ما اضطراب الشخصية المختلطة؟ وكيف يمكن علاجه؟

5 دقيقة
الشخصية المختلطة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يمتلك الأشخاص جميعهم سمات مختلفة تميزهم وتسمح لهم بالتعامل مع الآخرين ومع أنفسهم على نحو صحي؛ ولكن هناك بعض الأفراد الذين يعانون اضطرابات الشخصية التي تعرقلهم وتعطل مسارات حيواتهم اليومية؛ ومن أهم تلك الاضطرابات اضطراب الشخصية المختلطة، فما علاماته؟ وكيف يمكن التعافي منه؟ الإجابة في هذا المقال.

يتمتع البشر بشخصيات فريدة تتكون من مجموعة معقدة من السمات المختلفة، وتؤثر سمات الشخصية في كيفية فهم الناس للعالم من حولهم وارتباطهم به، وكذلك في رؤيتهم لأنفسهم. ومن المفترض أن تسمح السمات الشخصية للأفراد بالتكيف مع بيئاتهم المتغيرة الأمر الذي يؤدي إلى علاقات أكثر صحية مع أنفسهم ومع الآخرين؛ لكن هناك بعض الأفراد الذين يعانون اضطرابات في الشخصية ولهذا فإنهم يجدون صعوبة بالغة في التواصل مع الآخرين والتعامل مع مشكلات الحياة اليومية؛ ومن أهم هذه الاضطرابات اضطراب الشخصية المختلطة (MPD)، فما علامات هذا الاضطراب؟ وكيف يمكن التعافي منه؟ الإجابة في هذا المقال.

ما اضطراب الشخصية؟

اضطراب الشخصية حالة صحية نفسية، تتضمن أنماطاً طويلة الأمد من التفكير المضطرب الذي يؤثر بدوره في السلوك والحالة المزاجية والعلاقات مع الآخرين، وغالباً ما يواجه الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الشخصية صعوبة في فهم العواطف؛ وهذا يصعّب عليهم التواصل مع الآخرين؛ ما يسبب لهم مشكلات خطرة، ويؤثر في حيواتهم الأسرية، وأنشطتهم الاجتماعية، وأداء كل منهم في العمل، ونوعيات حيواتهم عموماً. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يتمكن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية من التعرف إلى سلوكياتهم المزعجة أو التأثير السلبي الذي يُحدثونه في الآخرين.

ما أنواع الاضطرابات الشخصية؟

تُصنّف اضطرابات الشخصية عموماً إلى مجموعات مختلفة، ويندرج تحت كل مجموعة بعض الاضطرابات، وقد رُتّبَت في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) على النحو التالي:

  1. المجموعة “أ”: هي مجموعة من الاضطرابات ذات الأعراض السلوكية الغريبة الأطوار التي يغلب عليها الشك، وتشمل اضطرابات الشخصية في المجموعة “أ”:
  • اضطراب الشخصية الارتيابية (PPD): السمة الرئيسة لهذا الاضطراب هي عدم الثقة والشك المستمر في الآخرين دون وجود سبب كاف للشك. غالباً ما يعتقد الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الارتيابية أن الآخرين يحاولون التقليل من شؤونهم أو إيذاءهم أو تهديدهم.
  • اضطراب الشخصية الفصامية: يشعر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب بالانزعاج الشديد من العلاقات؛ ولهذا يميلون إلى العزلة الاجتماعية، ونطاقهم العاطفي محدود للغاية ولا يستطيعون التفاعل مع الآخرين ولا يفهمون الإيماءات أو تعبيرات الوجه مثل الابتسامة.
  • اضطراب الشخصية الفصامانية: أو ما يُمكن أن نُطلق عليه “اضطراب الشخصية شبه الفصامية”. ويتسم هذا الاضطراب بنمط ثابت من الانفصال عن العلاقات الشخصية وعدم الاهتمام العام بها. يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الفصامية نطاقاً محدوداً من المشاعر عند التفاعل مع الآخرين.
  1. المجموعة “ب”: اضطرابات الشخصية في هذه المجموعة تجعل الشخص يتصرف بطريقة درامية مفرطة، مع تقلبات مزاجية مبالغ فيها، وتشمل هذه المجموعة:
  • اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD): يميل الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع إلى التلاعب بالآخرين أو أذيتهم دون الندم على أفعالهم، وقد يخالف الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب القانون أو يتسببون في ضرر جسدي أو عاطفي للآخرين من حولهم، ويرفضون تحمل المسؤولية عن سلوكياتهم.
  • اضطراب الشخصية الحدية (BPD): تتسم هذه الشخصية بصعوبة التنظيم العاطفي؛ ما يؤدي إلى تدني احترام الذات، وتقلب المزاج، والسلوكيات المتهورة. وقد يجد المصابون صعوبة في التعامل مع الأحداث المجهدة ويعانون نوبات جنون العظمة، علاوة على أنهم يميلون أيضاً إلى الانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر.
  • اضطراب الشخصية الهستيرية: أصحاب هذا الاضطراب لديهم مشاعر قوية وغير مستقرة وصورة ذاتية مشوهة، ويعتمد تقدير كل منهم لذاته على موافقة الآخرين ولا يأتي من شعور حقيقي بقيمة الذات، ولديهم رغبة عارمة في أن يلاحظهم الآخرون، وقد يُظهرون سلوكيات غير مناسبة لجذب الانتباه.
  • اضطراب الشخصية النرجسية: غالباً ما يعتقد الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية أنهم أكثر أهمية من الآخرين، ويميلون إلى المبالغة في إنجازاتهم وقد يتفاخرون بجاذبيتهم أو نجاحهم، وإلى جانب الحاجة العميقة للإعجاب، فإنهم يفتقرون إلى التعاطف مع الآخرين.
  1. المجموعة “ج”: تتسم اضطرابات هذه المجموعة بالقلق الشديد والمخاوف غير الطبيعية، وتشمل:
  • اضطراب الشخصية التجنبية: يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب مشاعر مزمنة بالنقص ويكونون حساسين للغاية تجاه الحكم السلبي من قبل الآخرين، وعلى الرغم من أنهم يرغبون في التفاعل مع الآخرين، فإنهم يميلون إلى تجنب التفاعل الاجتماعي بسبب الخوف الشديد من التعرض إلى الرفض.
  • اضطراب الشخصية الاعتمادية: يعتمد الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب على الآخرين لتلبية احتياجاتهم العاطفية والجسدية، وعادةً ما يتجنبون البقاء بمفردهم ويحتاجون بانتظام إلى الطمأنينة، وقد يكونون أكثر عرضة إلى تحمل الإساءة الجسدية واللفظية.
  • اضطراب الشخصية الوسواسية (OCPD): الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب لديهم حاجة ماسة إلى النظام؛ إنهم يلتزمون بشدة بالقواعد واللوائح، ويشعرون بعدم الارتياح الشديد عندما لا يبلغون الكمال. وقد يهملون حتى العلاقات الشخصية للتركيز على جعل المشروع مثالياً، وتجدر الإشارة إلى أن اضطراب الشخصية الوسواسية يختلف عن اضطراب الوسواس القهري (OCD) الذي يُصنف على أنه اضطراب قلق.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟

ما اضطراب الشخصية المختلطة (MPD) ؟

يشير اضطراب الشخصية المختلطة (MPD) إلى نوع من الاضطرابات التي لا تندرج ضمن اضطرابات الشخصية العشرة التي ذكرناها سابقاً، فمن الممكن أن تكون لدى الأشخاص سمات أو أعراض لأكثر من اضطراب في الشخصية في الوقت نفسه، وذلك دون استيفاء معايير أي منها، وفي الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية بنسخته الرابعة (DSM-IV)، أُشير إلى هذا الاضطراب باسم “اضطراب الشخصية غير المحدد (NOS)، وقد استُبدل بهذا الاسم في النسخة الخامسة من الدليل( DSM-5) اسمُ “اضطراب الشخصية المختلطة”.

مثال لأعراض اضطراب الشخصية المختلطة

إن الإصابة باضطراب الشخصية المختلطة يعني أن أعراضك لن تنتمي أبداً إلى نوع واحد من اضطراب الشخصية؛ حيث يمكن أن تكون لديك أعراض عشوائية من مختلف الاضطرابات التي تخص الشخصية؛ لذلك من الصعب تحديد الأعراض المحددة لاضطراب الشخصية المختلطة. على سبيل المثال؛ إذا كان أحد الأشخاص يعاني اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) وأيضاً اضطراب الشخصية الحدية (BPD)، فسوف تظهر عليه أعراض وسلوكيات كلا الاضطرابين؛ مثل:

  1. المبالغة في الإنجازات.
  2. الشعور بالاستحقاق.
  3. السلوك الاستغلالي تجاه الآخرين.
  4. الافتقار إلى التعاطف.
  5. الصورة الذاتية المشوهة.
  6. التقلبات المزاجية الحادة.
  7. السلوكيات الاندفاعية.
  8. العلاقات غير المستقرة.
  9. الخوف من الهجر.
  10. سيطرة مشاعر الفراغ والانفصال.

ما أسباب الإصابة باضطراب الشخصية المختلطة؟

الأسباب الدقيقة للإصابة بأي اضطراب في الشخصية غير معروفة؛ لكن ثمة اعتقاد أن هناك مجموعة من العوامل يمكن أن تعزز تلك الإصابة مثل:

  1. البيئة والظروف الاجتماعية: الحياة الأسرية غير المستقرة أو الفوضوية، والفقر الشديد، والتمييز، ونقص الدعم، والتجارب المؤلمة.
  2. أحداث الحياة المجهدة: مثل سوء المعاملة والإهمال وفقدان أحد الوالدين، وغيرها من التجارب المؤلمة التي يمكن أن تسبب ممارسة سلوكيات تكيف غير صحية مع تلك الأحداث.
  3. العوامل الوراثية: يؤكد استشاري الطب النفسي فائق شعبان إن اضطرابات الشخصية من الممكن أن تكون وراثية، فبعض الأشخاص يكون لديهم استعداد جيني للإصابة باضطراب الشخصية وقد تحدث تلك الإصابة إذا عاش هؤلاء الأشخاص في بيئات مضطربة وقد لا تحدث إذا نشؤوا وترعرعوا في بيئات مستقرة.

اقرأ أيضاً: ما هو العلاج الجدلي السلوكي؟ وما الاضطرابات النفسية التي يعالجها؟

كيف يمكن علاج اضطراب الشخصية المختلطة؟

نظراً إلى ةن أعراض وخصائص اضطراب الشخصية المختلطة تمتد على نطاق واسع، فلا يوجد علاج محدد واحد مفيد للأشخاص المشخَّصين؛ ولذلك غالباً ما يُتعامَل مع الأعراض المحددة الموجودة كما لو كان الشخص يستوفي معايير أحد اضطرابات الشخصية. على سبيل المثال؛ إذا كان الشخص يستوفي بعض معايير اضطراب الشخصية الحدية، وليس كلها، فقد يُتَّبع العلاج النفسي المعتمد تجريبياً لاضطراب الشخصية الحدية. وعموماً، فإن علاج اضطرابات الشخصية يتطلب أن يرغب الشخص المصاب بالاضطراب في متابعة العلاج النفسي الذي يتجسد في:

  1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT): الذي يركز على تحديد أنماط التفكير السلبية التي تسهم في سلوكيات اضطراب الشخصية، واستبدال أفكار أكثر صحة وإيجابية وأكثر واقعية بها.
  2. العلاج السلوكي الجدلي (DBT): يمكن أن يكون هذا العلاج فعالاً، وبخاصة في التعامل مع الأعراض الحدية، ويتضمن مهارات التعلم المتعلقة بالتنظيم العاطفي والتواصل بين الأشخاص والوعي الذهني وتحمل الضيق.
  3. العلاج المبني على التعقل (MBT): يعلم الأشخاص المصابون كيفية ملاحظة حالاتهم الذهنية الداخلية وحالات الآخرين والتأمل فيها.
  4. العلاج النفسي الديناميكي: يركز كثيراً على العقل اللاواعي؛ حيث تُحتوى المشاعر المزعجة والمحفزات والأفكار التي تكون مؤلمة إلى درجة تجعل تصعب علينا مواجهتها.

من الجدير بالذكر إن علاج اضطرابات الشخصية باستخدام العلاج النفسي غالباً ما يكون فعالاً عن العلاج الدوائي؛ لكن يمكن وصف الأدوية في بعض الحالات لمعالجة أعراض محددة؛ وذلك مثل مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق؛ كما يمكن وصف الأدوية المضادة للذهان عندما يعاني الأشخاص أعراض اضطرابات الشخصية للمجموعة (أ) التي سبق ذكرها في المقال مثل الأفكار أو السلوكيات الغريبة.

error: المحتوى محمي !!