ملخص: هل سبق لك أن خضت نقاشاً مع صديقك وحاولت بشتى الطرائق إلقاء اللوم عليه؟ هل انفعلت على أخوك الأصغر ثم دخلت غرفتك وأغلقت بابها بعنف لأنك لا تريد الاستماع إلى وجهة نظره؟ إذا كانت إجابتك "نعم"، فهذا يعني أنك تتخذ موقفاً دفاعياً طوال الوقت، وإليك حل هذه المشكلة في مقالنا.
محتويات المقال
ماذا تفعل حين تتلقى تعليقات سلبية من مديرك في العمل؟ هل تتناقش معه وتحاول توضيح وجهة نظرك وتركز على التعليقات؟ أم تشعر بالحاجة الشديدة إلى الدفاع عن نفسك لأنك تحس بالتهديد؟ في هذه الحالة، ستجد أنك تدافع عن عملك بشراسة حتى لو كان ذلك الدفاع غير عقلاني، علاوة على أنك ستشرح باستفاضة أسباب تأديتك العمل على هذا النحو؛ الأمر الذي سيستنزف طاقتك وطاقة من حولك، فما الأسباب التي تجعلك تتخذ موقفاً دفاعياً طوال الوقت؟ وكيف تعالج هذه المشكلة؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما الموقف الدفاعي؟
الموقف الدفاعي هو آلية تكيف سلبية شائعة يستخدمها الكثير من الأشخاص للدفاع عن أنفسهم ضد التهديدات المتصوَّرة أو الفعلية. ووفقاً لما ذكرته الطبيبة النفسية، إيمي داراموس (Aimee Daramus)؛ فالموقف الدفاعي هو آلية نفسية تلقائية تُحَفّّز عبر الضغوط العاطفية الداخلية أو الخارجية، وقد يكون رد فعلك واعياً أو غير واعٍ، وعادة ما يتصرف الأفراد بطريقة دفاعية حين يتعرضون إلى النقد أو اللوم أو من أجل تجنب المشاعر المؤلمة.
وفي هذا السياق، يؤكد المختص النفسي، محمد البنا، إن ميكانيزمات الدفاع النفسية تشبه الأجسام المضادة التي تحمي الجسم من الفيروسات والبكتيريا، ما يُعرف باسم "المناعة الجسدية"، ويمكن القول إن آليات الدفاع النفسية هي المناعة النفسية التي تحاول حمايتك من التهديدات؛ لكن المبالغة في استخدام المواقف الدفاعية يمكن أن تسبب لك ضرراً بالغاً.
تعّرف إلى أشهر المواقف الدفاعية
تهدف المواقف الدفاعية إلى حمايتك من مشاعر الأذى والإحساس بالخجل، وعلى الرغم من أنها قد تُشعرك بالتحسن على المدى القريب، فإنها تمنعك في نهاية المطاف من معالجة الأسباب الجذرية للمشكلات التي تواجهك، بالإضافة إلى أنها تزيد حدة مشاعر القلق والتوتر، وفيما يلي أشهر أنواع المواقف الدفاعية:
- الإنكار: يعد الإنكار أحد أكثر المواقف الدفاعية شيوعاً، ويحدث عندما ترفض قبول الواقع أو الحقائق، وذلك من خلال حجب بعض الأحداث والمواقف والمشاعر المؤلمة التي تواجهها حتى لا تضطر إلى التعامل مع تأثيرها العاطفي.
- القمع: يمكن للأفكار البغيضة أو الذكريات المؤلمة أو المعتقدات غير العقلانية أن تزعجك، وبدلاً من مواجهتها، قد تختار دون وعي إخفاءها على أمل نسيانها تماماً؛ ولكن تلك الذكريات لا تختفي أبداً، وعادة ما تؤثر في سلوكياتك تجاه الآخرين، وفي علاقاتك الإنسانية.
- الإسقاط: يحدث حين تنسب أفكارك ومشاعرك غير المريحة إلى شخص آخر. على سبيل المثال؛ قد تشعر أنك لا تحب مديرك في العمل، وبدلاً من قبول ذلك، تختار أن تخبر نفسك بأنه لا يحبك، وتبدأ في تفسير كلامه وسلوكياته كلها بأسوأ طريقة ممكنة.
- الإزاحة: تخيل أنك تشعر بالكثير من الإحباط والغضب تجاه أحد الأشخاص، ومع ذلك، لا يمكن أن تواجهه بمشاعرك لأن عواقب المواجهة وخيمة. حينذاك، تختار هدفاً أسهل يمكن أن تفرغ فيه غضبك. على سبيل المثال؛ حين تمر بيوم سيئ في العمل وتصب غضبك على زوجتك أو أولادك الصغار.
- استحضار أخطاء الماضي: يعد الحديث عن أخطاء الماضي مع شخص ما نوعاً شائعاً من السلوك الدفاعي، وعادة ما يُستخدم لإلهاء الآخرين عن الموقف الحالي. على سبيل المثال؛ إذا كنت تواجه مشكلة مع أحد أصدقائك، وبدلاً من الحديث عنها، قررت أن تذكّره بمواقفه السابقة التي كانت مخطئاً فيها!
- الصمت العقابي: يمكن أن تلجأ إلى هذا الأسلوب حين تقرر عدم التحدث إلى أحد أصدقائك حتى يعترف بأخطائه، وقد يبدو هذا الإجراء الدفاعي غير ضار؛ لكنه في الواقع يعد مدمراً للعلاقات الإنسانية، خاصة عند استخدامه على نحو متكرر.
اقرأ أيضاً: من السخرية إلى إسقاط عيوبك على الآخرين: تعرف إلى الآليات الدفاعية النفسية؟
8 علامات تخبرك بأنك تتخذ موقفاً دفاعياً طوال الوقت
يوضح مختص العلاج الزوجي، جون غوتمان (John Gottman)، إن اللجوء إلى المواقف الدفاعية في العلاقات الإنسانية كفيل بتدميرها، والدفاعية واحدة من 4 سلوكيات تنبئ بنهاية علاقة الزواج؛ وذلك لأن السلوك الدفاعي في العلاقات يخلق مشكلة عميقة في التواصل. وهذه أهم العلامات التي تخبرك بأنك تتخذ موقفاً دفاعياً طوال الوقت:
- عدم تقبل ردود فعل الآخرين.
- المبالغة في شرح وجهة نظرك.
- الاهتمام بحماية صورتك الذاتية بأي ثمن.
- التوقف عن الاستماع إلى الشخص الآخر والرغبة الشديدة في إنهاء المحادثة.
- إلقاء اللوم على الشخص الآخر.
- التقليل من شأن الآخر.
- محاولة تبرير سلوكك، على الرغم من علمك أنك فعلت شيئاً خاطئاً.
- لعب دور الضحية.
6 أسباب للسلوك الدفاعي
تؤكد الطبيبة النفسية، إيمي داراموس، إن هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تبني السلوك الدفاعي؛ ومنها على سبيل المثال:
- الشعور بالخوف: تعتقد داراموس إنك إذا عشت طفولتك في كنف بيئة تُعاقب على ارتكاب الأخطاء والعيوب، فأنت حتماً ستخاف خوفاً شديداً من الوقوع في الخطأ؛ ولهذا سوف تطور عقلية دفاعية تحمي بها نفسك.
- السعي إلى الكمالية: إذا كنت شخصاً مثالياً يبحث عن الكمال ويخشى ارتكاب الأخطاء، فإنك لن تتقبل أبداً أن تتعرض إلى الانتقاد لأنك ترى الأخطاء نقاطَ ضعف كبرى لا تريد إبرازها أمام العالم. ولهذا؛ إذا أخبرك مديرك ببعض التعليقات حول تنفيذ مهامك، سوف تتخذ موقفاً دفاعياً على الفور.
- تدني احترام الذات أو الشعور بعدم الأمان: ينخرط الأشخاص في كثير من الأحيان في مواقف دفاعية لأنهم يشعرون بانعدام قيَمِهم الذاتية.
- صعوبة التعبير عن المشاعر: قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، وربما يختارون استخدام السلوك الدفاعي للتغلب على هذه المشاعر.
- اختلال توازن القوى في العلاقات: يمكن أن يؤدي هذا الاختلال إلى اتخاذ موقف دفاعي، خاصة إذا أدرك المرء أنه بحاجة إلى الحفاظ على السيطرة في العلاقة.
- السلوك المكتسب: أحياناً قد تكون تعلمت هذا التكتيك الدفاعي دون وعي من أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة المؤثرين من حولك، والذين استجابوا للنقد بطريقة دفاعية بدلاً من تحمل المسؤولية عن أفعالهم.
اقرأ أيضاً: قمع المشاعر: كيف يمكن تفريغ الكبت النفسي؟
كيف تتخلص من مواقفك الدفاعية؟
السلوك الدفاعي آلية تكيف مكتسَبة ترسخت في مرحلة الطفولة المبكرة أو في مرحلة البلوغ. ونظراً إلى أنها سلوكٌ مكتسَب؛ فهناك إمكانية لتعديلها إلى سلوكيات بنّاءة، وفيما يلي بعض الطرائق التي ستساعدك على تغيير رد فعلك تجاه النقد نحو الأفضل:
- كن على دراية بموقفك الدفاعي: الخطوة الأولى لوقف سلوكك الدفاعي هي أن تكون على دراية بوقت حدوثه؛ لذلك راقب سلوكك جيداً، سواء في العمل أو المنزل، وحاول الانتباه إلى ردود أفعالك وتصرفاتك مع الآخرين. يمكنك أيضاً تدوين مشاعرك في نهاية كل يوم، واستكشاف تفاعلك اليومي مع المواقف المختلفة، وكيف كانت ردود أفعالك. ومن المهم للغاية أن تأخذ في الحسبان المشاعر التي تكمن وراء ردود أفعالك، فماذا لو كنت في حقيقة الأمر تشعر في أعماقك بالألم أو الغضب أو الحزن أو الخجل أو تدني احترام الذات، وهذا ما يدفعك إلى التصرف بأسلوب دفاعي؟
- تَجَنب التصرف بناءً على مشاعرك: بعد التعرف إلى مشاعرك وتصنيفها والتحقق من صحتها، يجب عليك تجنب التصرف بناء عليها؛ لأن مشاعرك قد تعتمل في داخلك دون قصد ولكن سلوكياتك من اختيارك. لذلك؛ لا تتصرف كما كنت تفعل في الماضي للحصول على نتائج أفضل، وفي الوقت نفسه، تعاطَف مع مشاعرك واعترف بها.
- تحمّل مسؤولية أفعالك: هذه الخطوة حاسمة ومهمة للغاية؛ إذ يجب عليك التغلب على رد فعلك الدفاعي؛ ولذلك تقبل فكرة ارتكابك للأخطاء، وحدد مسؤوليتك، وبعد الاعتراف بخطئك، ابدأ على الفور في البحث عن حل.
- حسّن احترامك لذاتك: يرتبط العديد من المواقف الدفاعية بمشاعر عدم الكفاءة أو العجز، وحتى تواجه هذه المشاعر السلبية، عليك تحسين احترامك لنفسك. والحقيقة أن هذا الأمر يتطلب بذل الكثير من الجهد لاكتساب المهارات من أجل بناء الثقة وعدم الشعور بالأذى من جراء التعرض للنقد.
- كن لطيفاً مع نفسك: في أثناء رحلتك للتغلب على المواقف الدفاعية، لا تنتقد نفسك لأنك كنت تتصرف بطريقة معينة؛ كن رحيماً بها، وحاول أن تكون متعاطفاً مع ذاتك بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع شخص عزيز عليك يمر بالشعور نفسه، وتذكر دائماً أن التعاطف مع الذات يساعد على تحويل تركيز الدماغ من استجابات البقاء الافتراضية التي يمكن أن تؤدي إلى الدفاعية، إلى الانفتاح والتقبل؛ ما يسمح لك بإدارة مواقفك الدفاعية بأسلوب أفضل.
- اعتمد عقلية النمو: تشرح أستاذة علم النفس في جامعة ستانفورد (Stanford University)، كارول دويك (Carol S. Dweck)، في كتابها "العقلية: الفلسفة الجديدة للنجاح " (Mindset: The New Psychology of Success)، إن الأشخاص أصحاب عقلية النمو يبحثون دوماً عن فرص التعلم؛ ولذلك فإنهم لا يخافون الفشل أو الظهور بمظهر سيئ لأنهم يرون أن الفشل وارتكاب الأخطاء أمر لا مفر منه من أجل النمو والتطور؛ نتيجة أن قدراتنا ليست ثابتة ولكنها يمكن أن تتحسن بمرور الوقت مع الجهد. لذلك؛ إذا كنت تخشى التعليقات السلبية، راجع نفسك جيداً، وبدلاً من اتخاذ المواقف الدفاعية، اطرح أسئلة وحاول التطور.