اضطراب الشخصية النرجسية هو أحد اضطرابات الشخصية التي تتميّز بنمط ثابت من الأفكار والمشاعر والسلوكيات المؤذية للشخص المصاب بالاضطراب أو للأشخاص الذين يتعامل معهم، وهو أكثر شيوعاً بين الرجال من النساء.
بالرغم من تزايد الوعي بهذا الاضطراب، فقد يفرط البعض في استخدام مصطلح "النرجسية" أو يسيء آخرون فهم حقيقة هذا المرض؛ إذ أصبح أقرب إلى سمة شخصية تُلفّق لكل شخصٍ نتعارض معه أو نستشفّ منه ثقةً واضحة بالنفس. بيد أنّ الخبراء يؤكدّون أن معظمنا ستكون لديه سمة نرجسية واحدة على الأقل في مرحلة ما من حياته وتظهر على شكل سلوكيات أو مواقف؛ لكنّها تختلف عن أعراض اضطراب الشخصية النرجسية المرضي.
إنّ الإحساس المفرط بأهمية الذات والحاجة الماسّة إلى الإعجاب ونقص التعاطف من أبرز ما يميّز هذا الاضطراب. هناك المزيد بالتأكيد، ويقدّمه هذا المقال في معلومات ثريّة ومثيرة كما يعرض الطرائق الممكنة للتعامل مع الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية.
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟
إنّ اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder) ليس مجرد نوع من الشخصيات أو خياراً شخصياً يتخذه أحدهم؛ إنما هو تشخيص رسمي لحالة نفسية معقّدة تؤثر في شعور الشخص وتفكيره وتصرفاته، وهو ما يتمّ إسقاطه على حياته اليومية وكيفية تعامله مع الآخرين، وطبيعة علاقاته الشخصية والمهنية.
ويقول الباحث والطبيب النفسي الأميركي دونالد بلاك (Donald Black) في أحد كتبه: "سُمّي اضطراب الشخصية النرجسية على اسم "نركسوس" (Narcissus) من الأساطير اليونانية؛ الذي وقع في حب انعكاسه الخاص. استخدم فرويد المصطلح لوصف الأشخاص المنغمسين في ذواتهم، وركّز المحللون النفسيون على حاجة المصاب إلى تعزيز تقديره لذاته من خلال وهم العظمة، والطموح المبالَغ فيه، والاستعراض، ومشاعر الاستحقاق".
أما أستاذة علم النفس والكاتبة الأميركية رماني دورفاسولا (Ramani Durvasula)، فتحدّد مميزات أساسية في اضطراب الشخصية النرجسية لا بّد من معرفتها؛ وهي: نقص التعاطف أو التعاطف المتقلّب، وهوَس العظمة، والتَعجرف، والحسد، والسعي إلى كسب التأييد، والحاجة إلى السيطرة، وأهلية الاستحقاق، والتصنّع، والتمركز حول الذات، والخلل في تنظيم المشاعر مثل الغضب والإحباط والتسامح.
وتؤكّد رماني إنّ الأشخاص المتأثرين بهذا الاضطراب لا يشعرون بالأمان، لذلك تجدهم يقومون بردود أفعال سريعة. فهم يعانون من شعور داخلي بالعار يسقطونه على أشخاص آخرين كنوع من آليات الدفاع ضد شعورهم ذاك، فتنتج من هذه الديناميكية النفسية لديهم سلوكيات مؤذية مثل التلاعب بالعقول (Gaslighting) والاستغلال.
اقرأ أيضاً: ما معنى اضطراب الشخصية، وكيف يمكن علاجه؟
أعراض اضطراب الشخصية النرجسية
يقوم الأطباء بتشخيص الاضطراب النرجسي في الشخصية عندما يجدون خمسة أعراض محددة أو أكثر لدى الشخص المصاب، تم تحديدها بواسطة الدليل الإحصائي التشخيصي الخامس (DSM-5). ووفقاً للمعلومات الصادرة عن سايك سنترال (Psych Central)؛ يمكن أن يفسّر كلٌّ من الهشاشة والخوف وتدنّي احترام الذات بعض أعراض اضطراب الشخصية النرجسية لكن لا يتأثّر المصابون بها جميعهم بالدرجة أو الحدّة ذاتها. وتتمثّل أبرز تلك الأعراض في العلامات التسع التالية:
- هوس العظمة وأهمية الذات: يظهر الشعور المتضخم بأهمية الذات لدى المصابين في شعورهم بأنهم أكثر قوةً وذكاءً، ويدفعهم شعور التفوق إلى المبالغة في الكذب بشأن إنجازاتهم ومهاراتهم ومواهبهم. لكن هذا لا ينطبق على الجميع؛ إذ يميل بعضُ المصابين إلى الخجل والانسحاب، ويؤمن مع ذلك إيماناً راسخاً بأنه متفوق في جانب واحد أو عدة جوانبَ مقارنةً بالأشخاص الآخرين.
- أوهام الكمال والتفوّق: قد يتوهّم الأشخاص ذوو الشخصية النرجسية بأنهم يمتلكون قوة غير محدودة أو ذكاءً أو جمالاً أو قبولاً أو حُبّاً، ويعتقدون أنهم يستحقون ذلك أكثر من غيرهم.
- إحساس التميّز والتفرّد: حاجة النرجسيين إلى إبراز تميُّزهم وتفرّدهم تقودهم إلى الاعتقاد بأنه لا يمكن فهمهم أو الارتباط بهم إلا من قِبل أشخاص ومجموعات خاصة وفريدة من نوعها. فإذا لم "يفهمهم" شخص ما، فذلك يعني أنّه ليس ذكياً أو مميّزاً أو فريداً!
- الحاجة إلى الاهتمام والثناء: الحاجة المستمرّة إلى الإعجاب والاهتمام والثناء تجعلُ من تقبُّل الانتقاد أمراً صعباً لدى المصابين.
- الحسّ القوي بالاستحقاق: أي حين يكون الشخص المصاب مقتنعاً بأنه يستحق معاملة خاصةً وله الحق في الامتيازات المتاحة جميعها؛ وبالتالي أنّ على الجميع الامتثال لتوقعاته ومطالِبه.
- الميل لاستغلال الآخرين: تنتشر أساليب التلاعب والاستغلال مثل الكذب عند العديد من الأشخاص ذوي الشخصية النرجسية، فهم يستخدمون الآخرين لتحقيق الاستفادة والمكاسب الشخصية.
- نقص التعاطف: عدم القدرة على الشعور باحتياجات الآخرين، ويظهر ذلك في سلوكيات أنانية أو استغلالية.
- الغيرة والحسد وعدم الثقة: حين يعتقد المصابون بأن الآخرين يتنافسون معهم أو يحسدونهم فيتعاملون بالطريقة نفسها، وقد يتنافسون في كثير من الأحيان معهم أو يشعرون بالغيرة من إنجازاتهم.
- التغطرس والازدراء: ويتمثّل ذلك في تجاهل الآخرين واحتقارهم واعتبارهم أقلّ قيمةً.
أنواع الشخصية النرجسية
هناك مستويات وأنواع مختلفة من النرجسية؛ لكن الخبراء يركّزون على نوعَين رئيسَين من الاضطراب النرجسي، وهما:
- النرجسية العلَنية والصريحة (Overt Narcissism): هي النوع الأكثر شيوعاً، وتتميّز بشكل أساسي بطبيعة المواقف والسلوكيات مثل التكبّر والغرور، والتغطرس، والهيمنة، وحبّ الاستعراض، والعدائية، والثقة بالنفس.
- النرجسية الخفيّة (Covert narcissism): يكون هذا النوع من النرجسية أقل وضوحاً؛ إذ يظلّ الشخص يعتقد سراً أنه متفوّق على أي شخص آخر. وتتمثّل مواقفه وسلوكياته في القلق، وفرط الحساسية بخاصةٍ فيما يتعلّق بالنقد، والإحساس بعدم الأمان، والدفاعية، والاكتئاب، والانسحاب.
ينصح الخبراء من هيلث لاين (Healthline) بعدم مواجهة شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، لأنه غالباً سيقاوم بشدّة أي محاولة تغيير أو إصلاح لسلوكياته. لذلك يقترحون خطوات مهمّة تمكّن أي شخص يتعامل مع المصاب من التركيز على نفسه وعافيته ووضع حدود صحّية في العلاقة معه؛ وتتضمن تلك الخطوات التالي:
- ثقّف نفسك بخصوص الاضطراب النرجسي: يساعد الوعي بحقيقة هذا الاضطراب على فهم نقاط القوة والضعف لدى المصاب بشكل أفضل، وتجهيزك للتغلب على أي تحديّات قد تظهر في أثناء التعامل معه.
- عزّز احترامك لذاتك: تجعلك ثقتك بنفسك قادراً على التعامل مع السلوكيات المؤذية التي يمكن أن تصدر من المصاب. من خلال ممارسة الحديث الإيجابي مع النفس وممارسة الرعاية الذاتية وإيجاد نظام دعم قوي من الأصدقاء؛ تستطيع تطوير المرونة وتعزيز احترامك لذاتك.
- دافع عن نفسك: قد تشعر أنه يتمّ تجاوز الحدود التي تضعها مع المصاب، سواء كان مديرك في العمل أو صديقك أو فرداً من العائلة كأحد الأبوين أو شريك حياتك، ويفضّل عدم التفاعل مع الموقف وتجاهله أو حتى مجرد الابتعاد. لكن الأمر مختلف إذا كان المصاب باضطراب النرجسية شخصاً مقرّباً تضطرّ للتعامل معه يومياً، فحينها يجب أن تعبّر عن استيائك بهدوء وطريقة واضحة ومحدّدة حول توقعاتك من العلاقة وما تقبله أو لا تقبله من سلوكيات.
- افرض حدوداً واضحة: إنّ الحلّ الأمثل في التعامل مع المصاب هو وضع حدود واضحة حول أي سلوكيات غير مقبولة بالنسبة إليك بدلاً من توجيه تهديدات أو إنذارات له، ليأخذك على محمل الجد.
- مارس مهارات الحفاظ على الهدوء: تسهّل عليك تقنيات مثل التنفس العميق أو اليوغا أو التأمل الحفاظَ على هدوئك، وتجنُّبَ التفاعل في أثناء المحادثات الصعبة مع شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية.
- ابحث عن نظام دعم: قضاء الكثير من الوقت في علاقة مختلّة مع شخص مصاب اضطراب الشخصية النرجسية يمكن أن يتركك مستنزَفاً عاطفياً، وبخاصة إن كنت مضطرّاً للتعامل معه؛ لكن وجود شبكة دعم من الأصدقاء الجيّدين يمكن أن يقدّم لك كلّ الدعم الذي تحتاجه.
- أصرّ على التزامه بالوعود: يجيد المصابون باضطراب الشخصية النرجسية تقديم الوعود، وفي بعض الأحيان لا يلتزمون بها، ويستخدمونها كوسيلة لتحقيق أهدافهم الخاصة. يمكنك دائماً الحفاظ على استراتيجية تجنّب المواجهة، ومع ذلك توضيح موقفك بصراحة وهدوء، وإخبارهم إنك لن تفي بطلباتهم إلا بعد أن يوفوا بوعودهم.
- اعرف متى تحتاج إلى المساعدة: يُعدّ القلق أو الاكتئاب أو الأمراض الجسدية غير واضحة السبب، من بين تأثيرات العلاقة مع المصاب باضطراب الشخصية النرجسية، ويُنصح باستشارة الطبيب المختص إن شعرت بتلك الأعراض لأنك تحتاج المساعدة والدعم.
يتميّز اضطراب الشخصية النرجسية بإحساس مفرط بالعظمة والحاجة الشديدة إلى الإعجاب ونقص التعاطف. والأشخاص المصابون بهذا الاضطراب لديهم شعور مبالَغ فيه بأهميتهم، بالإضافة إلى شعورهم غير الواقعي بالاستحقاق، ويمكن أن يتعرضوا للإهانة بسهولة إذا لم تتم تلبية احتياجاتهم.
غير أن التعامل المستمّر معهم دون وجود حدود صحيّة واضحة قد يؤثّر في صحتك النفسية، لذلك يمكنك الاستعانة بنصائح الخبراء لتخطّي تحدّيات هذا النوع من العلاقات المؤذية وتعلّم المرونة وأساليب الحفاظ على الهدوء.