يسعى الكثيرون للانخراط في علاقات عاطفية تشبع احتياجاتهم النفسية، ورغم تعقيد هذه العلاقات، يبقى سر السعادة كامناً في وجود شريك حياة يجيد الإنصات والمشاركة. ومن هنا، لفت انتباهنا مؤخراً ما يعرف باختبار العصفورة.
وهو الترند الذي اجتاح منصة "تيك توك" موثقاً تجارب سيدات يختبرن انتباه شركائهن للتفاصيل الصغيرة. فهل هذا الاختبار مجرد تسلية عابرة، أم أنه يستند إلى نظرية نفسية حقيقية حول التواصل الفعال وبناء العلاقات الصحية؟ الإجابة في السطور التالية.
محتويات المقال
اختبار العصفورة: ترند ظهر وتجدد مرة أخرى
ظهر ترند اختبار العصفورة أول مرة على تطبيق تيك توك خلال عام 2023، ثم عاود الظهور مرة أخرى واكتسب زخماً وشعبية واسعة عام 2025، ويهدف هذا الاختبار بالأساس إلى قياس مدى اهتمام الشريك.
إذ تصور النساء أنفسهن وهن يخبرن شريكهن عن طائر رأينه في الخارج، في محاولة لتحويل محادثة عابرة إلى تواصل عميق، وفي المقابل تنتظر المرأة تفاعل الطرف الآخر؛ إذا أبدى اهتماماً وحماساً وسأل عن شكل الطائر ونوعه ولونه، واهتم بالتفاصيل الخاصة بالموقف كلها ينجح في الاختبار، وإذا لم يهتم فقد فشل.
اقرأ أيضاً: ما هو السر المشترك بين العلاقات الزوجية الناجحة؟
ما هو الأساس النفسي الذي يرتكز عليه اختبار العصفورة؟
على الرغم من أن اختبار العصفورة يعد حديثاً، فإن الأساس النفسي موجود منذ سنوات طويلة، إذ إن هذه الفكرة تعود إلى مفهوم صاغه في سبعينيات القرن الماضي عالم النفس جون جوتمان. ينص هذا المفهوم، المسمى "محاولات التواصل"، على أن الحميمية العاطفية هي أساس العلاقة الدائمة، وتبنى هذه الحميمية من خلال لحظات صغيرة من الاهتمام والرعاية ومحاولات التواصل بدلاً من المفاجآت الرومانسية الكبيرة.
بمعنى آخر، محاولات التواصل التي تحدث عنها جون جوتمان هي محاولات عميقة وحقيقية لبدء التواصل أو جذب انتباه الشريك؛ وهذه المحاولات الصغيرة، كالابتسامة أو اللمسة أو عناق دافئ أو السؤال عن يوم المرء، تؤدي دوراً حاسماً في الحفاظ على الروابط العاطفية، وعندما يستجيب الشريكان باستمرار لهذه المحاولات بإيجابية، فإنهما يعززان علاقتهما، ما قد يقلل خطر الانفصال ويعزز الحب بين الطرفين.
ويمكن القول إن محاولات التواصل بين الشريكين تمكن الطرفين من تلبية احتياجاتهما، وتبني جسراً من الثقة والتفاهم، كما أنها تمنع مشاعر الاستياء، ولا تدع الملل أو الفتور يتسلل إلى العلاقة.
هل من المفيد تجربة اختبار العصفورة على شريك حياتك؟
على الرغم من أن محاولات التواصل العميقة والمستمرة بين الطرفين داخل العلاقة العاطفية مهمة للغاية، فإن المختصة النفسية، كاري كول، تحس بالقلق العميق تجاه اختبار العصفورة؛ إذ تؤكد أن فكرة اختبار شريك حياتك بسيناريو مفتعل، ثم المبالغة في الثقة بالنتائج، لن تثبت أن علاقتكما قوية.
علاوة على ذلك، يوضح الطبيب النفسي، جاستن ليميلر، أن هذا الاختبار قد يكشف شيئاً عن علاقتك بشريكك، لكنه ينصح بتوخي الحذر بشأن استخدامه ويطالب بعدم المبالغة في تفسير النتائج.
ويضيف ليميلر قائلاً إنك إذا حاولت جذب الانتباه في وقت يكون فيه شريكك مشغولاً للغاية، أو متوتراً، أو منهكاً فقد لا يكون رد الفعل غير المتحمس دليلاً على مشاعره الحقيقية تجاهك أو تجاه العلاقة. قد يعكس ذلك ببساطة شعوره بالإرهاق، كما يشرح أن حاجتك إلى اختبار الشخص الآخر أمر يبعث على القلق وينم عن شعورك بعدم الأمان في العلاقة.
وتعتقد مختصة علم النفس السريري، ألكسندرا سولومون، أن هذا النوع من الاختبارات أو الترندات على مواقع التواصل الاجتماعي يشبه اختبارات العلاقات التي كانت تنشر سابقاً في المجلات الترفيهية.
وتضيف سولومون أن العدد الهائل من فيديوهات اختبار العصفورة، وملايين المشاهدات التي تحصل عليها، يشير إلى حالة من التعطش الجماعي للحصول على الثقة والرغبة في الطمأنة.
اقرأ أيضاً: 8 علامات تشير إلى خوف البعض من الالتزام في العلاقات
بعيداً عن ترند اختبار العصفورة:كيف تعزز علاقتك العاطفية بشريكة حياتك؟
مع ضغوط الحياة اليومية، وتراكم المسؤوليات، وتزايد المشتتات قد تنسى الاهتمام بعلاقاتك العاطفية، ولهذا إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على تعزيز التواصل مع شريكة حياتك:
1. شارك تفاصيل يومك
عندما نشارك الأشخاص المقربين تفاصيل يومنا، فهذا لأننا نأمل أن نشعر بأننا مسموعون، ومفهومون، ومقدرون، ومدعومون. لهذا تأكد من أنك حين تسأل عن تفاصيل يوم شريكة حياتك فأنت توضح لها أنك موجود من أجلها.
على سبيل المثال؛ جرب الأسئلة المفتوحة مثل: "ما هو أفضل شيء حدث لك اليوم؟" ثم تحدث عن اللحظات الصغيرة التي جعلت يومك مميزاً، ولكن في أثناء مشاركة تفاصيل يومك مع الطرف الآخر، اختر التوقيت المناسب، خاصة حين يكون كلاكما مرتاحاً ومتاحاً للاستماع، واحترم طريقة الشخص الآخر وتفضيلاته في المشاركة.
2. حاول جذب انتباه الطرف الآخر
جذب انتباه الطرف الآخر يتطلب فهم احتياجاته وأسلوبه في التواصل، على سبيل المثال، لنفرض أن شريكة حياتك تحب الكتب والقراءة، يمكنك أن تجذب انتباهها من خلال سؤالها عن كتاب قرأته مؤخراً، أو مكتبة فتحت حديثاً في الشارع المقابل، ولكن في أثناء محاولات جذب انتباه الطرف الآخر ابتعد عن الإلحاح والمطاردة المستمرة، ولا تحاول السيطرة على تفاصيل حياتها كافة؛ اترك لها مساحة شخصية.
3. ابتكر تجارب جديدة
على الرغم من أن تناول البيتزا يوم السبت مع مشاهدة فيلم في السينما يعد أمراً رائعاً، فإنك تحتاج من وقت إلى آخر إلى تجربة أنشطة جديدة باعثة على المرح والسعادة. على سبيل المثال، إذا كان شريكة حياتك تحب المغامرة جرب بصحبتها تسلق الجبال، أو زيارة المتاحف الأثرية، أو تجربة مطعم جديد بخلاف البيتزا.
4. فاجئ شريكة حياتك بهدايا صغيرة
تبقي الهدايا الصغيرة شرارة الحب متقدة وتذكر شريكة حياتك بأنك تفكر فيها، وحين تقرر أن تهدي الطرف الآخر هدية صغيرة، حاول اختيار الهدية التي تناسبه. على سبيل المثال، إذا كان يحب الرياضة يمكنك شراء ملابس رياضية مريحة، وإذا كان شخصاً رومانسياً، جرب كتابة رسالة مكتوبة بخط اليد تعبر عن مشاعرك، يمكن أيضاً اختبار هدايا أخرى باعثة على الاسترخاء مثل زيت عطري للتدليك أو قناع نوم أو وسادة مريحة.
ودعني أخبرك سراً صغيراً، تصبح الهدايا الباعثة على الراحة والاسترخاء قيمة خاصة إذا كانت شريكة حياتك تعاني القلق أو تواجه صعوبة في النوم، ما أقصده هنا هو اختيار الهدية المناسبة التي توضح أنك فعلاً تنصت باهتمام إلى التحديات التي يواجهها الطرف الآخر ومن ثم تساعده على مواجهتها عبر لفتة بسيطة وعميقة.
لكن في أثناء شراء الهدايا لشريكة حياتك تجنب العطاء المفرط؛ وفي هذا السياق، يؤكد استشاري الطب النفسي، عبد الله الغانمي، أن العطاء المستمر دون تقدير يرهق النفس، ويضعف الحدود؛ لذلك احرص على التوازن. وعلى الجانب الآخر، تأكد من أن التوازن في العلاقة لا يعني المساواة الدقيقة، بل أن يشعر كل طرف بالانتماء والأمان والتقدير، ويضيف الغانمي أن العلاقات الصحية تبنى على الوعي، والتوازن بين الأخذ والعطاء.