نحن البشر تربطنا معاً قدرتنا على تجربة المشاعر والإحساس بالحزن والسعادة وكل شيء بينهما، في بعض الأحيان تلقي الحياة بأسوأ ما لديها علينا، وفي أوقات أخرى نطير عالياً ونختبر الفرح والنعيم الخالص، وفي الحقيقة إن التغيرات في الحالة المزاجية من وقت لآخر أمر لا مفر منه، وستواجهك سواء كنت رجلاً أم امرأة، ولكن الفترات الطويلة من انخفاض الحالة المزاجية يمكن أن تكون علامة على أنك تعاني الاكتئاب، وهو اضطراب مزاجي يؤثر في كيفية شعورك وتفكيرك وتعاملك مع الحياة اليومية والأنشطة مثل النوم والأكل والعمل، ولكن كيف يختلف الاكتئاب بين الرجل والمرأة؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب عند النساء والرجال؟
أكدت دراسة بحثية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine) في أبريل/نيسان 2023 أن النساء تُصاب بالاكتئاب أكثر من الرجال، أما فيما يتعلق بالأسباب التي تؤدي إلى إصابة كليهما، فإنها تتجسد في:
1. العوامل البيولوجية والهرمونية التي تخص النساء
تواجه النساء بسبب طبيعتها البيولوجية الكثير من الاضطرابات التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، منها على سبيل المثال:
- اضطرابات الدورة الشهرية: يمكن أن تتسبب التقلبات الهرمونية في أثناء الدورة الشهرية في ظهور الأعراض المختلفة لمتلازمة ما قبل الحيض، مثل الحزن والتعب والانفعال العاطفي.
- التغيرات الهرمونية المرتبطة بالحمل: تسهم أحياناً التغيرات الهرمونية العديدة التي تحدث في أثناء الحمل في الإصابة بالاكتئاب، هذا علاوة على المشكلات الأخرى المرتبطة بالحمل، مثل الإجهاض والحمل غير المرغوب فيه والعقم، والتي تؤدي دوراً محورياً في الإصابة بالاكتئاب.
- اكتئاب ما بعد الولادة: تعاني بعض الأمهات اكتئاب ما بعد الولادة، وذلك بسبب التغيرات البيولوجية والتعرض إلى الضغط الشديد وتغير نمط الحياة على نحو كبير.
- اكتئاب انقطاع الطمث: تُصاب الكثير من النساء بالاكتئاب في أثناء انقطاع الطمث، وذلك بسبب تقلب مستوى الهرمونات، خاصة هرمون الإستروجين. على الجانب الآخر، هناك عوامل أخرى تزيد فرص الإصابة بالاكتئاب في أثناء انقطاع الطمث مثل اضطرابات النوم، وزيادة الوزن.
- أدوية منع الحمل: تؤدي الأدوية الهرمونية المستخدمة في منع الحمل إلى الإصابة بالاكتئاب باعتباره عرضاً جانبياً، وذلك بسبب التأثير في الهرمونات خاصة هرمون الإستروجين.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال؟
2. دور التنشئة الاجتماعية
الاختلاف بين الرجال والنساء في التنشئة الاجتماعية يؤثر تأثيراً مهماً في إصابتهم بالاكتئاب؛ على سبيل المثال تُربى الفتيات على رعاية الآخرين والاهتمام بهم، بينما ترتكز التنشئة الاجتماعية للرجال على الصلابة والثبات، والسيطرة وتجنب إظهار المشاعر لأنها تخص النساء دون الرجال، وبسبب هذه التنشئة يظهر الاكتئاب على نحو مختلف لدى الرجال.
ولأن المرأة تتلقى تشجيعاً منذ الطفولة على رعاية الآخرين فإنها تهتم ببعض الأدوار الاجتماعية مثل دور ربة البيت أو الأم، وهذه الأدوار غالباً ما يُنظر لها على أنها أقل قيمة في المجتمع، وحتى حين تخرج المرأة إلى سوق العمل فإنها تتلقى مرتباً أقل من الرجال، وغالباً ما تواجه صراعاً بسبب تحقيق التوازن بين أسرتها وعملها، ما يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
ويؤكد استشاري علم النفس، سامي العرجان، أن النساء أكثر إصابة بالاكتئاب من الرجال لأنها أكثر تعرضاً لمسببات الاكتئاب من الرجال، على سبيل المثال، العنف الأسري والتحرش والاغتصاب، وهناك أيضاً التمييز الجنسي والوظيفي واللوم الاجتماعي.
3. أحداث الحياة المجهدة
حين تواجه المرأة أحداث الحياة المجهدة أو الصعبة فإنها تميل إلى الشعور بفقدان السيطرة، لهذا تطغى عليها المشاعر السلبية مثل الحزن واليأس وقد تستنزفها هذه المشاعر، ما يؤدي إلى إصابتها بالاكتئاب، وذلك عكس الرجل الذي يرغب في السيطرة على الأحداث الصعبة التي قد تواجهه ولهذا فإنه يلجأ إلى أساليب التكيف غير الصحية وقد ينخرط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر، وفي نهاية المطاف، يُصاب بالاكتئاب كلا الطرفين، ولكنه يظهر على نحو مختلف.
كيف تختلف أعراض الاكتئاب بين الرجل والمرأة؟
يؤكد الطبيب النفسي، أندرو أنجيلينو (Andrew Angelino)، أن الاكتئاب يختلف بين المرأة والرجل، ويضيف أنجيلينو أن المرأة المصابة بالاكتئاب تبكي في حين يتصرف الرجل المصاب بالاكتئاب بغضب، وهناك بعض أعراض الاكتئاب المشتركة بين الرجل والمرأة، وتشمل:
- الشعور العميق بالحزن.
- الإحساس بالفراغ.
- فقدان الاستمتاع بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق.
- تغيرات الشهية أو الوزن.
- اضطرابات النوم.
- الشعور بالانفعال أو التعب.
- صعوبة التركيز.
وهناك بعض الأعراض التي تخص الرجل، مثل:
- تجنب المواقف العائلية أو الاجتماعية.
- الانهماك الشديد في العمل دون أخذ فترات راحة.
- الانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل القيادة المتهورة.
- التفكير في الانتحار.
- مواجهة مشكلات في العلاقة الحميمية.
- ظهور مشكلات في الجهاز الهضمي.
- الشعور بالصداع وضيق في الصدر.
- الإحساس بالغضب والإحباط والعدوانية.
ويمكن القول إن الأعراض السابقة التي تواجه الرجل مثل الشعور بالغضب والعدوانية لا تعني أن النساء لا يشعرن بالغضب أبداً، ولكنها تعني أن المرأة أقل عرضة للإحساس بالغضب، وعوضاً عن ذلك تشمل أعراض الاكتئاب عند المرأة:
- الشعور بالذنب أو انعدام القيمة.
- الإحساس بالعجز أو اليأس أو التشاؤم.
- انخفاض الطاقة والشعور بالتعب.
- زيادة حدة التوتر والقلق.
- الإحساس بالخمول.
- صعوبة اتخاذ القرارات وتذكر الأشياء.
النساء يطلبن المساعدة والرجال يلجؤون للغضب!
في الواقع، النساء يطلبن المساعدة أكثر من الرجال، ولهذا فإنهن يذهبن إلى الطبيب النفسي المتخصص ويتحدثن عن أعراض الاكتئاب التي تواجههن، وذلك على عكس الرجال الذين يتعاملون مع أعراض الاكتئاب على أنها مجرد إجهاد، ولذلك يلجؤون إلى الغضب عوضاً عن حل المشكلة، ما يعني أن الاكتئاب غير مُشخّص لدى الرجال على نحو كافٍ، على الجانب الآخر، فإن الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء.
4 نصائح للتعافي من الاكتئاب عند الرجال والنساء
تتشابه طرائق التعافي من الاكتئاب عند الرجال والنساء، في البداية يجب أن يعترف الرجل أولاً بأنه يعاني الاكتئاب، وحين يصل إلى هذه المرحلة، يمكنه اتباع النصائح التالية، جنباً إلى جنب مع النساء:
1. اطلب الدعم من الآخرين
بالنسبة لبعض الرجال، قد يكون طلب الدعم صعباً خاصة في فترات الاكتئاب؛ حيث يظن الرجل أنه لا يستطيع البوح بمشاعره للآخرين، ولكن عليك العثور على أشخاص يمكنك التواصل معهم حقاً وجهاً لوجه، وهذا لا يعني ببساطة التحدث إلى زميل في العمل، أو الدردشة حول مباراة كرة القدم مع الرجل الذي يجلس بجانبك في أحد المقاهي، وإنما يعني إيجاد شخص تشعر بالراحة في مشاركة مشاعرك معه، شخص ينصت إليك دون أن يحكم عليك، أو يخبرك بكيفية التفكير أو الشعور.
وفيما يخص النساء، اطلبي الدعم من الأشخاص الذين تثقين بهم، ليس من الضروري أن يكون الشخص قادراً على حل المشكلة أو إصلاح الوضع، المهم أن يكون مستمعاً جيداً، وحين يداهمك الشعور بالاكتئاب، قد تفضلين الانعزال عن الآخرين، لكن الوجود حول الأفراد الإيجابيين قد يجعل أعراض الاكتئاب أخف وطأة.
اقرأ أيضاً: كيف أتخلص من الاكتئاب المبتسم
2. احصل على قسط كافٍ من النوم
يأتي الاكتئاب مع مجموعة مختلفة من الأعراض، أهمها اضطرابات النوم، وهذا يشمل الرجال والنساء، لهذا يجب الحصول على قسط كافٍ من النوم من أجل التغلب على أعراض الاكتئاب، ويمكن القول إن المعاناة من الاكتئاب قد تجعل من الصعب عليك الالتزام بالروتين، ولكن حاول قدر الإمكان الاستيقاظ والذهاب إلى النوم في الوقت نفسه كل يوم، لأن هذا سيمنح جسمك فرصة للحصول على سبع ساعات على الأقل من النوم.
3. مارس تقنيات الاسترخاء
يمكن أن تساعد ممارسة الاسترخاء اليومية على تخفيف أعراض الاكتئاب وتقليل التوتر وتعزيز مشاعر الفرح والراحة النفسية، على سبيل المثال، جرب اليوغا، أو التنفس العميق، أو استرخاء العضلات التدريجي، أو التأمل، وحاول قضاء بعض الوقت في الطبيعة.
4. اطلب الدعم من الطبيب النفسي المتخصص
إذا حاولت التعافي من أعراض الاكتئاب عبر اتباع النصائح السابقة، ولم تُجدِ نفعاً، يجب أن تطلب المساعدة من المختص أو الطبيب النفسي، والذي قد يلجأ إلى:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يرتكز هذا العلاج على إعادة صياغة الأفكار السلبية واستبدال أخرى إيجابية بها، على سبيل المثال، قد يساعد المختص النفسي بعض الرجال في إعادة التعامل مع أفكارهم حول الوصمة الذكورية الخاصة بالاكتئاب والتعامل مع المشاعر، ويمكن أيضاً أن يسهم العلاج النفسي في:
- ملاحظة المشاعر وتعلم كيفية التعامل معها.
- تعلم طرائق إدارة الإجهاد والمشاعر السلبية بعيداً عن سلوكيات التكيف غير الصحية.
- تعلم كيفية البحث عن الدعم العاطفي.
- اتباع خيارات نمط حياة صحية، مثل تناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة بانتظام.
- المشاركة في الأنشطة التي كانت ممتعة في السابق مثل مشاهدة مباريات كرة القدم أو الذهاب في رحلة مع الأصدقاء.
ويمكن القول إن النساء يمِلن إلى التفكير مطولاً خلال الإصابة بالاكتئاب، وقد يستغرقن الكثير من الوقت في محاولة معرفة سبب مشاعرهن، ولكن هذا التفكير المطول قد يؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب، لهذا قد يساعد العلاج السلوكي المعرفي على تبديل الأفكار السلبية بأخرى إيجابية.
- العلاج بالأدوية النفسية: تساعد مضادات الاكتئاب على تخفيف بعض أعراضه، وعادة ما تستغرق من 4 إلى 6 أسابيع حتى تصبح فعالة، ونظراً للاختلافات البيولوجية الأنثوية، تبدأ النساء بجرعات أقل من مضادات الاكتئاب مقارنة بالرجال، إضافة إلى أن النساء أكثر عرضة لتجربة الآثار الجانبية، لذا يجب مراقبة أي استخدام للأدوية عن كثب والتحدث إلى الطبيب المعالج عن التطورات الملحوظة.