قد نرى -نحن البالغين- الأطفال محظوظين في إمكانية الحصول على نوم هانئ لساعات كافية؛ حيث يمكنهم النوم سريعاً من دون التفكير كثيراً في أمور الحياة المختلفة التي تزداد تشعباً في عالم البالغين يوماً بعد يوم، لتحرمنا من النوم لساعات متواصلة من دون الكثير من المتطلبات.
لكن الأمر ليس وردياً لهذه الدرجة، فالأطفال أيضاً يمكن أن يعانوا من اضطرابات النوم التي لا تقل في خطورتها عن تلك التي يعاني منها البالغين، وتحرمهم من النوم الهانئ، وتتطلب اتباع نظام معين أو علاج لكي لا تؤثر سلباً في نموهم المعرفي والنفسي والجسدي.
أنواع اضطرابات النوم عند الأطفال وأضرارها
وفقاً للجمعية الأميركية للطب النفسي، فاضطرابات النوم هي مشكلات تتعلق بجودة النوم وتوقيته ومدته، وهي تؤثر في قدرة الفرد على أداء مهامه جيداً في اليوم التالي. وغالباً ما تحدث اضطرابات النوم مع أمراض جسدية أو نفسية أخرى، مثل الاكتئاب أو القلق أو الاضطرابات المعرفية.
وتتعدد اضطرابات النوم لتشمل الأرق، وانقطاع النفس الانسدادي النومي، بالإضافة إلى متلازمة تململ الساقين.
كذلك، فاضطرابات النوم بين الأطفال ليست نادرة؛ وفقاً لدراسة منشورة بدورية طب النوم (Sleep Medicine) يعاني نحو 50% من الأطفال من مشاكل في النوم، والتي ينتج عنها عواقب سلبية في الحياة اليومية للطفل، مثل النعاس خلال النهار، والمشاكل السلوكية، وصعوبات التعلم، بالإضافة إلى ضعف الأداء الأكاديمي.
كما يرتبط الحرمان المزمن من النوم بمخاطر كبيرة تتعلق بضعف النمو المعرفي، وضعف الذاكرة واضطرابات المزاج، ويزيد من مخاطر الإصابة بالسمنة ومشكلات التمثيل الغذائي الأخرى؛ ما يؤثر بدرجة كبيرة في الطفل ويمكن أن يمتد تأثيره إلى رفاهة أفراد الأسرة بأكملها - بحسب دراسة من قسم طب الأطفال المجتمعي، بمؤسسة بريدجووتر للرعاية الصحية في المملكة المتحدة.
ما هي ساعات النوم اللازمة للأطفال؟
تتغير ساعات وفترات النوم بشكل كبير خلال السنوات القليلة الأولى من الحياة، حيث يحتاج الرضّع إلى أكبر وقت نوم ولديهم نمط نوم واستيقاظ مجزأ. وبدءاً من عمر 5 أشهر، يكون لديهم القدرة على النوم لفترات أطول.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الرضع الذين يرضعون رضاعة طبيعية يستيقظون بشكل متكرر في أثناء الليل، ولديهم فترات نوم أقصر.
وفقاً لدراسة من مركز النمو والتنمية بمستشفى الأطفال الجامعي في سويسرا (University Children's Hospital)، يحتاج الرضع والأطفال إلى ساعات النوم التالية:
- 0 إلى شهرين: 16-18 ساعة.
- شهران إلى سنة: 12-16 ساعة.
- سنة إلى 3 سنوات: 10-16 ساعة.
- 3 إلى 5 سنوات: 11-15 ساعة.
- 5 إلى 14 سنة: 9-13 ساعة.
- 14 إلى 18 سنة: 7-10 ساعات.
أعراض وأنواع اضطرابات النوم عند الأطفال
قد يستغرق الطفل -في بعض الأحيان- بعض الوقت حتى يغط في نوم عميق، ولكن إذا بدا أنه يعاني من الكثير من المشكلات لينام جيداً، مثل البقاء في الفراش طويلاً من دون نوم، أو النوم لفترة قصيرة ثم الاستيقاظ مع عدم القدرة على العودة للنوم مرة أخرى، أو الشكوى من حكة في الساقين ليلاً، أو الشخير بصوت عالٍ في أثناء النوم، فقد يشير ذلك إلى معاناته من اضطراب في النوم.
يشير مدير قسم طب النوم في مستشفى مارتن أرمي كوميونيتي بأميركا (Martin Army Community)، كيفن كارتر، في مقاله إلى عدد من اضطرابات النوم التي تصيب الأطفال كما يلي:
1. انقطاع النفس الانسدادي النومي (Obstructive Sleep Apnea)
توقف التنفس في أثناء النوم هو أكثر اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم شيوعاً ويشمل عدة أنواع، أهمها انقطاع النفس الانسدادي النومي، وهو يحدث عندما ترتخي عضلات الحلق بشكل متقطع وتسد مجرى الهواء خلال النوم.
في هذه الحالة، يمكن أن يتوقف الطفل عن التنفس لفترات -نحو 10 ثوانٍ أو أكثر- خلال نومه. وفي معظم الحالات، لا يكون لدى الطفل أي فكرة عن حدوث ذلك. قد يصاحب ذلك شخير الطفل بصوت عالٍ، والنوم والفم مفتوح، وشعوره بالنعاس المفرط خلال النهار، بالإضافة إلى المزاج السيئ أو ضعف التركيز أو نقص الانتباه أو مشاكل سلوكية.
يمكن أن يرتبط توقف التنفس خلال النوم بالسمنة، وانخفاض حجم تجويف مجرى الهواء العلوي، ومع ذلك، يرجع الانسداد في المقام الأول لدى الأطفال إلى تضخم اللوزتين واللحمية، وهو يحدث بنسبة متساوية بين الذكور والإناث.
2. متلازمة تململ الساقين (Restless Legs Syndrome)
قد تبدو مشكلة تململ الساقين أكثر صلة بعالم البالغين، إلا أنها تبدأ أحياناً في مرحلة الطفولة، وفقاً لمؤسسة متلازمة تململ الساقين.
قد يشكو الطفل في هذه الحالة من "الاهتزازات" أو الإحساس بوجود حشرة تزحف عليه، وقد يغير وضعه في السرير بشكل متكرر ليجد بعض الراحة. وتكون متلازمة تململ الساقين أكثر شيوعاً بين الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه - بحسب دراسة من مركز اضطرابات النوم بجامعة ميشيغان الأميركية (University of Michigan).
3. اضطراب طور النوم المتأخر (Delayed Sleep Phase Disorder)
تتحكم الساعة البيولوجية في توقيت ودورات النوم، لذلك فأي تغيير فيها ينعكس على توقيت وجودة النوم بأكمله.
ويتطلب التناقض بين الساعة البيولوجية الداخلية والعالم الخارجي إلى "إعادة ضبط" لتتوافق مع الضوء، وإفراز هرمون الميلاتونين -الهرمون الذي يساعدنا على الشعور بالنعاس- والنشاط البدني ودرجة حرارة الجسم وأوقات تناول الوجبات. على سبيل المثال، قد يؤدي التوقيت غير المناسب للتعرض للضوء إلى تغيير إيقاع الساعة البيولوجية نتيجة كبح إفراز هرمون الميلاتونين الذي يهيئنا للنوم.
في الأطفال الذين يعانون من اضطراب طور النوم المتأخر، تتأخر أوقات النوم والاستيقاظ المعتادة لمدة ساعتين على الأقل مقارنة بالأوقات المقبولة اجتماعياً. ويكون هذا الاضطراب أكثر شيوعاً خلال فترة المراهقة بنسبة تتراوح بين 7% و16%، عندما يُعتقد أن إيقاع الساعة البيولوجية يطول ويصبح الطفل أكثر اجتماعية.
اقرأ ايضاً: لماذا من المهم أن ينام الأطفال مبكراً؟
علاج اضطرابات النوم عند الاطفال
تختلف كيفية التعامل مع اضطرابات النوم لدى الأطفال بناء على نوعها ومدى حدتها، ففي حين تتطلب بعض الاضطرابات اتباع نظام صحي للنوم للتغلب عليها، تحتاج أخرى إلى استشارة الطبيب وفي بعض الأحيان تدخلات جراحية.
يشير كارتر في مقاله -المذكور سابقاً- إلى طرق علاج الاضطرابات المذكورة كما يلي:
- انقطاع النفس الانسدادي النومي: يعتبر استئصال اللوزتين هو العلاج الأساسي لانقطاع النفس الانسدادي النومي عند الأطفال. كما أظهرت تدخلات إنقاص الوزن فوائد لتقليل شدة انقطاع النفس خلال النوم والتي يجب اتباعها بشكل خاص مع الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
- متلازمة تململ الساقين: نظراً لأن نقص الحديد شائع عند الأطفال، وهو ما قد ينتج عنه تململ الساقين، فيجب قياس مستوى الفيريتين في الجسم، والذي يجب ألا يقل عن 50 ميكروغرام لكل لتر، وإعادة قياسه كل ثلاثة أشهر. وفي حالة تدني مستوياته، يجب استشارة الطبيب قبل تناول مكملات الحديد.
- اضطراب طور النوم المتأخر: يركز العلاج في هذه الحالة على مواءمة إيقاع الساعة البيولوجية مع أوقات النوم والاستيقاظ المرغوبة. كما هو الحال في جميع اضطرابات النوم، فإن الحفاظ على دورة نوم واستيقاظ منتظمة وممارسة نظام جيد للنوم هو أساس العلاج. لذلك من المهم تجنب الأضواء الساطعة قبل النوم، وإزالة جميع الأجهزة الباعثة للضوء من غرفة النوم؛ مثل الهواتف المحمولة. وقد يكون العلاج بالضوء الساطع المستخدم لأول ساعة إلى ساعتين بعد الاستيقاظ مفيداً أيضاً لتعزيز إيقاع الساعة البيولوجية.
7 نصائح لتحسين نوم طفلك
يمكن للوالدين ومقدمي الرعاية القيام بدور نشط في تحسين نوعية نوم أطفالهم. يعد الشعور بالاسترخاء أمراً مهماً في الفترة التي تسبق موعد النوم لكل من الوالدين والطفل.
إذا كان طفلك يعاني من صعوبات في النوم، حاول خلق بيئة مريحة وهادئة مع اقتراب موعد النوم كما يلي:
- قم بإيقاف تشغيل جميع الشاشات قبل النوم بساعة: يشمل ذلك التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة. يمكن أن تكون أنشطة الشاشة محفزة عقلياً وقد تعوق أيضاً إفراز هرمون الميلاتونين.
- خصص وقتاً للاستماع الجيد لطفلك ومخاوفه: اسمح لطفلك بمشاركة أي مخاوف معك وتأكد من منحه انتباهك كاملاً في وقت مخصص قبل النوم. قد يكون من المفيد مشاركته كيف كان يومه وما يخطط له في اليوم التالي.
- اخفض الأضواء قبيل النوم: حاول تعتيم الأضواء في الساعة التي تسبق النوم لخلق بيئة مريحة والمساعدة في إنتاج الميلاتونين.
- عزز استرخاء طفلك: يمكن أن تساعد بعض الأنشطة مثل التلوين على الاسترخاء، كما يمكن أن يساعد التدليك بعض الأطفال على الاسترخاء أيضاً.
- شغل موسيقى هادئة: قد تساعد الموسيقى الهادئة في شعور طفلك بالاسترخاء ومساعدته على النوم.
- شجع طفلك على التركيز على تنفسه: تساعد تمارين التنفس على الاسترخاء، ويمكنك ممارستها مع طفلك قبل النوم. كذلك، علم طفلك بعض تمارين الاسترخاء، مثل البدء في شد قدميه حتى العد 5 ثم بالاسترخاء. بعد ذلك، شد عضلات قصبة الرجل، ثم الانتقال إلى الفخذين وهكذا، حتى يشعر بالراحة في كل جزء من أجزاء الجسم.
- أنهِ اليوم بملاحظة إيجابية: يمكن مشاركة طفلك ملاحظتك الإيجابية حول بعض الأشياء الرائعة التي حدثت خلال اليوم. يساعده ذلك في الاسترخاء والبقاء هادئاً أيضاً.
في النهاية، يمكن أن تؤثر اضطرابات النوم لدى الأطفال بشكل سلبي في نموهم المعرفي وتحصيلهم الأكاديمي، لذلك فهي أمر مهم ولا يجب التغاضي عنه كأمر سيتجاوزه الطفل بالمرور لمرحلة أخرى.