصابته بالوسواس القهري، الذي يعطيه انطباعاً بأنه يتحكم في أفعاله.

يقول المختص: "يظن المصاب باضطراب الوسواس القهري أنه إذا كان مثالياً وحكيماً فسيحظى بحب الآخرين وتقديرهم، فإذا نشأ الطفل في كنف أبوين غير متزنين عاطفياً ولا يمنحانه الحب فإنه سيستخدم عدة آليات للتكيف مع هذا الوضع، ولا سيما الظهور بمظهر الطفل المثالي". على هذا النحو، تسيطر على الطفل فكرة الذات المثالية التي تدفعه إلى البحث عما يجب عليه فعله لتحقيقها.

كيف يمكن تعزيز الثقة بالنفس للتغلب على الوسواس القهري؟

تبقى ذكريات الطفولة حاضرة شدة في ذهن المرء؛ إذ يتذكر الضغط الذي شعر به ليكون طفلاً مثالياً، يتذكر أنه حينما حصل على درجات شبه تامة سمع والدته تقول له: "لمَ لمْ تحصل على درجات تامة؟ كم كانت درجات زملائك؟"، ومن ثم فإنه سيكبر وهو يعاني هذا الصراع الداخلي، ويقول في نفسه: "حتى أحظى بتقدير الآخرين يجب أن أكون مثالياً".

وفقاً لمختص التحليل النفسي ستيفان ريتشي؛ تظهر لدى هذا الشخص في سن الرشد سلوكيات مرتبطة بطفولته، فمثلاً، يظهر ولاءً مفرطاً للشركة التي يعمل فيها ولرئيسه في العمل، ويبذل قصارى جهده لإسعاد عائلته وينسى نفسه.

عندما يعاني المرء ضغطاً شديداً، يطور استراتيجيات التكيف، التي تستنزفه بشدة إلى درجة أنه ينهار عاطفياً أو نفسياً في حالة الفشل، كما يصاب باضطرابات الوسواس القهري عندما يعجز تماماً عن إدارة القلق المصاحب لهذه الحالة. للتغلب على الاضطرابات المختلفة، يجب على المرء أن يستعين بالعلاج الذي يهدف إلى تعزيز ثقته بنفسه ويساعده على تقبل أنه لا يمكن أن يكون مثالياً ويتحكم في كل جانب من جوانب حياته، وهذا دور المختص؛ إذ يسمح للمريض بالعودة إلى جذور المشكلة والمضي قدماً والتغلب على المشكلات المستقبلية.