ملخص: يعاني الأفراد المصابون باضطراب الشخصية التجنُّبية الخوفَ الشديد من الرفض والنقد، فتجدهم يتجنّبون التفاعلات الاجتماعية، ويصارعون نفسياً وعاطفياً لتكوين علاقات والحفاظ عليها؛ ما يدفعهم إلى الشعور بالعزلة وعدم الاستحقاق.
محتويات المقال
تشكّل اضطرابات الشخصية تحديّات فريدة يمكن أن تؤثّر بعمق في حياة الفرد اليومية وعلاقاته، وأكثرها تعقيداً هو اضطراب الشخصية التجنُّبية الذي يُساء فهم المصاب به أو تُطلق عليه شتّى أنواع الأحكام دون إدراكٍ لما يعانيه من صعوبات حقيقية، لا سيما في مجال علاقاته.
ويوضّح الطبيب والمعالج والمحلل النفسي الكويتي، يوسف الحسني (Yosef Alhasany)، إنّ الشخص المُتجنّب يخاف دائماً من نظرة الآخر النقدية، ويبتعد عن الحوارات خوفاً من الإحراج؛ ما يدفعه إلى كبت آرائه الشخصية. وفي الوقت نفسه، ينخرط في سلوكات إرضاء الآخرين وإبهارهم.
ما هو اضطراب الشخصية التجنُّبية؟
يدخل اضطراب الشخصية التجنُّبية (Avoidant Personality Disorder) ضمن مجموعة من الحالات النفسية التي يُشار إليها باسم "اضطرابات الشخصية"؛ وتشمل هذه الاضطرابات في جوهرها أنماطاً سلوكية تنحرف عن الأعراف المجتمعية، وتؤدّي إلى ضائقة عاطفية للفرد المصاب والمقربين منه.
ويُصنّف اضطراب الشخصية التجنُّبية جنباً إلى جنبٍ مع اضطرابات الشخصية الأخرى التي يتّسم المصابون بها بالقلق والتخوّف؛ حيث يعانون شعوراً عاماً بعدم الكفاءة والاستحقاق، ولديهم حساسية عالية تجاه الأحكام السلبية من قبل الآخرين. وعلى الرغم من رغبتهم في التفاعل الاجتماعي، فإنهم يميلون إلى تجنُّب مثل هذه المواقف بسبب الخوف الذي يطغى عليهم من الرفض.
ما علامات الإصابة باضطراب الشخصية التجنُّبية؟
تشمل أعراض اضطراب الشخصية التجنُّبية مجموعة من السلوكات التي تميّزها عن اضطرابات الشخصية الأخرى؛ وتتمثّل في الآتي:
- تدني احترام الذات.
- العزلة الذاتية.
- تجنُّب العمل أو الانخراط في الأنشطة الاجتماعية أو المدرسية بسبب الخوف من النقد أو الرفض.
- الخوف من التعبير عن الآراء الشخصية أو التحدّث بصوت عالٍ أو التلعثم أو التعرّض للإحراج في المواقف الاجتماعية.
ومن الجدير بالذكر إن الأشخاص المُتجنّبين يكونون مدركين تماماً انزعاجهم في المواقف الاجتماعية، فهم يرون أنفسهم غير مؤهّلين اجتماعياً. وعلى الرغم من هذا الوعي الذاتي، فإن تعليقات الآخرين حول خجلهم أو عصبيتهم في الأوساط الاجتماعية يمكن أن تُشعرهم بالرفض، ويحدث ذلك خصوصاً حين يتعرّضون للمضايقات في مثل هذه المواقف.
اقرأ أيضاً: متلازمة الرجل اللطيف: حين تصبح اللطافة الزائدة غير سليمة
ما أسباب الإصابة باضطراب الشخصية التجنُّبية؟
لم يحدّد الخبراء سبباً دقيقاً واحداً للإصابة باضطراب الشخصية التجنُّبية؛ ولكنهم يعزونها إلى مجموعة من العوامل المختلفة التي نذكرها على النحو التالي:
- 1. بيئة الطفولة المبكّرة وعلاقاتها: تؤدّي الخبرات والديناميكيات داخل الأسرة والعلاقات المبكرّة خلال مرحلة الطفولة دوراً مهماً في تطوّر اضطراب الشخصية التجنُّبية.
- 2. دور تجارب الحياة في تشكيل الشخصية: إذ تسهم التجارب الشخصية التي تتضمّن المواقف الصعبة والمؤلمة في تبنّي سمات شخصية وسلوكات محدّدة كآليات دفاعية تساعد الشخص على التكيّف مع التوتّر وحماية نفسه من الألم العاطفي.
- 3. الوراثة والتاريخ العائلي: قد يكون ثمّة استعداد وراثي أو نمط عائلي وراء الإصابة بهذا الاضطراب أو زيادة احتمال تطوّره.
كيف تتأثّر العلاقات العاطفية للشخص المُتجنّب؟
تظهر الآثار السلبية للشخصية المُتجنّبة في أنواع العلاقات جميعها؛ غير أن التأثيرات تظهر على نحو شائع وملحوظ في العلاقات العاطفية. وقد تختلف التجارب الفردية وديناميكيات العلاقات؛ لكن أبرز التأثيرات تتمثّل فيما يلي وفقاً للطبيب النفسي وخبير العلاقات الأميركي، سيث مايرز (Seth Meyers):
- الإجهاد العاطفي: تكون العلاقات مرهِقة ومستنزِفة عاطفياً للمتجنّب؛ ما يدفعه إلى الاعتماد على الذات إذ يصعب عليه أن يعتمد عاطفياً على شريكه.
- الانسحاب والعزلة: يبتعد الشخص المُتجنّب عند مواجهة المشاعر السلبية أو الاحتياجات العاطفية للشريك، ويتجلى ذلك في تجنُّب التقارب الجسدي أو المحادثات العميقة أو التعهّد بالتزامات مستقبلية.
- الانفصال العاطفي: تجنُّب التعبير عن الحب والاستجابة لمشاعر الشريك.
- السلوكات الإدمانية: مثل الجنس أو المواد الإباحية أو المقامرة أو تعاطي المخدرات، هروباً من الصراع العاطفي أو التعقيدات.
- تدنّي جودة العلاقة الحميمة: إذ يصعب إظهار الضعف وإيصال الأفكار والمشاعر لدى المُتجنّب.
كيف تتعامل مع الشخص المُتجنّب في علاقاته؟
غالباً ما يكون الأفراد المصابون باضطراب الشخصية التجنُّبية على دراية بعدم الأمان لديهم، ويدركون أن مشاعرهم بعدم الاستحقاق غير عقلانية؛ غير أن إدراكهم ذاك قد لا يكفي للتغلّب على شعورهم الراسخ بالنقص والدونية، فقد يتطلّب الأمر علاجاً نفسياً مكثّفاً. لذلك؛ يسهم وجود شريك متفهّم وداعم في تخفيف وطأة هذا الاضطراب على العلاقة. وفيما يلي 3 نصائح مهمّة لمساعدة المُتجنّب على تحقيق قبول الذات وتحسين جودة التواصل معه:
- التمكين من خلال الاعتراف به: من المهم الاعتراف بصراعاته والألم الناجم عن حالته؛ حيث يتيح له تشجيع التواصل المفتوح والصادق مشاركة مشاعره وخبراته دون خوف من الأحكام أو الرفض.
- خلق روابط حب ودعم جديدة: لا تتوقّع تواصل شريكك المُتجنّب بسهولة مع أفراد عائلتك أو التفاعل الاجتماعي في التجمعات الكبيرة، فقد يؤدّي توقّعك إلى خيبة الأمل وزيادة الانزعاج له. لذلك؛ يُنصح بعدم الضغط عليه والعمل على دمجه تدريجيّاً في شبكة المعارف، وكذلك فمن الضروري إبلاغ العائلة والأصدقاء بحالته، وبأنه يحتاج إلى وقتٍ لبناء الثقة قبل الانفتاح وتكوين علاقات جديدة.
- تقديم التشجيع: يساعد تقديم التشجيع وردود الأفعال الإيجابية على تعزيز جهود الشريك المُتجنّب في بناء ثقته بنفسه ومواجهة عدم الأمان والخوف.
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟
وفي الختام، إن الرحلة نحو العافية وقبول الذات هي رحلة شخصية يجب على الأفراد المصابين باضطراب الشخصية التجنُّبية القيام بها بأنفسهم؛ لكن يمكن دائماً للمقربين وشركاء الحياة أن يقدّموا الدعم من خلال مساعدتهم على بلوغ مستويات جيّدة من الثقة بالنفس واحترام الذات، وتعزيز بيئة تسمح بقبول الذات على نحوٍ واقعي.