بطلة على الرغم من التنمر: كيف صقلت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف صلابتها النفسية؟

5 دقيقة
إيمان خليف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

"ولدت أنثى ونشأت كأنثى، وهي أنثى في جواز السفر، ومارست الملاكمة لسنوات عديدة كامرأة"؛ هكذا أدان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ (Thomas Bach)، حملة التنمر والتشهير الواسعة التي تعرضت إليها الملاكمة الجزائرية، إيمان خليف، المشاركة بدورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، وذلك بعد التشكيك في جنسها. بدأ كل شيء عندما واجهت إيمان الملاكمة الإيطالية، أنجيلا كاريني (Angela Carini) التي قررت الانسحاب من المباراة بعد 46 ثانية فقط، من أجل "الحفاظ على حياتها" على حد قولها؛ إذ أكدت إنها لم تتلقَّ مثل هذه الضربات القوية في حياتها.

بعد انتهاء النزال، انهال الهجوم الشرس على إيمان عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث اتُهمت أنها رجل، وقد شارك في هذا الهجوم الملياردير الأميركي إيلون ماسك، والرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب (Donald Trump). وفي ردها على الهجوم الكبير الذي طالها بشراسة، أكدت إيمان إن تعليقات السوشيال ميديا لا تهمها، فكيف صقلت الملاكمة الجزائرية صلابتها النفسية؟ حتى نعرف الإجابة عن هذا السؤال، سنأخذكم في رحلة للتعرف إلى رحلة حياة الملاكمة الجزائرية التي نجحت على الرغم من التنمر.

كيف بدأت قصة الملاكمة الجزائرية إيمان خليف؟

ولدت إيمان خليف في قرية صغيرة غرب الجزائر، وكانت الأخت الكبرى لأخ وحيد و6 شقيقات. أحبت كرة القدم في طفولتها وكانت تلعبها مع الصبية في الشوارع، وتشتبك معهم في شجارات عديدة. وفي إحدى المرات، لاحظها أحد الأطفال وأخبر مدرب فريق الحماية المدنية للملاكمة بولاية تيارت، محمد شعوة؛ الذي طلب مقابلة والدها من أجل إقناعه بضرورة ممارسة إيمان للملاكمة. لم يوافق والد إيمان في البداية بسبب التقاليد المجتمعية؛ ولكنه رضخ في النهاية، وهنا بدأت تظهر تحديات جديدة في حياة إيمان خليف؛ إذ كانت الطريق من القرية إلى مركز التدريب وعرة، وكانت أسرة إيمان فقيرة؛ ولهذا اضطرت إيمان إلى بيع الخبز على أرصفة الطريق حتى تتحمل نفقة المواصلات.

فكرت إيمان لاحقاً في اعتزال الرياضة حتى لا يكثر الحديث حولها في القرية، خاصة مع ذهابها وإيابها المستمر إلى مركز التدريب، وهنا تدخلت عمتها وقررت أن تستضيف إيمان في بيتها بالمدينة. وحتى تتحمل إيمان نفقة المعيشة، اضطرت أن تنزل إلى سوق العمل مرة أخرى وتبيع النحاس، وبعد مرور 3 سنوات من التدريب الصارم، انضمت إيمان أخيراً إلى للمنتخب الوطني الجزائري في عام 2018، وسرعان ما بدأت تحقق الانتصارات بحلول عام 2019.

لكن تلقت إيمان ضربة قوية عام 2023  ببطولة العالم للملاكمة في نيودلهي، وذلك حين منعها رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة (غير المعترف به لا من اللجنة الأولمبية ولا رابطة الملاكمة الجزائرية)، عمر كريمليف (Umar Kremlev)، من المنافسة بناءً على اختبارات الحمض النووي التي أظهرت ارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون لديها. وعلى الرغم من ذلك، واصلت إيمان خليف التدريبات وتأهلت لدورة الألعاب الأولمبية 2024؛ لذا يمكن القول إن طريقها للوصول إلى دورة الألعاب الأولمبية في باريس كانت طويلة وصعبة؛ وربما لهذا السبب تحديداً تمكنت إيمان من الصمود في وجه التنمر؛ إذ اجتازت وحدها الكثير من العقبات.

اقرأ أيضاً: ما هو التنمر السيبراني وما عواقبه؟

البطلة خليف ليست الأولى: لاعبات أخريات تعرضن إلى التنمر

كشف الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا (FIFA) أن لاعبة واحدة من كل 5 لاعبات تعرضت إلى الإساءة عبر الإنترنت خلال كأس العالم للسيدات عام 2023؛ حيث كانت الرياضيات أكثر عرضة إلى الإساءة عبر الإنترنت بنسبة 29% مقارنة باللاعبين الذكور طوال نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وتأتي هذه الأرقام  بعد أن حلّل الاتحاد الدولي لكرة القدم أكثر من 5 ملايين منشور بلغات مختلفة عبر مجموعة متنوعة من منصات التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق، أكدت لاعبة الجمباز الأميركية، جوردان تشيليز (Jordan Chiles)، صعوبة تجاهل تعليقات التنمر عبر الإنترنت، وأضافت قائلة: "بصفتي رياضية، من الصعب حقاً أن أتمكن من امتلاك القدرة على مواصلة رياضتي في ظل وجود هذا القدر الكبير من التنمر الإلكتروني". يُذكر إن تشيليز تعرضت إلى التنمر بسبب شكل جسدها ط، خاصة في ظل مقارنتها بالأجساد المثالية للاعبات الجمباز الأخيرات، وقد أوضحت تشيليز إن التنمر أثر تأثيراً كبيراً في احترامها لذاتها وعلاقتها بالطعام. وأشارت تشيليز إلى أن العبء العاطفي كان شديداً إلى درجة أنها في بعض الأحيان تساءلت عن الغرض من حياتها، والحقيقة أن تشيليز لم تتعرض فقط إلى التنمر الإلكتروني؛ لكنها تعرضت أيضاً إلى التنمر من مدرب سابق.

وخلال أولمبياد باريس 2024، استُبعدت الملاكمة المصرية يمنى عياد دون لعب أي مباراة، وذلك بعد زيادة وزنها عن الحد المسموح به، وفور استبعاد يمنى تعرضت إلى حملة شرسة من التنمر الإلكتروني حيث اتهمها الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتناول الكثير من الطعام قبل المنافسة ما أدى إلى زيادة وزنها؛ ولكن اتضح بعد التحقيقات أن وزن يمنى قد زاد بسبب الدورة الشهرية التي أدت إلى احتباس السوائل في جسمها. وفي سياق متصل، تعرضت لاعبة الشيش المصرية ندى حافظ إلى التنمر أيضاً، وذلك بعد أن كشفت عن مشاركتها في أولمبياد باريس وهي حامل في الشهر السابع حيث تعرضت إلى الكثير من الهجوم ووصفها البعض بأنها غير مسؤولة.

ما هو تأثير التنمر في الصحة النفسية؟

التنمر هو سلوك عدواني موجه نحو شخص ما بقصد التسبب في ضرر جسدي ونفسي وشعور عارم بعدم الراحة، وعادة ما يشمل التنمر الاعتداء الجسدي والإساءة اللفظية والإهمال، وغالباً ما يركز التنمر سواء شخصياً أو عبر الإنترنت على المظهر الجسدي، ويمكن أن تكون التعليقات مؤذية للغاية؛ حيث تؤدي إلى:

  1. الإصابة بالقلق والاكتئاب.
  2. الشعور بالعزلة الاجتماعية.
  3. اضطرابات الأكل.
  4. اضطرابات النوم.
  5. انخفاض احترام الذات.
  6. التفكير في الانتحار.
  7. الإحساس باليأس وانعدام القيمة.
  8. ارتفاع خطر الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
  9. الإصابة بالفصام وتعاطي المخدرات.

اقرأ أيضاً: كيف تنجح في تجاوز محن الحياة؟ دروس مستخلصة من 5 قصص حقيقية

كيف تقوي صلابتك النفسية لتتجاوز العقبات الحياتية؟

يؤكد استشاري الطب النفسي، إبراهيم حمدي، إن الصلابة النفسية هي حالة يطورها الإنسان مع مرور الوقت تمكنه من التكيف مع ضغوط الحياة والتحديات وتحميه من التعرض إلى القلق والاكتئاب. وحتى تقوي صلابتك النفسية وتتجاوز العقبات الحياتية، عليك اتباع النصائح التالية:

1. اعترف بمشاعرك: حتى تتمكن من مواجهة العقبات الحياتية، عليك أولاً الاعتراف بمشاعرك؛ ولهذا اسأل نفسك إذا كنت تشعر بالقلق والتوتر. وفي هذا السياق، توضح المعالجة النفسية، ناتاشا ديوك (Natacha Duke)، إن الاعتراف بمشاعرك أمر مهم للغاية، ومن دونه لا يمكنك بناء صلابتك النفسية.

2. قيّم التحدي الذي تواجهه: هل تواجه تحدياً صعباً أو عقبة حياتية؟ خذ نفساً عميقاً واسأل نفسك ما إذا كانت هذه كارثة حقيقية أم مجرد شعور بالإزعاج. وتشرح ناتاشا ديوك إن التفرقة بين الأمرين مهماً للغاية؛ فإذا كنت تواجه كارثة حقيقة يمكنك البدء في التفكير ووضع الخطوات لحل المشكلة. وفي هذا الوقت تحديداً، من المهم تذكر المشكلات الكبرى التي استطعت حلها بنجاح من قبل.

3. تدرب على التعاطف مع نفسك: تؤثر أفكارك تأثيراً كبيراً في مشاعرك؛ ولهذا إذا تحدثت إلى نفسك بطريقة سلبية ستشعر بالسوء وتدني احترام الذات؛ ولهذا حاول استبدال أفكار واقعية بأفكارك السلبية، وكن لطيفاً مع نفسك وقدم لها الحب والتعاطف.

4. استخدم أساليب التكيف الصحية: بدلاً من التركيز على المشاعر السلبية، يمكنك اللجوء إلى أساليب التكيف الصحية مثل المشي، أو قراءة كتاب تستمتع به، أو كتابة يومياتك، وتذكر أن هذه ليست محاولة لتجنب أو تجاهل مشاعرك؛ ولكنها يمكن أن تساعدك على تحسين أدائك العاطفي.

5. مارس اليقظة الذهنية: من المستحيل أن تصبح صلباً نفسياً عندما تعيد سرد شيء حدث الأسبوع الماضي أو تتوقع حدوث أشياء مروعة غداً؛ اليقظة الذهنية تتعلق بالبقاء حاضراً في اللحظة. ولأن الوقت الوحيد الذي يمكنك فيه تغيير سلوكك هو الآن؛ فمن المهم أن تكون قادراً على التركيز على الحاضر. ولهذا حين تشعر بالضغط النفسي، امنح ذاتك مساحة للتنفس والتفكير في ردود أفعالك.

أخيراً يمكن القول أن الملاكمة الجزائرية إيمان خليف قدمت مثالاً يحتذى به في التغلب على الصعوبات الحياتية وصقل الصلابة النفسية، فرغم العراقيل التي اعترضت طريقها إلا أنها بالجهد والإصرار نجحت في ضمان أول ميدالية للجزائر في أولمبياد باريس 2024 بعد تغلبها على الملاكمة المجرية آنا لوكا هاموري (Anna Luca Hamori) بالنقاط في ربع النهائي، وبكل تأكيد سأتابع نزالاتها القادمة متمنية لها حصد المزيد من النجاحات في مسيرتها الرياضية الباهرة.