بعد انتهاء امتحان الشهادة الثانوية تأتي مرحلة اختبار الرغبات الجامعية وملء قائمة الرغبات التي تثير قلق الأبناء والآباء على حد سواء، فكيف يمكن للعائلة إدارة هذه المهمة وحالة عدم اليقين المرافقة لها بهدوء؟
تثير عملية اختيار الرغبات الجامعية بعد امتحان الشهادة الثانوية قلق الطالب ووالديه اللذين يخشيان من عدم اختيار ابنيهما المسار الصحيح، تقول المدربة والمعالجة النفسية دينا شيرير: "ينقل الوالدان مخاوفهما وشعورهما بالتوتر في هذه المرحلة إلى الأبناء". وعلى الرغم من حالة التوتر التي يعيشها الوالدان فقد يتخذان موقف المتفرج، أي لا يقدمان أياً من الاقتراحات التي تدور في ذهنيهما علماً أن المراهقين يفضلون أن يدعمهم آباؤهم عند شعورهم بعدم اليقين حيال أمر ما.
ويؤيد وجهة النظر هذه كاتب المقالات إيمانويل فيلانت، فيقول: "يعاني جميع الآباء من القلق في هذه المرحلة من حياة أبنائهم، ولكنهم من جهة أخرى لا يصرّحون عن رغباتهم فيما يتعلق بالمسار الدراسي الذي سيتخذه الأبناء، ما يحول دون "اصطدام" الابن برغبات تخالف رغباته ومن ثم لا ينشأ أي نقاش يساعده على المفاضلة بين الخيارات واتخاذ القرار. وكمثال على ذلك أن يفصح الأب عن رغبته في دراسة ابنه للطب فيرفض الأخير مشيراً إلى أنه لا يحب رؤية الدم وبهذه الطريقة يتمكن من معرفة أنه لا رغبة لديه في دراسة الطب. لا مشكلة في أن يكون لديك رغبات فيما يتعلق بالمسار الدراسي لابنك وأن تعبّر عنها صراحة إذ يعد ذلك ظاهرة صحية للغاية، وطريقة مثلى لبدء النقاش. من جهة أخرى فإن تعبير الوالدين عن تطلعاتهم يحفز المراهق بدوره ليعبر عن وجهة نظره ويؤكد ذاته ومن ثم يتجنب تبني رغبات الآخرين فيما يتعلق بمساره الدراسي، كما أن تبادل الآراء بهذه الطريقة يمنحه أساساً يستند إليه عندما يشعر بعدم اليقين حيال رغباته الحقيقية. وجدير بالذكر أن الصعوبة في عملية اتخاذ القرار لدى المراهق ترجع إلى رغبته في أن تظل جميع الاحتمالات متاحةً له، ويقول مؤلف كتاب "أغذية الأرض" (Les Nourriture Terrestres) أندريه جيد: "الاختيار يعني التخلي عن كل شيء آخر إلى الأبد"، وهذا بالضبط ما يمكن أن يخيف المراهق.
يقول إيمانويل فيلانت: "إن إجراء مناقشة مع المراهق حول مساره الدراسي يتيح له التفكير مجدداً في رغباته والتزاماته المستقبلية، ولأنه في الـ 17 من عمره وما زال يتطور فإن هذه المرحلة تولد لديه انطباعاً بأنه سيكون في المستقبل أسير القرار الذي سيتخذه اليوم إلى الأبد".
الاستعداد هو الخطوة الأهم
وترى مختصة علم النفس التربوي أن مخاوف طلاب المدارس الثانوية ترجع في كثير من الأحيان إلى تعثرهم في لحظة اختيار الرغبات الجامعية، وهي اللحظة التي يكون قد فات فيها الأوان على إجراء مناقشة معهم حول رغباتهم. تقول دينا شيرير: "كلما اقترب الموعد النهائي، ازداد قلق المراهق وأصبح التفكير في القرار الذي يجب أن يتخذه أكثر صعوبة بالنسبة إليه، لذلك يمكن للوالدين من بداية العام الدراسي أن يحددا موعداً كل أسبوعين لمناقشة مسألة المسار الدراسي مع ابنهما، الأمر الذي يخفف شعورهما وشعوره بالتوتر ويساعدهم على جمع المعلومات قبل الوصول إلى المرحلة النهائية لاختيار الرغبات الجامعية".
الدرجات المدرسية ليست كل شيء
قد يتساءل الطالب: "ما الكلية التي ستؤهلني درجاتي إلى دخولها؟". وفي الحقيقة يرى مختصو علم النفس والتوجيه التربوي أنه من الخطأ أن يكون الطالب مهووساً بأدائه المدرسي، يقول إيمانويل فيلانت: "عندما كنت طالباً في المدرسة قيل لي إنني سيئ في اللغة الفرنسية، لذا لا يمكنني أن أصبح صحفياً". وعلى الرغم من أنه يجب مراعاة هذا النوع من التقييمات، فإنه من الضروري أن ينظر الطالب إليها بطريقة نسبية وأن يعي أن المستقبل المهني لا يمكن أن يعتمد على تقارير مرحلة الدراسة الثانوية". ومن جهتها ترى بريجيت بروت أن النتائج المدرسية للطالب ليست كل شيء بل أحد المعايير التي يجب مراعاتها، فهنالك معيار المواد المفضلة لديه أيضاً، التي قد لا تكون بالضرورة تلك التي يحصل فيها على أفضل الدرجات، وتوصي المختصة بضرورة إنشاء قائمة بهذه المواد. تكمن الصعوبة الرئيسية التي يواجهها الطالب في تعدد الخيارات المتاحة ففي كل عام تنشأ العشرات من التخصصات الدراسية، ولهذا السبب يحتاج الأبناء إلى دعم الآباء ومساعدتهم قبل كل شيء ويمكن بعد ذلك تحديد الرغبات الجامعية وفقاً للنتائج المدرسية ومعايير أخرى مثل الحافز لدى الطالب والنهج الذي يفضل اتباعه".
ولذلك فإنه على الطالب ألا يسأل نفسه أسئلةً عقيمةً تسبب له القلق مثل: ما الجامعة التي يمكنني التسجيل فيها؟ بل أسئلة بناءة مثل هل أتمتع بروح تنافسية؟ وهل تخيفني فكرة اجتياز مسابقة ما؟ هل أتمتع باستقلالية تتيح لي العمل بمفردي أم أنني بحاجة إلى أن أكون تحت الإشراف؟ وهل أنا شخص صبور أستطيع الدراسة لسنوات طويلة أم أفضل أن أنهي دراستي بسرعة؟ وغير ذلك من الأسئلة.
يجب أن تكون الإجابات عن هذه الأسئلة هي الأساس الذي يستند إليه الطالب عند إنشاء قائمة الرغبات الجامعية وتحديد أولوياته منها.
ويوضح إيمانويل فيلانت قائلاً: "المهم هو أن يتمكن الطالب من تحضير قائمة رغبات جامعية مبنية على أسس صحيحة بحلول الموعد النهائي للتسجيل. ويتابع: "أما دورك كأب فهو أن توضح لابنك أنه على الرغم من أهمية أن يبرز نفسه في الحياة المهنية، فإن العالم في حركة دائمة ومن ثم فإنه ليس مضطراً إلى الالتزام بمسار مهني محدد مدى الحياة، فالمداخل من قطاع إلى آخر تعد فلا تحصى. من ناحية أخرى من المهم تجنب تحطيم معنويات ابنك عبر تذكيره بنتائجه المدرسية لأن ذلك يضاعف إحساسه بالفشل وتذكر أن الطريق نحو النجاح محفوف بالإخفاقات أيضاً.
تمرين للآباء الذين يتحضر أبناؤهم لدخول الجامعة
لا يعرف المراهق دائماً ما يريد، لكنه غالباً يعرف ما لا يريده. اقترحت هذا التمرين المدربة دينا شيرر وهو يتيح للآباء معرفة ما لا يرغب فيه أبناؤهم واكتشاف رغباتهم الحقيقية من خلال ذلك.
- ارسم دائرة على قطعة من الورق واكتب في داخلها عبارة "ما أريد"، واكتب خارجها عبارة "ما لا أريده".
- اطلب من ابنك أن يكتب أي شيء لا يريده فيما يتعلق بمساره الدراسي خارج الدائرة على سبيل المثال: "لا أريد أن أدرس طويلاً"، أو "لا أريد الجلوس خلف مكتب طوال النهار".
- اطلب منه أن يرسم سهماً لكل فكرة لا يريدها يصل إلى داخل الدائرة ويكتب في نهايته رغبةً يريدها على سبيل المثال: "لا أريد أن أدرس طويلاً" يقابلها "أريد أن أدرس التخصص الفلاني" في داخل الدائرة.
- اطلب منه أن يشرح ما كتبه في داخل الدائرة.
- الخطوة الأخيرة هي أن تحدد بالتعاون معه الأهداف ذات الأولوية التي يرغب في تكريس جهوده لتحقيقها.