ما هو الاكتناز القهري وما طرق علاجه؟

4 دقيقة
اضطراب الاكتناز القهري

ربما تذكرك عادة الاكتناز بجدتك التي كانت تخزّن أي شيء في كلّ مكان، وكان ذلك يبدو آنذاك كنوع من الذكاء أو خطة احترازية للحذر من جائرة الزمن، وربما يسود هذا النوع من التفكير في معظم ثقافات المنطقة العربية؛ حيث نجد الأم تكلّف نفسها الغالي والنفيس لاقتناء أطقم الأواني الصينية وتجميعها ليومٍ خاص لا يأتي أبداً، أو أنها تتردّد بشكل كبير وتجد صعوبة في التخلص من غرض ما مهما كان قديماً وغير ذي فائدة لأنها تعتقد أن حاجتها إليه آتية لا محالة.
"أحسست في معظم مراحل حياتي أن أغراض أمي أهم مني. حاولت جعلها تختار لكنها لم تستطع الاختيار، لأنه لم يكن خياراً؛ كان قَسراً لم تستطع التحكّم فيه" هكذا تصف ياسمين معاناتها مع والدتها المصابة بالاكتناز القهري الشديد.

يصعب علينا أن نفكّر أن بعض هذه الممارسات ليست لها علاقة بثقافة أو تقاليد محددة، لأنها قد تعكس جانباً مظلماً آخر من الاضطرابات النفسية يدعى بالاكتناز القهري.

تسيطر المعتقدات والتصورات الخاطئة على المنطق الذي يؤمن به المصابون؛ حيث يبررون لأنفسهم السبب وراء شراء كلّ غرض من أغراضهم والاحتفاظ به وتخزينه، لذلك تركّز خيارات العلاجات المتاحة على تغيير معتقداتهم وسلوكياتهم حتى يتمكنوا من عيش حياة أكثر أماناً وراحة.

ما هو اضطراب الاكتناز القهري؟

اضطراب الاكتناز القهري (Hoarding obsessive-compulsive disorder) هو حالة صحية نفسية تجعل الشخص المصاب يشعر بالحاجة الشديدة إلى حفظ وتخزين عدد كبير من الأغراض ذات القيمة بالنسبة إليه؛ ما يؤدي إلى معاناته المستمرة أثناء محاولته التخلص منها، وهو الأمر الذي يعرقل سيرورة الحياة الطبيعية تدريجياً.

وتتمثل طبيعة الأغراض المكتنزة في كل العناصر التي يمكن حفظها وتخزينها كالصحف والمجلات والأغراض المنزلية والملابس، وأحياناً الحيوانات التي غالباً ما لا يعتنى بها بشكل صحيح.

يشعر الشخص المصاب باضطراب الاكتناز القهري بالانزعاج والضيق الكبيرَين إذا ما قرّر أو فكر في التخلص من أغراضه؛ ما يسهم في خلق ظروف معيشية غير صحية أو آمنة. ونظراً للفوضى التي تتولّد عن الاقتناء الهوسي للمزيد من الأغراض و تزايد صعوبة توفير مساحة لتخزينها، فعادة ما يكون المصاب قد بلغ مستويات متطوّرة من الاضطراب حين يكون استخدم بالفعل كل المساحات الممكنة داخل المنزل لينتقل إلى مساحات خارجية كالمرآب والفناء والحديقة والسلالم حتى.

يواجه المصابون باضطراب الاكتناز القهري صعوبات حقيقية في التخلي عن ممتلكاتهم بسبب تصوراتهم بالحاجة إليها، وهو الأمر الذي يولّد ضغوطاً نفسية متزايدة ويسبب لهم خجلاً في حياتهم الاجتماعية والعائلية والعملية، ويؤثر بشكل خطير في الأداء اليومي في بعض الحالات حين يكون الاضطراب شديداً، بينما تكون التأثيرات خفيفة إلى متوسطة في كثير من الحالات فلا تظهر أعراض المرض بشكل واضح للآخرين.

أعراض الاكتناز القهري

يؤدي التراكم التدريجي للأغراض الناتج عن تجميعها وتخزينها، إلى الفوضى التي تؤدي بدورها بالشخص المصاب إلى إيجاد صعوبة كبيرة في محاولة التخلص منها. وبخلاف ما قد يكون شائعاً بأن الأشخاص الأكبر سناً هم الأكثر عرضة لاضطراب الاكتناز؛ يميل الأشخاص إلى إبداء أعراض المرض في سنوات المراهقة والبلوغ المبكرة، وفقاً للمعلومات الصادرة من خبراء مايو كلينيك (Mayo Clinic).

وتتطور مشكلات الاكتناز تدريجياً بمرور الوقت ومع تقدم الشخص في العمر؛ أي حين تتوفّر له مساحة شخصية كافية لتخزين ما يحصل عليه، وحينها تكون الأعراض قد ازدادت حدة بحلول منتصف العمر؛ ما يصعّب إمكانية علاجها. وقد تشمل علامات وأعراض اضطراب الاكتناز القهري ما يلي:

  • الإفراط في الحصول على أغراض غير ضرورية أو لا توجد مساحة تخزين كافية لها.
  • الصعوبة المستمرة في التخلص من الأغراض أو التخلي عنها، بغض النظر عن ضرورتها وقيمتها الفعلية.
  • الشعور بالحاجة إلى حفظ هذه الأغراض، والانزعاج من فكرة التخلص منها.
  • تراكم الفوضى إلى الحد الذي تصبح فيه الغرف والمساحات داخل المنزل غير صالحة للاستعمال.
  • الميل نحو التردد والكمال والتجنب والمماطلة ومشكلات التخطيط والتنظيم.

أسباب الاكتناز القهري

لا يبدو أن أسباب اضطراب الاكتناز القهري واضحة لدى الباحثين؛ إذ لا يجدون سبباً واحداً دقيقاً له، فهناك عدة عوامل متداخلة فيما بينها تشمل أحداث الحياة المجهدة والعامل الوراثي وقصور الدماغ في معالجة المعلومات المرتبطة بالتخزين كأسباب محتمَلة للإصابة.

إلا أن خبراء الصحة من كليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic) حددوا بعض عوامل الخطر التي من الممكن أن تزيد احتمالية الإصابة بهذه الحالة؛ وتتضمن الآتي:

  • العوامل الشخصية: حيث يعاني الكثير من المصابين باضطراب الاكتناز القهري من التذبذب في أخذ القرارات.
  • التاريخ العائلي: ويشير إلى إمكانية الإصابة بالاكتناز القهري إذا ما كان هناك فرد آخر مصاب بنفس الاضطراب في الأسرة.
  • أحداث الحياة المجهِدة: وتشمل التعرض لحدث مرهق، يجد المصاب صعوبة في تخطيه والتعامل معه؛ كالوفاة أو الطلاق أو فقدان الممتلكات جرّاء حريق أو لسبب آخر كالهجرة والتنقل.

الفرق بين الوسواس القهري والاكتناز القهري

يُعتبر الاكتناز القهري من الأعراض الشائعة لاضطراب الوسواس القهري (OCD)، فكلاهما يسبّبان الضيق الشديد والقلق وبيئات معيشية غير آمنة للمصاب الذي يمكن أن يعاني من كلتا الحالتين؛ حيث تكون لديه حاجة قهرية للاحتفاظ بالأغراض والممتلكات، ويرجح علماء النفس أن ذلك قد يكون وسيلة تكيف مع الأفكار المزعجة والمخاوف التي قد تسيطر عليه فيما يخص الصحة والنظافة مثلاً.

طرق علاج الاكتناز القهري

يدخل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) في قائمة خيارات العلاج الرئيسية بالنسبة لاضطراب الاكتناز القهري، وفقاً للمعلومات التي يقدمها خبراء كليفلاند كلينيك؛ إذ يعد علاجاً شائعاً معتمَداً في مثل هذه الاضطرابات، فهو يساعد المصابين على فهم أسباب اضطراباتهم وملاحظة مشاعرهم خلال عمليات اكتناز الأغراض وعند محاولة التخلص منها. ويسهم هذا النوع من الوعي بالمرض في تطوير مهارات إدارة ممتلكاتهم بشكل أفضل.

كما قد يصف بعض مقدمي الرعاية الصحية للمصابين مضادات الاكتئاب كعلاج دوائي يؤدي دور المثبطات الانتقائية لاسترداد السيروتونين (SSRIs) للمساعدة على تحسين أعراض الاضطراب.

تتفاوت درجات الإصابة وحدة الأعراض لدى المصابين بالاكتناز القهري، فمنهم من لا تكاد تظهر لديه أعراض واضحة للأفراد المحيطين به، ومنهم من يعاني أفراد أسرته إلى جانبه بسبب انخفاض جودة العيش الذي يسببه اقتناء الكثير من الأغراض وحفظها وتخزينها وعدم القدرة على التخلص منها. غير أن العلاج السلوكي والعلاج الدوائي يتيحان فرصة للعلاج من هذه الحالة وأملاً كبيراً في التحسن.

المحتوى محمي