هل تعتقد أن صديقك يُخفي عنك ما يشعر به حقاً؟ هل تشعر أنه يصطنع المرح بينما هو يشعر بالاكتئاب؟ كيف بإمكان الذكاء الاصطناعي المساعدة في اكتشاف الاكتئاب؟
إذا نجح صديقك في إخفاء مشاعره عنك، فلن يستطيع فعل ذلك مع خوارزميات مطوَّرة حديثاً لاكتشاف الاكتئاب لدى مستخدمي "تويتر" (Twitter)؛ والتي نجحت في ذلك الأمر بدقة تصل إلى نحو 90%.
الذكاء الاصطناعي وتحديد الحالة النفسية
طوَّر باحثون من جامعتيّ برونيل لندن وليستر الإنجليزيتين خوارزمية يمكنها اكتشاف الاكتئاب لدى مستخدمي تطبيق تويتر بدقة تصل إلى 88.39%؛ حيث رصد الروبوت الذكي 9 من أصل 10 مستخدمين يشعرون بالاكتئاب، وهي نسبة جيدة جداً في عالم التعلُّم الآلي، فأي شيء تزيد دقته عن 90% يُعتبر ممتازاً.
هدف الباحثون من تلك الدراسة إلى تحديد الاكتئاب في مرحلة مبكرة عن طريق البحث في السلوكيات الاجتماعية عبر الإنترنت، ليس بالاعتماد على استخراج العديد من الخصائص المعقَّدة لتحقيق اكتشاف دقيق للاكتئاب؛ بل بتطوير أداة قادرة على تحليل بيانات المستخدمين وسلوكياتهم.
تُحدد الخوارزمية المطوَّرة حديثاً الحالة النفسية لشخص ما عن طريق استخراج وتحليل 38 نقطة بيانات من ملفه الشخصي العام على تويتر؛ بما في ذلك محتوى منشوراته، وأوقات نشرها، والمستخدمين الآخرين في دائرته الاجتماعية.
يقول فريق البحث أن الأنظمة المماثلة يمكن أن تكون لها مجموعة من الاستخدامات المختلفة في المستقبل عبر منصات متعددة؛ مثل التشخيص المبكر للاكتئاب أو فحص ملفات المتقدمين في عمليات التوظيف أو تحقيقات الشرطة أو التجارة الالكترونية.
يقول الأستاذ عبد الصادق؛ مدير معهد برونيل للمستقبل الرقمي (Brunel’s Institute of Digital Futures): "لقد اختبرنا الخوارزمية على قاعدتيّ بيانات كبيرَتين، وقارنّا نتائجنا مع تقنيات اكتشاف الاكتئاب الأخرى. في جميع الحالات؛ تمكنّا من التفوق في الأداء على التقنيات الحالية من حيث الدقة في التصنيف".
رصد الكلمات المستخدَمة والرموز التعبيرية
تم تدريب الخوارزمية باستخدام قاعدتيّ بيانات تحتويان على تاريخ تصفُّح تويتر لآلاف المستخدمين، إلى جانب معلومات إضافية حول صحتهم النفسية. تم استخدام 80% من المعلومات في كل قاعدة بيانات لتعليم الروبوت، فيما تم استخدام الـ 20% الأخرى لاختبار مدى دقتها.
بالنسبة لعمل الروبوت الذكي في الدراسة الحديثة، فقد استبعد جميع المستخدمين الذين لديهم أقل من 5 تغريدات. كما تم أخذ 38 عاملاً مميزاً؛ مثل استخدام المستخدِم للكلمات الإيجابية والسلبية، وعدد الأصدقاء والمتابعين لديه، واستخدامه "الرموز التعبيرية" (Emoji)، في الاعتبار من أجل تحديد حالته العقلية والعاطفية.
يضيف عبد الصادق: "إنها ليست دقيقة بنسبة 100%؛ لكنني لا أعتقد في هذا المستوى أن أي حل للتعلم الآلي يمكن أن يحقق موثوقية بنسبة 100%. ومع ذلك، فكلما اقتربت من نسبة 90% كان ذلك أفضل".
تقييم الحالة العقلية بشكل استباقي
يشير الباحثون إلى أن هذا النظام يمكن أن يرصد اكتئاب المستخدِم قبل أن ينشر شيئاً في المجال العام؛ ما يمهِّد الطريق لمنصات مثل تويتر وفيسبوك للإبلاغ بشكل استباقي عن مشكلات الصحة النفسية لدى المستخدمين.
كما يمكن استخدام الروبوت الذكي بعد نشر تلك المنشورات أو المشاركات؛ ما قد يسمح لأصحاب العمل والشركات بتقييم الحالة العقلية للمستخدِم بناءً على منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضا:
"هل كل شيء على ما يرام؟"
بالإضافة إلى تحليل الكلمات المستخدَمة والرموز التعبيرية؛ تمتد قدرة الذكاء الاصطناعي على الكشف عن علامات الاكتئاب أيضاً من خلال تحليل التغييرات في الوقت الفعلي في الردود على الرسائل النصية في المحادثات.
يتمكن تطبيق "مي" (Mei)؛ وهو تطبيق مراسلة يستخدم الذكاء الاصطناعي لدراسة الأنماط اللغوية مثل الكلمات المستخدمة، ووقت الاستجابة، وكمية الكلمات، بالإضافة إلى علامات الترقيم والرموز التعبيرية، لاكتشاف السلوك غير الطبيعي في النصوص من أجل الإبلاغ عن علامات الاكتئاب للمستخدمين.
تم تطوير ذلك التطبيق واختباره لمدة ثلاث سنوات؛ بحيث عندما يلاحظ تغييرات على أي من طرفيّ المحادثة، يتلقى المستخدمون تنبيهاً يسأل عما إذا كان "كل شيء على ما يرام". يمكن للمستخدِم بعد ذلك اختيار "نعم" أو "لا، سأخبرك"، فيفتح التطبيق نافذة أخرى تسمح للمستخدم بإدخال نص، وفي مرحلة اختبار التطبيق، كانت الردود التي تبعت الإجابة بـ "لا" سلبية بشكل عام؛ ما يشير إلى وجود مشكلات أو تغيرات حقيقية مقلقة في السلوك لدى المستخدِم.
بمجرد رد المستخدم بأنه ليس على ما يرام، تُرجع الخوارزمية للمستخدم جهة اتصال جيدة، وهي ستكون شخصاً قريباً منه قد راسله مؤخراً.
يستمر مطوّرو ذلك التطبيق في تحسين الخوارزميات، ويأملون في التكيُّف بشكل أفضل مع الاختلافات الديموغرافية، مشيرين في بحثهم إلى أن النساء عادةً ما يستخدمن كلمات أكثر ارتباطاً بالاكتئاب، وأن الإبلاغ عن الاكتئاب يتراجع عادةً مع تقدم العمر لكل من الرجال والنساء.
اقرأ أيضاً: لماذا يؤثر الاكتئاب الشديد على النساء والرجال بشكل مختلف؟
تسلسل ضغط المفاتيح مؤشر للاكتئاب
وفي السياق ذاته؛ تم تطوير تطبيق للهاتف المحمول "نوع الحالة المزاجية" (TypeOfMood) في جامعة خليفة بدولة الإمارات. ويركِّز هذا التطبيق على ديناميكيات ضغط المفاتيح لاكتشاف البداية المبكرة للاكتئاب بشكل فعّال.
يقول الدكتور "ليونتيوس هادجيلونتيادس" (Leontios Hadjileontiadis)؛ أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات، والقائم بأعمال رئيس قسم الهندسة الطبية الحيوية: "أصبح المرض النفسي وباءً رئيسياً في المجتمعات الحديثة؛ لكن نقص الموارد والوصمة الاجتماعية تشكل عبئاً في التشخيص".
انبثقت فكرة التطبيق من ارتباط كل من تباطؤ التفكير والحركات الجسدية بالاكتئاب؛ ما يؤثر على أنشطة الفرد المعتادة ويغير تفاعله اليومي مع الأجهزة الذكية. يعمل التطبيق من خلال تسجيل تسلسل الطابع الزمني للمفاتيح التي يتم الضغط عليها وتركها، وموضع الأصابع على شاشة الهاتف الذكي التي تعمل باللمس.
أوضح الدكتور هادجيلونتياديس أن تفاعل المستخدِم مع الهواتف الذكية يمكن أن يوفر رؤىً حول احتمالية إصابة الشخص بالاكتئاب؛ خاصة الفاصل الزمني بين الضغط على المفتاح وتركه، ومدة التأخير بين التحرير المتتالي والضغط على المفتاح التالي، بالإضافة إلى سرعة تحرُّك الإصبع عبر الشاشة.
استعان الباحثون في تلك الدراسة ببيانات الكتابة خلال قيام المستخدمين بكتابة الرسائل في تطبيق "ماسنجر" (Messenger)، بالإضافة إلى "جوجل كروم" (Google Chrome) و"إنستغرام" (Instagram) و"واتساب" (WhatsApp).
اقرأ أيضاً: هل يزيد البقاء في المنزل من أعراض الاكتئاب؟
كسر الخوف من وصمة التشخيص بالاكتئاب
يشير الباحثون إلى أن تلك البيانات التي نجحوا في الحصول عليها كان من الصعب الحصول عليها عن طريق بيئة دراسة سريرية، لتخوُّف بعض الأفراد من الإفصاح عمّا يشعرون به حقاً من حالة نفسية سيئة. كما تُظهر الطرق التي تلتقط المعلومات عن طريق فحص غير خاضع للإشراف نتائج واعدة نحو اكتشاف أعراض الاكتئاب لدى الشباب.
يقول الدكتور هادجيلونتياديس: "وفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ الإمارات العربية المتحدة لديها أعلى مستوى إقليمي للاكتئاب، بنسبة 5.1% من السكان. كما تحتل البلاد مرتبة عالية من حيث القلق؛ حيث يعاني منه نحو 4.1%".
لذلك فقد يؤدي التعامل مع هذه المشكلة بنهج جديد إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، وتوسيع طريقة تقييم الصحة العقلية من خلال توفير الأدوات التي تدعم المعايير السريرية الحالية لتقييم الصحة النفسية والعقلية.
وفي ذلك الأمر، لن يكون هناك شيئاً يضاهي الوسائل التكنولوجية التي أصبحت مصاحبة لكل الأفراد من مختلف المراحل العمرية.