ملخص: إنّ اضطرابات الشخصية مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع هي حالات صعبة يمكن أن تعطّل حياة الشخص المصاب بقدرٍ كبير، نظراً لأنه يواجه صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية صحية والحفاظ عليها، بالإضافة إلى صعوبة اتباع القواعد والأعراف المجتمعية. تشمل الأعراض الأساسية لاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع تجاهل حقوق الآخرين والاندفاع والعدوانية والافتقار للشعور بالندم وممارسة الخداع. وقد تظهر هذه الأعراض عادةً بسبب مجموعة من العوامل مثل الإساءة الجسدية أو العاطفية أو التعرّض للصدمة، ويمكن علاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع من خلال الجمع بين العلاج النفسي والأدوية وتغيير نمط الحياة. مع الحصول على المساعدة المناسبة، يمكن لأولئك الذين يعانون من هذا الاضطراب أن يعيشوا حياة صحية وأكثر إرضاءً.
ربما يجعل تقديم فيلم سينمائي لشخصيته الرئيسية بنكهة القسوة والاستغلال بدمٍ بارد، منه عملاً ناجحاً أو فيلم الموسم! كيفما كانت رؤية المخرج، تغري الأفلام بشخصيات معتلة نفسياً تتفنّن في صناعة الشرّ الجماهير؛ إلاّ أنّ الشخصية التي تتميّز بسمات اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع في الواقعٍ لها أبعاد أكثر عمقاً وتشعّباً تفشل الأفلام في تجسيدها غالباً، فالسيكوباتية أو الاعتلال النفسي مصطلح لا يستخدمه الطبيب النفسي لتشخيص هذا النوع من اضطرابات الشخصية على الرغم من أن سماته كالافتقار العام للضمير، قد تتداخل بالفعل مع السيكوباتية.
يؤسّس الاضطراب المعادي للمجتمع لنمطٍ يتّسم بالفشل الذريع في الحياة والعلاقات الاجتماعية، فالمصابون به قد لا يهتمون بالقوانين ويخالفونها بشكل مستمرّ، وقد يكذبون ويعرضون حياة الآخرين للخطر دون الشعور بأي ندمٍ أو تأنيب ضمير. وتشير الإحصائيات وفق خبراء هيلث لاين (Healthline) إلى أن ما يقارب 3% من الرجال و1% من النساء مصابون بهذا الاضطراب.
ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder) هو واحد من أصعب أنواع اضطرابات الشخصية، لما يتّسم به المصاب به من سلوك متهوّر واندفاعي ومخادع، وقد يكون إجرامياً في بعض الحالات.
كما أن معظم المصابين يُظهرون سلوكاً غير محترم تجاه الآخرين، ويرفضون اتباع أي قواعد أو عادات وتقاليد متعارف عليها اجتماعياً. وقد يصل الأمر حدَّ مخالفة القانون وإلحاق أضرارٍ جسدية أو عاطفية بمن حولهم، متجاهلين العواقب الوخيمة لسلوكياتهم، فيرفضون الاعتراف بأخطائهم أو تحمّل مسؤوليتها.
وكأي نوع من أنواع اضطرابات الشخصية الأخرى؛ تتفاوت حدّة أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، بداية من السلوك المُشين الذي قد يحدث بصورة عرضية، إلى انتهاك القوانين وارتكاب الجرائم الخطِرة. ويُصنّف السيكوباتيون على سبيل المثال، بأنهم من المصابين بنوع حادٍّ من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
اقرأ أيضاً: ما معنى اضطراب الشخصية، وكيف يمكن علاجه؟
ما سمات الشخص المصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟
عادةً، ينطوي التاريخ المرضي للمصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع على اضطراب السلوك في أثناء مرحلة الطفولة؛ بما في ذلك التغيّب عن المدرسة وارتكاب الجرائم وتعاطي المواد المخدّرة. ويُظهر المصابون بهذا الاضطراب عدداً من السمات والأعراض التي تشمل ما يلي:
- التلاعب بالآخرين واستغلالهم وانتهاك حقوقهم.
- الافتقار إلى الشعور بالذنب أو الندم على أي تصرّف شنيع يُرتكب.
- العجز عن الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين.
- عدم القدرة على الاحتفاظ بعلاقات طويلة الأمد.
- عدم القدرة على ضبط الغضب والسيطرة عليه.
- لوم الآخرين دائماً.
- خرق القوانين باستمرار.
- تدمير ممتلكات الغير.
- الاندفاعية وعدم القدرة على التخطيط للمستقبل أو النظر في العواقب.
- التخلّف عن سداد الفواتير أو تحمل أي مسؤوليات مالية؛ ما يؤدي إلى تراكم الديون.
- المبالغة في الثقة بالنفس والغطرسة.
دراسة توضّح العلاقة بين تجارب الطفولة المبكرة وأسباب الإصابة
صاغ عالم النفس الأميركي ﺟﻴﻔﺮي ﻳﻮﻧﻎ (Jeffrey Young) في التسعينيات فرضية المخططات المعرفية غير التكيفية (Maladaptive Schemas)، حول أنماط تتطوّر في الأساس نتيجة للخبرات السيئة التي يمر بها الشخص في مرحلة الطفولة، وقد تكون السبب الجوهري الذي يؤدّي إلى ظهور واحدة من اضطرابات الشخصية العديدة. وقد عرّف يونغ هذه المخططات بأنها أنماط معرفية وانفعالية هادمة للذات، تبدأ في فترة مبكرة من عمر الفرد وتستمر معه طوال المراحل اللاحقة من حياته.
ويمكن تصنيف المخططات المعرفية المبكرة غير التكيفية وفق نظرية يونغ ضمن خمسة مجالات؛ وهي كالآتي:
- الرفض والانفصال.
- الهجر والتقلب.
- الإساءة وعدم الثقة.
- الحرمان الانفعالي.
- الانعزال الاجتماعي والاغتراب.
- الاعتمادية والعجز.
وقد قامت الباحثة المتخصصة في علم النفس العيادي من كلية علم النفس بجامعة محمد خيضر بسكرة (University of Mohamed Khider Biskra) في الجزائر، فلوسة سهيلة بدراسة بحثية في عام 2020 لمعرفة نوع المخططات المعرفية غير التكيفية المبكرة المؤدية إلى إصابة الفرد باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
كيف يؤدّي الحرمان الانفعالي إلى تطوير الشخصية المعادية للمجتمع؟
واستقرّت الباحثة في الدراسة الآنفة الذكر على حالتين تأكدت من إصابتهما بالاضطراب بعد أن سجلتا درجات عالية حسب مقياس الانحراف السيكوباتي؛ حيث ظهرت عليهما الأعراض كالتالي: التهوّر، وانتهاك القانون بشكل متكرّر، وتعاطي الكحول، وكثرة الكذب والخداع، والسرقة وانعدام الندم.
وقد خلصت في بحثها إلى أن مخطط الحرمان الانفعالي الذي يتمثّل في إيمان الفرد بأن احتياجاته ورغباته الانفعالية الطبيعية لن تتم تلبيتها من قبل الآخرين بشكل كامل، هو المخطط الأساسي لتطوّر الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. ويمكن تلخيص الحرمان الانفعالي في ضوء 3 أشكال رئيسية هي:
- الحرمان من الحنوّ: ويتجلّى في غياب كلٍّ من المودة والاهتمام والصداقة والدفء.
- الحرمان من التعاطف: ويتمثّل في غياب التفهّم والإنصات وتبادل المشاعر مع الآخرين.
- الحرمان من الحماية: ويظهر عند غياب القوة والتوجيه والإرشاد من قبل الآخرين.
أما باقي المخططات مثل الاعتمادية، بحسب نتائج البحث، فمنها ما له دور مهم في حياة الفرد بحيث يمثّل مشكلة بالنسبة إليه أو يؤثّر في بعض ظروف حياته بنسب متفاوتة.
هل توجد علاجات؟
لا يوجد علاج معيّن يمكنه علاج أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بشكلٍ نهائي؛ إلا أن هذا لا يعني أنه اضطراب غير قابل للإدارة والعلاج، فبعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب التي تنظم مستويات السيروتونين في الدماغ، ومضادات الذهان التي تساعد على التحكّم في السلوكيات العدوانية، ومثبتات المزاج التي تساعد على إدارة تقلّب المزاج والسلوك الحادّ؛ تساعد على الحدّ من السلوكيّات المؤذية التي قد يُظهرها المصاب.
كما أن العلاج النفسي المتمثّل في العلاج المعرفي السلوكي قد يساعد المصابين على التفكير في كيفية تأثير سلوكهم في الآخرين؛ وبالتالي تغيير تفكيرهم وسلوكهم تدريجيّاً.
ويقول خبراء كليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic) إن أعراض هذا الاضطراب تكون في أسوأ حالاتها بين سنَّي الـ 24 والـ 44 من العمر، ثم تبدأ في التحسّن تدريجياً بعد سن الـ 45.
هل يُشفى المصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟
يشير خبراء خدمة الصحة الوطنية البريطانية (NHS) إلى أنه كان يُعتقد فيما مضى أن اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع اضطراب يرافق المصاب مدى الحياة؛ لكنّه في الواقع اضطراب يمكن إدارته وعلاجه في بعض الأحيان، حتى أن العديد من الدلائل يشير إلى أن سلوك المريض قد يتحسّن مع مرور الوقت حتى في ظل استمرار الأعراض الأساسية أو السلوكيات المصاحبة للاضطراب كالافتقار إلى التعاطف مع الآخرين.
ومع ذلك، فإن اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع هو واحد من أصعب أنواع الاضطرابات الشخصية التي يمكن علاجها؛ إذ يعتمد العلاج على عدّة عوامل تختلف باختلاف ظروف المصاب مثل سنّه أو وجود تاريخٍ من تعاطي الكحول أو المواد المخدّرة.
ومن جانب آخر، يؤدّي كلّ من الأسرة والأصدقاء دوراً مهماً في علاج المصاب ورعايته، ويتحسن بعض المرضى بشكل جيّد عند الخضوع لجلسات العلاج الجماعي.
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية النرجسية: 9 علامات تحذرك من الوقوع ضحية للمصابين به
وختاماً، يُعدّ اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع اضطراباً صعب العلاج، وقد يكون الأصعب بين أنواع اضطرابات الشخصية الأخرى؛ لكن اعتراف المريض ومساعدة من حوله له يمكن أن يكونا سبباً في التشخيص الصحيح وإدارة المرض. وعلى الرغم من أن أعراض الاضطراب لن تختفي تماماً، يمكن أن ينجح بعض المصابين في إدارة الأعراض والتحكّم في سلوكياته بشكل جيّد للغاية بعد فترة من العلاج.