استيقظت في أحد الأيام الماضية لأجد نفسي لا أستطيع الجلوس بطريقة مستقيمة، كان ظهري يؤلمني، حاولت الاستلقاء قليلاً حتى أشعر ببعض الراحة لكن الألم كان يختفي ثم يعاود الظهور. قبل هذا الصباح، كنت أعاني بعض المشكلات النفسية، وعوضاً عن حلها، حاولت الهروب منها إلى العمل والكتابة؛ لكن بمجرد جلوسي على المكتب كنت أشعر بالألم. لم أكن أعرف تحديداً سبب هذا الألم، فحين تؤلمنا ظهورنا من الطبيعي أن نفترض أننا تعرضنا إلى إصابات أو حملنا أغراضاً ثقيلة؛ لكن تَبين أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ إذ اتضح أن آلام الظهر يمكن أن تكون ناجمة عن أفكارنا ومشاعرنا، ومن خلال هذا المقال سنتعرف معاً إلى الأسباب النفسية لآلام الظهر، وكيفية الحد منها.
محتويات المقال
لماذا قد يؤلمك ظهرك؟
يؤكد مختص طب الألم، جون ميشيلز (John Michels)، إن ظهرك عبارة عن نظام معقد من الأوتار والأربطة والعضلات والعظام والأعصاب الشوكية التي تلعب دوراً أساسياً في كل حركة تفعلها، وبسبب تعقيده الهيكلي ودوره المحوري في أنشطتك اليومية كلها؛ عادة ما يكون ظهرك عرضة إلى الكثير من الآلام التي تشمل:
- الإصابات أو الكسور أو السقوط.
- الشد العضلي.
- توتر العضلات أو الأربطة.
- تشوهات العظام والمفاصل مثل التهاب المفاصل أو هشاشة العظام.
- الوزن الزائد.
- الخمول البدني.
- الانزلاق الغضروفي.
- عرق النسا.
- حصوات الكلى.
ما هي الأسباب النفسية لآلام الظهر؟
إن عملية الشعور والاستجابة للألم معقدة جداً؛ فهناك الجانب الفيزيولوجب وهو ما يحدث في جسمك ليسبب الألم، وأيضاً يوجد الجانب النفسي وهو كيفية تفاعل دماغك مع الألم. ويمكن القول إن جسمك يميل إلى تفسير الألم النفسي على أنه حالة طوارئ جسدية؛ لهذا حين تشعر بالقلق أو التوتر يمكن أن يتسارع معدل ضربات قلبك ويرتفع ضغط دمك ويطلق جسمك العديد من الهرمونات من أجل مواجهة الموقف العصيب الذي تتعرض إليه.
والحقيقة أن عضلاتك أيضاً تستجيب للضغط النفسي، وخاصة تلك الموجودة في الظهر والبطن والذراعين والساقين، وبمجرد زوال التوتر، تتوقف ردود الفعل الجسدية وتعود إلى وضعها الطبيعي؛ لكن هناك بعض الأشخاص الذين يعانون الضغط النفسي المستمر، ونظراً إلى أن جسمك يتفاعل مع ألمك النفسي؛ فإن الإجهاد المزمن يمكن أن يُبقي عضلاتك متوترة ومشدودة باستمرار، وهذا يسبب آلام الظهر، والحقيقة أن تلك الآلام ترتبط ببعض حالات الصحة النفسية مثل:
1. الإصابة بالاكتئاب: تعد الآلام الجسدية؛ بما فيها آلام الظهر، أحد الأعراض الشائعة للاكتئاب، ويمكن القول إن هناك حلقة مفرغة بين آلام الظهر والاكتئاب؛ حيث تؤدي آلام الظهر إلى تفاقم أعراض الاكتئاب؛ ومن ثم يؤدي الاكتئاب الناتج إلى زيادة مشاعر الألم. وعلى الجانب الآخر، قد يمنعك الاكتئاب من ممارسة التمارين الرياضية ويجعلك أكثر عزلة؛ ومن ثَم تجد نفسك قابعاً في المنزل لا تتحرك؛ وهو الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة آلام الظهر.
2. تفاقم مشاعر القلق والتوتر: يمكن أن تؤدي مشاعر القلق والتوتر إلى تفاقم آلام الظهر؛ وذلك لأن التوتر يؤثر في الجهاز العصبي ويسهم في انقباض الأوعية الدموية، وعندما تصبح الأوعية الدموية أضيق، لا تتمكن العناصر الغذائية من الوصول إلى العضلات والأربطة والأوتار والأعصاب حول العمود الفقري، وبسبب هذه الحالة تداهمك آلام الظهر.
3. الاحتراق الوظيفي (Burnout): هو حالة من الإرهاق الجسدي التي تنتج عن التعرض إلى ضغوط العمل فترات طويلة. ويمكن القول إن الاحتراق الوظيفي يؤدي إلى تفاقم آلام الظهر وذلك لأن التعرض إلى الضغط النفسي والتوتر ينقلان الجسم بطريقة طبيعية إلى وضع "القتال أو الهروب" لمحاولة حمايتك من الأذى، وتُفرز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. وفي هذا السياق، يشرح مختص الإرشاد النفسي عبد الله سافر الغامدي إن تدفق هذه الهرمونات يؤدي إلى تشنج العضلات الداعمة للعمود الفقري وانقباضها؛ ما يسبب زيادة آلام الظهر.
على الجانب الآخر، يؤدي التوتر المزمن إلى خلل في عملية إفراز هرمون الكورتيزول بالإضافة إلى مشكلات في الاستجابة الالتهابية للجسم. وفي نهاية المطاف، تؤدي مشكلة الكورتيزول والالتهابات إلى الإجهاد التأكسدي، وتلف الجذور الحرة، وإصابة الخلايا أو الشيخوخة، وكلها عوامل يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالألم المزمن.
4. الإصابة بمتلازمة التهاب العضلات التوتري (TMS): صاغ هذا المصطلح الطبيب جون سارنو (John Sarno)، وينطبق على حالات الألم المزمن المختلفة؛ مثل آلام الظهر وآلام الساق والكتف، وآلام الأعصاب وكذلك الألم العضلي الليفي، وعادة ما يُطلق على الآلام غير المرتبطة بمرض ما، وغالباً ما تنجم تلك الآلام عن تفاقم الشعور بالقلق والتوتر، هذا بالإضافة إلى تجارب الخوف والحزن والاكتئاب والصدمات والمشاعر المكبوتة.
وفي حالات كثيرة، يُصاب بعض الأشخاص بهذه المتلازمة لأن الدماغ يحاول حمايتهم من التهديدات والضغوط النفسية التي تواجههم. تخيل أنك تشعر بالغضب والألم النفسي؛ في هذه الحالة سيحاول عقلك حمايتك من خلال قمع مشاعرك حتى لا تشعر بالألم، ومع مرور الوقت سوف تنمو هذه المشاعر المكبوتة لدرجة أنها تظهر في نهاية المطاف على شكل ألم جسدي؛ إذ من الآمن للدماغ أن يبرر ويعالج الألم الجسدي بدلاً من الألم النفسي.
اقرأ أيضاً: ما الذي تقوله لنا آلام الظهر؟
5 علامات تؤكد معاناتك آلام الظهر النفسية
قد يكون من الصعب تحديد سبب آلام الظهر وهل هي ناجمة عن أسباب نفسية أم جسدية، وإليك بعض العلامات التي تخبرك أن آلام الظهر التي تعانيها مرتبطة بالجانب النفسي:
1. الشعور بالضغط النفسي: إذا كنت تعاني الضغط النفسي أو العاطفي؛ مثل الاحتراق الوظيفي أو الانخراط في علاقة مسيئة، فقد يكون ألم ظهرك نفسياً.
2. الإحساس التدريجي بالألم: إذا تطور ألم ظهرك ببطء مع مرور الوقت وليس فجأة، فقد يكون ذلك علامة على أنه ناجم عن التوتر المرتبط بالتوتر في عضلاتك.
3. عدم وجود أعراض أخرى: إذا لم تكن لديك أي أعراض أخرى، مثل التنميل أو الوخز أو الشد العضلي، ولم يكن الألم شديداً، فقد يكون سببه التوتر.
4. الألم يأتي ويذهب: قد يأتي ألم الظهر المرتبط بأسباب نفسية ويختفي اعتماداً على مستويات التوتر لديك؛ في حين أن الألم الناجم عن إصابة أو حالة طبية يكون أكثر ثباتاً وعادة ما يكون ألماً شديداً.
5. التحسن باستخدام تقنيات إدارة التوتر: إذا تحسن الألم لديك من خلال أنشطة تقليل التوتر مثل التمارين الرياضية أو التنفس العميق، فقد يكون ذلك ألماً نفسياً.
اقرأ أيضاً: دراسة: الآلام النفسية تصيبنا بآلام جسدية محسوسة
كيف يمكن الحد من آلام الظهر الناتجة عن أسباب نفسية؟
تؤدي الضغوط النفسية إلى حدوث خلل في مستوى الناقلات العصبية مثل الدوبامين، وبسبب هذا الخلل تتعطل وظائف الدماغ ويزيد مستوى القلق والتوتر؛ ما يؤدي إلى تفاقم آلام الظهر، ويمكن القول إنها دورة مستمرة من الألم والتوتر، وإليك طرائق العلاج التي يمكن أن تساعد على الحد من آلام الظهر النفسية:
1. عالج المشكلات النفسية العالقة: يؤدي كل من الضغط النفسي والمشكلات العاطفية غير المعالَجة إلى توتر العضلات وتفاقم آلام الظهر، وحتى تعالج هذه الآلام عليك أولاً التعامل مع مشكلاتك النفسية. إذا كنت متوتراً جرب اللجوء إلى استراتيجيات الاسترخاء مثل التأمل، وإذا كنت تعاني الاحتراق الوظيفي، اطلب إجازة من العمل أو قلّص عدد ساعاته.
2. خفّض معاييرك وعدّل أهدافك: خلال الأيام القليلة الماضية، كان ألمي نتيجة للضغط النفسي والإرهاق، ومع ذلك رفضت التخلي عن مسؤولياتي أو خفض معاييري أو التراجع عن رعايتي للآخرين، أو حتى تخصيص وقتي شخصي من أجل التعافي ومحاولة الاسترخاء، والنتيجة أن حالتي ساءت بشدة حتى اقتنعت أخيراً بضرورة اتخاذ بعض الخطوات للعلاج.
3. عدّل بيئتك التي تعيش وتعمل بها: غالباً ما تتفاقم آلام الظهر لأن البيئات التي نعيش فيها أو نعمل بها لا تدعم صحة الجسم أو تزيد الضغط البدني على العمود الفقري؛ ولهذا يجب تعديل البيئة التي نعيش فيها؛ ومن أهم هذه التعديلات اقتناء الأثاث المريح، وإعادة تشكيل المساحات المادية حتى نتمكن من العمل أو ممارسة الهوايات دون ضغط على العمود الفقري، إلى جانب إجراء بعض التغييرات على روتينك؛ فيمكنك على سبيل المثال الجلوس على المكتب مدة 30 دقيقة ثم النهوض من أجل المشي قليلاً أو التمدد.
4. مارس التمارين الرياضية: يمكن أن يؤدي النشاط البدني إلى إطلاق هرمون الإندورفين وتحسين الحالة المزاجية؛ ما قد يساعد على تقليل التوتر واسترخاء العضلات. ولذلك؛ احرص على الاستيقاظ مبكراً ومارس التمارين الرياضية قبل الانطلاق إلى العمل، وإذا لم تتمكن من ذلك خصص وقتاً لممارسة الرياضة في المنزل.
5. تحدّث إلى الطبيب المختص: إذا استمر ألم ظهرك، عليك أن تتحدث فوراً إلى طبيبك المختص، حتى يحدد إن كان الألم نفسياً أم جسدياً، وفي الأحوال جميعها، سيخبرك الطبيب بطرائق العلاج المناسبة التي ستسهم في تعافيك.