4 طرق لاكتشاف اللاوعي، تعرّف إليها

5 دقائق
اكتشاف اللاوعي

قد نعتقد أن الاستلقاء على الأريكة لدى مختص التحليل النفسي، هي الطريقة الوحيدة لنخوض في أعماقنا ونكتشف أسرار لاوعينا؛ لكن هناك الكثير من الأساليب العلاجية التي تقدم لنا تقنيات تساعدنا في اكتشاف اللاوعي وتوسيع نطاقه لدينا، وتكشف عن جزء من هذا اللغز.

  • طريقة التنفس الشامل (Holotropic breathing)
  • التنويم المغناطيسي الإريكسوني
  • طريقة الرسم الإسقاطي
  • طريقة أحلام اليقظة الحرة للخوض في اللاوعي

بهدف فهم الآليات التي تتحكم فينا؛ يعمل التحليل النفسي على التحقيق في تاريخنا الشخصي؛ من خلال أحلامنا، وهفواتنا، وتداعي أفكارنا. ويُعبر المريض خلال ذلك عن "جذور" معاناته؛ ما يتيح له التحرر منها.

ومع ذلك، فيؤكد دوهار سي أحمد؛ مختص التحليل النفسي، ومؤسس معهد حدود النطاقات النفسية (ICLP)، ومؤلف كتاب "كيف تفكر في الخوارق: التحليل النفسي للنطاقات الحدودية للنفس" (Comment penser le paranormal  psychanalyse des champs limites de la psyché): "ذُكرت فكرة المعالج الداخلي منذ نهاية القرن الـ 18. وفي أربعينيات القرن الماضي، أحدث ميلتون إريكسون ثورةً في عالم العلاج النفسي من خلال النظر إلى اللاوعي، ليس كمصدر للصراع فقط؛ ولكن كمخزنٍ للحلول أيضاً". بالنسبة للطبيب النفسي والمعالج بالتنويم المغناطيسي الأميركي ميلتون إريكسون، فإن عملية تعديل حالة الوعي لدينا تتيح لنا تجاوز "مقاومتنا" للوصول إلى مخزون من الموارد والقدرات المنسية، وبما أنه يتسم بالحرية والإبداع، ويتجاوز توقعاتنا، يمكن للاوعي بعد ذلك استكشاف مسارات أخرى وإمكانيات جديدة لدينا، حتى دون أن نفهم الكثير عن ذلك في بعض الأحيان.

ما يهم بالدرجة الأولى هو تنوع الاحتمالات التي نحصل عليها، إضافةً للتوفيق بين الوعي واللاوعي؛ بحيث نتوقف عن النظر إليهما كحالتين مختلفتين تذهب كل منهما في اتجاه.

هناك العديد من الأساليب التي تتيح لنا اكتشاف اللاوعي وتجاوز نطاق وعينا المعتاد، ونتعرف فيما يلي إلى أربعة منها؛ وهي: التنفس الشامل، والتنويم المغناطيسي الإريكسوني، والرسم الإسقاطي، وأحلام اليقظة الحرة.

طريقة التنفس الشامل (Holotropic breathing)

حالة نشوة ذهنية

ما هو أسلوب التنفس الشامل؟ من خلال التأثير المشترك للتنفس السريع والعميق، والموسيقى المفعمة بالذكريات، فإنه يمكن اعتبار أسلوب التنفس الشامل مشابهاً لتجربة حالة النشوة الذهنية. وتم تطوير هذه التقنية في السبعينيات من قبل ستانيسلاف جروف؛ وهو طبيب نفسي أميركي من أصل تشيكي، كبديل لما يُسمى بالعلاجات "المخدرة" (العلاج بالعقاقير).

آلية العلاج: يستلقي المريض ضمن مجموعة في غرفة شبه مظلمة، ثم يُطلب منه أن يتنفس بسرعة وعمق تزامناً مع تشغيل موسيقى صاخبة ومتغيرة الذروة؛ ما يؤدي إلى دخوله في حالة وعي معدّل. توضح بيرناديت بلين؛ المختصة في علم النفس والمعالجة النفسية: "تؤدي ممارسة التنفس المكثّف إلى حالة من تضخم الوعي؛ ما يسمح للمعالج الداخلي لدينا باستكشاف عوالم مختلفة من اللاوعي". ويشمل ذلك اللاوعي الفردي أو اللاوعي المتعلق بتاريخنا الشخصي (الذي يبدأ معنا منذ طفولتنا المبكرة)، والفترة المحيطة بالولادة (من الحمل حتى الولادة)، واللاوعي ما وراء الشخصي؛ بما في ذلك اللاوعي العابر للأجيال، والأسطوري، والروحي.. إلخ.

ويعد أسلوب التنفس الشامل - (Holotropic breathing) (من الكلمة اليونانية holos، "الكل"، وtrepein، "للذهاب نحو") - نقطة التقاء بين أساليب الشامانية، وأساليب المتصوفة الشرقيين. وتتيح هذه الطريقة العلاجية إمكانية تجربة "واقع آخر"، والذهاب في رحلة عبر الحيوات السابقة، والعودة إلى حياة الجنين، والتعرف إلى الحيوان الروحي الخاص بك (الطوطم)، و تعد هذه الممارسة أيضاً، وسيلةً للتنفيس الانفعالي؛ إذ غالباً ما تحرر العواطف القديمة بطريقة مذهلة. يمكن أن تستمر العملية لمدة تصل إلى ثلاث ساعات، ويرافق كل مريض مشارك آخر، وتتم تحت إشراف المعالجين. وبالعودة إلى الواقع؛ يفسر المريض تجربته ويكمّلها برسم على طريقة فن الماندالا، ويشاركه مع بقية أفراد المجموعة.

التنويم المغناطيسي الإريكسوني

تغيير مستوى وعيك

هي إحدى طرق العلاج بالتنويم المغناطيسي، طوّرها الطبيب النفسي وعالم النفس الأميركي ميلتون إريكسون منذ عشرينيات القرن الماضي، وهي عملية تعديل للوعي، الهدف منها هو الوصول إلى نقطة التقاء بين الوعي واللاوعي.

آلية العلاج: يوضح مختص العلاج بالتنويم المغناطيسي كيفين فينيل: "يحدد المريض مع المعالج التغييرات التي يسعى لتحقيقها. على سبيل المثال؛ إذا كان يرغب في تحسين ثقته بنفسه، فما هو الموقف المحدد الذي يريد أن يشعر براحة أكبر عند مواجهته؟". بعد تحضير المريض ذهنياً (مرحلة ما قبل الاستقراء)، تأتي مرحلة الاستقراء؛ حيث يركز المريض انتباهه على جزء من جسده، عبر تخيل قلقه، ومراقبة نفسه من الخارج، وهكذا يدخل في حالة من التنويم المغناطيسي، يمكنه الخروج منها وقتما يشاء، و يمكنه رفض مقترحات معينة من المعالج، أو التعمق في الحالة. وبهذه الطريقة يطمئن المريض إلى عدم فقدانه السيطرة أو حالة الوعي كلياً؛ إذ إنه يبقى يقظاً طوال الوقت؛ لكنه يعطي مجالاً أكبر للاوعي، ليحاوره ويسمع ردوده. وليتمكن من مرافقة المريض خلال ذلك؛ يضع المعالج ترميزاً معيناً. مثال: عندما يرفع المريض إصبعه فذلك يعني "نعم"، أما خفضه يعني "لا". هناك عدة تقنيات يمكن استخدامها بعد ذلك؛ مثل تحفيز الإبداع، واسترجاع ذكريات محددة، والاقتراحات المباشرة؛ مثل قول المعالج للمريض: "تم تخفيف ألمك" أو استخدام الاستعارات غير المباشرة التي تحفز اللاوعي. يوضح كيفين فينيل: "على سبيل المثال؛ يمكن تفسير مرحلة ما بعد الصدمة بطريقة مختلفة؛ من خلال النظر إليها كنقطة قوة يستخدمها الشخص ليحرر نفسه من هذه الصدمة". في نهاية العملية، يستيقظ المريض وفق وتيرته الخاصة، ثم يعلق مع المعالج على الجلسة.

طريقة الرسم الإسقاطي

دع يدك ترسم الرموز

ما هو الرسم الإسقاطي؟ هو إسقاط رمزي للنفس على ورقة، وهي طريقة مستوحاة من طريقة رسم الماندالا للتعبير عن الذات؛ والتي استخدمها كارل غوستاف يونغ. ويتمحور الرسم الإسقاطي حول رسم خطوط وزخرفات عفوية، دون التِماس جمالية أو رمزية معينة خلال ذلك.

آلية العلاج: يُمارس الرسم الإسقاطي ضمن مجموعة أو بطريقة منفردة، ويسبق البدء به استرخاء المريض. كما يجب أن تكون اليد مسترخية وحرة تماماً، وفي حال عدم تمكن المريض من التخلي عن التحكم فيها؛ يمكنه استخدام يده الأخرى أو تعصيب عينيه. يقوم المريض باختيار 3 أقلام ملونة بطريقة عشوائية، وبعد ذلك يكون لديه 20 دقيقة للرسم دون التفكير فيما يرسمه، حتى يظهر شكل ما. ومن ثم تُخصص 20 دقيقة أخرى لتفسير الرسم الذي يعبر المريض من خلاله عن نفسه بطريقة يونغ؛ إذ يسترشد بأسئلة المعالج، وتحليل الرموز، وذكرياته وتداعي أفكاره، ليستكشف مسارات التفكير التي يقدمها اللاوعي له. وتوضح كلير ديلاباري؛ المختصة في التحليل النفسي بطريقة يونغ، أنه لا يُتبع هنا النهج المستخدم في علم النفس، بالنسبة لتفسير الألوان، وغياب أو وجود علامات معينة. فرسم الشمس في طريقة يونغ -على سبيل المثال- هو دلالة على الحاجة إلى الدفء والضوء، وليس على العلاقة بالأب. ويمارس المرضى الرسم على ملاءات ملونة كبيرة الحجم، ولوحات قماشية، إضافة لأعمال الصلصال والتصاميم المشتركة. وبعد الانتهاء يقوم المشاركون بعملية "إصلاح" لرسوماتهم (وهي طريقة رمزية للعناية بالنفس) - على سبيل المثال؛ تنعيم الزوايا في رسمة ظلية؛ إذ تُعبر الزوايا الحادة عن حالة صراع لم تُحل. وعلى عكس الأحلام؛ التي يصعب أحياناً تذكرها، فإن الرسم لا يتغير تبعاً لتخيلاتنا، و يمكن الاحتفاظ به وإجراء تعديلات عليه لاحقاً.

طريقة أحلام اليقظة الحرة للخوض في اللاوعي

حرر الصور الداخلية

ما هي أحلام اليقظة؟ هي أن نحلم دون أن ننام.

تم تطوير هذه الطريقة في السبعينيات من قبل المعالج النفسي جورج رومي؛ مؤلف كتاب "أحلام اليقظة الحرة، مسار علاجي جديد" (Rêve éveillé libre, une nouvelle voie thérapeutique). وهي مستوحاة من طريقة "حلم اليقظة الموجه" التي ابتكرها المهندس روبرت ديسويل في عشرينيات القرن الماضي، مع وجود اختلاف واحد كبير بين الطريقتين؛ هو أنه في طريقة أحلام اليقظة الحرة، يسمح المعالج للمريض بالخوض في حلمه دون تدخل منه.

آلية العلاج: يدخل المريض في حالة وسيطة من الوعي –حالة من النوم اليقظ- ويصف الصور التي تخطر بباله، دون محاولة تحديد مدى منطقيتها، وشيئاً فشيئاً، تتضح الصورة الكاملة. ووفقاً لجورج رومي: "تؤدي الصدمات أو الصعوبات الماضية، إلى "تجميد" الخلايا العصبية في مواقع معينة، وتؤدي حالة الاسترخاء إلى انتقال النبضات العصبية بطريقة أفضل، وتحديد العوائق في اللاوعي وإزالتها؛ وبالتالي تحفيز الوعي من خلال ظهور الصور والذكريات والعواطف". وبينما يؤدي حلم اليقظة إلى تعديل "المحفوظات" العصبية، فإن بحث العملية مع المعالج يعزز من هذه التغييرات. ومن خلال الاستناد إلى التفسير الفرويدي للأحلام، وفك رموز التخيلات، والشخصية المكبوتة، و التحليل اليونغي الذي يُعنى باللاوعي الجمعي، وبفضل تصنيف الرموز الذي وضعه جورج رومي من خلال آلاف الجلسات؛ يساعد المعالج المريض على فهم معنى هذه الأحلام. و توفر طاقة التجديد الموجودة في هذه الصور التي يراها المريض، الدَفعة اللازمة له لبدء التغيير الإيجابي الفعال. يقول جورج رومي: "على سبيل المثال، فإن الشخص الذي تمكن، في حلمه، من الخروج من نفق ليجد نفسه في الهواء الطلق، سيستمد من هذا التحرر الرمزي، الطاقة اللازمة له لمتابعة التغيير الواعي".

المحتوى محمي