تنطوي مرحلة المراهقة على عدّة تغيرات فسيولوجية ونفسية، الأمر الذي يتطلب جهداً كبيراً من الوالدين للتواصل مع أطفالهم بشكل جيّد وفعّال. في حين أن الحديث مع المراهق قد يكون بمثابة نافذة على عالمه العميق، يظفر فيه الآباء بعدد لا بأس به من المعلومات يجعلهم يشعرون بالرضا عن مشاركته حياته وأفكاره، إلا أن الأمر قد يأخذ منحى آخر حين يكتشفون أن ابنهم المراهق لا يقدِّم لهم الحقيقة كاملة، بل يحجب أشياء ويكذب حيال أشياء أخرى. فيسأل الوالدان حول أسباب ذلك الكذب وإمكانية إيجاد حلول.
لماذا يكذب ابني المراهق؟
قد يكون تجنّب المواجهة وتخفيف حدة الصراعات من أكثر أسباب الكذب شيوعاً، إلا أن الأسباب تتشعب لأكثر من ذلك. تشير الدراسات السابقة في مجال دراسة سلوك الأطفال والمراهقين إلى أن بعضهم يكذب ليبدو أمام الناس بصورة أكثر جاذبية مما هم عليه. كذلك، قد يكون الكذب إحدى الطرق التي يسعى بها المراهقون إلى تحقيق مزيد من الاستقلالية بخلق مساحة خاصة بهم تحوي أفكارهم وأنشطتهم الخاصة بعيداً عن الوالدين.
بعيداً عن فكرة الصواب والخطأ، يرى المراهقون الكذب بأشكال ومبررات مختلفة؛ فالكذب لا يكون سيئاً في جميع الأحوال. أشارت دراسة سابقة إلى أن المراهقين يعتبرون الكذب أكثر قبولاً عندما يكون دافع الشخص إيجابياً، كتعزيز الصداقة أو الإيثار، بدلاً من كونه سلبياً،كتحقيق مكسب شخصي أو الاستغلال، كذلك عندما يكون الكذب دون قصد في مقابل كونه مُتَعَمَّداً.
تشير دراسة أجراها باحثون من جامعات كلارك، وستانفورد، وكاليفورنيا، تهدف لدراسة العوامل المسببة والمُنَبِئَة باحتمالية انتشار الكذب لدى المراهقين، إلى أن استخدام المراهق للكذب في هذه المرحلة يُعتَبَر أداة للإعلان عن استقلاليته داخل الأسرة وتوسيع نطاقها. كذلك، يستخدم المراهقون الكذب عندما يكون لديهم وجهات نظر مغايرة لتلك التي يمتلكها الآباء؛ الأمر الذي قد ينتج عنه صراع، وهو ما يدفعهم للكذب لتخفيف حدة هذا الصراع.
اقرأ أيضا: طفلي لا يحترمني ويصرخ على ويضربني.
بالإضافة إلى ذلك، إذا حاول الآباء التَدخُّل في أمر ما يعتبره المراهقون أنه يَخُصُّهم وحدهم، فقد يُوَلّد ذلك شعوراً لديهم أن الكذب على والديهم مبرًرَاً من أجل تجنب الصراع. الأمر الذي تقل حدته في المرحلة العمرية اللاحقة، حيث يشير البالغون إلى تحسن العلاقات مقارنة بالمراهقة، فيتضاءل الصراع ويزيد التقارب العاطفي.
علاوة على ذلك، تلعب طبيعة البيئة الأسرية دوراً هاماً في رؤية الشخص الكاذب ودوافعه للكذب. فلقد وجدت الدراسة السابقة أن المراهقين في العائلات التي تفرض قيوداً كثيرة وتحكّمات عليهم يكذبون بمعدل أكثر من الآخرين في تلك العائلات التي تتمتع بدرجة عالية من التماسك، وذلك لأنهم يشعرون أن والديهم سيكونون داعمين لأفكارهم وبالتالي فهم لا يريدون المخاطرة بفقدان الثقة مع أولياء الأمور.
للكذب استراتيجياته أيضاً
تشير نانسي دارلينج، أستاذة علم النفس في كلية أوبرلين بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي درست سلوك الكذب لدى المراهقين والشباب لقرابة عشرين عاماً، إلى أن هناك عدداً من الطرق التي يتّبعها المراهق في الكذب ومنع الآباء من التوصل للمعلومات التي يريدون معرفتها، بينما يريد هو إخفاءها، وهي:
- الكذب عن طريق التجنب: تتضمن هذه الاستراتيجية الابتعاد عن الموضوعات التي لا يريد المراهق أن يُسأل عنها في حين يريد الوالدين معرفتها. في هذه الاستراتيجية، ينقل المراهق مركز المحادثات بعيداً عن المناطق الحساسة لإلهاء الآباء عن طرح الأسئلة التي لا يريد الإجابة عليها. في هذه الحالة، يكون المراهق مدرك تماماً لما يفعله، مما يعني أن الكذب هو نيته.
- الكذب بالحذف أو الإفصاح الجزئي: وهي أكثر الطرق التي يستخدمها المراهقون شيوعاً وفعالية للخداع. الكذب عن طريق الحذف ينطوي على مشاركة بعض المعلومات وترك الأشياء الأساسية التي يرغب الوالدان في معرفتها مُبهَمة. لذا، يبدو حديث المراهق صحيحاً تماماً، لكنه أيضاً مضللاً، وهذا هو جوهر هذه الاستراتيجية.
- الكذب بتقديم معلومات غير صحيحة على أنها صحيحة: على الرغم من أن هذا النوع من الكذب هو الأقل شيوعاً، إلا أن له آثار مدمرة على العلاقات، ويهدم الثقة في التفاعلات بين الأفراد، وذلك قد يحدث بدافع: الثرثرة أو التفاخر والذي يكون سببه بشكل أساسي تدني احترام الذات أو الرغبة في جذب الاهتمام. أيضاً، محاولة الخروج من المشاكل وتجنب المسؤولية. وأخيراً، فالأطفال الذين يعانون من بعض الاضطرابات، كاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD، يكونون أكثر عُرضه للكذب؛ حيث يؤدي هذا الاضطراب للنسيان والاندفاع وعدم التنظيم، فيكون الكذب حينها لتجنَّب العقاب لعدم إنجازهم المهام المطلوبة منهم.
كيف أتعامل مع ابني المراهق المدخن الكذاب؟
دائماً ما يكون بداية حل المشكلة في الوعي بها، ثم اتخاذ الخطوات التي تعمل على تقويضها أو حلها بشكل جذري. ولأن مشكلة الكذب متشعّبة الأسباب والأوجه، فاتباع تلك الخطوات يساعد في حلها بشكل كبير:
- اجعل قول الحقيقة قاعدة في المنزل: دائماً ما تؤثر القيم الُمَّتَبعة في المنزل على تصرفات الأطفال والمراهقين داخله أو في علاقاتهم الخارجية. لذلك، من الخطوات الهامة إرساء قيم الصدق والتواصل الصادق بين أفراد العائلة، فذلك يضمن أن يفهم أطفالك أنك تُقدِّر الحقيقة في كل الأحوال.
- كن قدوة لطفلك: يبحث الأطفال والمراهقون في تلك المراحل العمرية عن قدوة يُحتذى بها. لذلك، حاول أن تكون أنت هذه القدوة ولا تكذب بشأن أشياء قد تبدو تافهة لك، لأن طفلك سيقلِّد ما تفعله.
- امتنع عن استخدام كلمة كذاب: فذلك المسمى ليس مؤذي فحسب، بل يمكن أن يكون له أيضاً تأثير دائم على كيفية رؤية الطفل لنفسه. إذا تم تسميته كاذباً، فقد تترسخ لديه هذه الصفة، ومن ثم يتصرف وفقاً لذلك.
- تحدث مع طفلك حول الآثار السلبية للكذب: تحدث معه حول آثار الكذب السلبية في هدم الثقة في العلاقات، وأنه لا ينجح دائماً بالطريقة التي يعتقدها المراهق، وفي تلك الحالات، يكون عليه بذل مجهود مضاعف لاستعادة تلك الثقة.
- تحدّث مع ابنك حول أن الكذب سلسلة: ما أن تبدأ بواحدة حتى تؤدي بك إلى أخرى، الأمر الذي يتصاعد بشكل سريع يصبح بعده من الصعب تتبع الحقيقة، وقد تخرج أكاذيبه عن السيطرة بسرعة.
- علِّم ابنك أنه لا يحتاج إلى إنشاء حكايات تجعله يبدو أكثر إثارة للاهتمام: بدلاً من ذلك، علِّمه أن يبني صداقاته على أساس الصدق. فبدلاً من محاولة التفوق على الآخرين وإثارة إعجابهم، سيكون لديه صداقات أفضل عندما يكون صادقاً معهم.
رؤية الكذب بعيون المراهق
ما بين شعور المراهق بحقه في اكتساب استقلالية متزايدة داخل الأسرة، وبين تدني ثقته بنفسه، يجب على الوالدين فهم السبب وراء اتجاه ابنهم المراهق للكذب، ومن ثم يتمكنوا من إيجاد أكثر الطرق فعالية لحل المشكلة. فردع الابن عن ذلك الفعل بفرض تحكّمات ليس بالطريقة المُثلى. بل يجب بداية طرح السؤال: "لماذا يكذب ابني المراهق كثيراً"؟