إيجاباً أم سلباً، كيف يؤثِّر العمل عن بُعد على صحتنا النفسية؟

3 دقائق
لا تزال إمكانية تحديد ما إذا كان العمل عن بُعد يُؤثِّر بشكل إيجابي أو سلبي على الصحة النفسية غير واضحة
https://www.shutterstock.com/

لا تزال إمكانية تحديد ما إذا كان العمل عن بُعد يُؤثِّر بشكل إيجابي أو سلبي على الصحة النفسية غير واضحة، حيث أشارت نتائج بعض الدراسات لعدد من الآثار السلبية؛ كالشعور بالعُزلة، وانخفاض الرضا الوظيفي، وكذلك خلق مفهوم إدمان العمل وذلك بسبب العمل لساعات إضافية؛ إلا أن هناك دراسة أخرى أوضحت أن هذا النوع من العمل قد يكون بمثابة آلية للدعم من القلق، وتقليل التوتر من التنقُّل اليومي من المنزل إلى العمل، بالإضافة لوجود مرونة أكبر في الجدول الزمني؛ ما يساعد على تحقيق توازن أفضل بين العمل والأسرة.

اقرأ أيضا: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

مصدر للعُزلة

أحدث ظهور التقنيات الحديثة والتوافر الواسع للتكنولوجيا، ثورةً في أساليب العمل؛ ما أتاح العمل من أي مكان للعديد من الموظفين - المعروف بالعمل عن بُعد أو العمل من المنزل - كذلك، فلقد ساهمت جائحة كوفيد-19 في اتساع نطاق هذا النوع من أسلوب العمل وفق الإجراءات الاحترازية لتقليل انتشار الفيروس.

في دراسة أجراها باحثون من قسم الصحة العامة في جامعة لاتروب بأستراليا للأبحاث المتعلقة بتأثير العمل من المنزل على الصحة النفسية والبدنية للعاملين، درس الباحثون مدى انتشار الآثار الإيجابية والسلبية للعمل عن بُعد.

وجد الباحثون أن طبيعة هذا النوع من العمل يمكن أن تجعله مصدراً للعزلة؛ حيث يشعر الموظفون بالانفصال عن مدرائهم وزملائهم بسبب الابتعاد عن مكان العمل لساعات طويلة ومتواصلة. أيضاً؛ يصعُب على العاملين إنشاء علاقة عمل اجتماعية مع الزملاء؛ ما يؤدي بدوره لتفاقم هذا الشعور، والتأثير سلباً على الصحة النفسية لدى بعض الموظفين.

ففي مقارنة بين العاملين في المكتب الرئيسي والعاملين عن بُعد، أفاد الموظفون العاملون من مكان العمل الرئيسي بأنهم يشعرون بإحساس أكبر بالاندماج مقارنةً بالعاملين من المنزل. علاوةً على ذلك، فمن بين مجموعة متنوعة من طرق الاتصال؛ كالهاتف والبريد الإلكتروني وغيرهما، أفاد الموظفون أن التفاعل وجهاً لوجه هو الأكثر أهميةً وفعاليةً للحفاظ على الصداقة في مكان العمل.

لذلك يتطلب العمل عن بُعد دعماً من زملاء العمل؛ ما يؤكد ضرورة تحسين الاتصال المنتظم مِن قِبَل المؤسسات والاتصال المباشر عبر الإنترنت، وكذلك توفير التدريب والمساعدة للمدراء المشرفين على الموظفين العاملين عن بُعد.

التوازن بين العمل والأسرة

يُعَد تحقيق التوازن بين العمل والأسرة أمراً بالغ الأهمية، لأنه يؤثِّر بشكل كبير على الصحة النفسية للموظفين، لذلك فقد أُثيرت المخاوف بشأن كيفية تَمَكُّن الموظفين من التغلب على الآثار السلبية لمتطلبات العمل المتزايدة، وتحقيق توازنٍ مُرضٍ بين العمل والحياة الشخصية. ومِن ثم، كان الاهتمام الكبير بفكرة كون العمل عن بُعد يمكن أن يساعد الأفراد في التغلّب على تحدي عدم القدرة على خلق هذا التوازن.

لكن على الرغم من الترويج للعمل عن بُعد كوسيلة لتمكين الأفراد من إدارة عملهم وحياتهم غير العملية بشكل فعّال؛ إلا أن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أنه وسيلة فعّالة حقّاً بشكل عام، للتخفيف من حدة عدم القدرة على خلق توازن بين العمل والأسرة.

بحسب بحث أُجري لدراسة آثار العمل عن بعد على إشكالية التوازن بين العمل والأسرة، ومدى الإنتاجية، والرضا والأداء الوظيفي، فإن فكرة الصراع أو عدم القدرة على خلق التوازن بين العمل والأسرة تنشأ من تعارض ضغوط الدور الذي يمارسه الفرد في كليهما بشكل متبادل في بعض النواحي، فيمكن للعمل أن يتداخل مع شؤون الأسرة، وكذلك قد يحدث العكس بتداخل شؤون الأسرة مع العمل.

علاوةً على ذلك، فإن توافر الأدوات التكنولوجية التي تسمح للأفراد بالبقاء على اتصال بالعمل في جميع الأوقات؛ كالبريد الإلكتروني، يطمس الحدود الزمنية بين العمل والمنزل. نظراً لأن العمل عن بُعد غالباً ما يَتَضمَّن إجراء العمل داخل المساحة المنزلية للفرد، فإنه يمحو الفاصل المادي بين العمل والمنزل؛ ما يشي بعدم وضوح الحدود الفاصلة والتنظيمية بين العمل والمنزل بأشكال متعددة.

لذلك يرى الباحثون أن حل تلك الإشكالية يكمن في حُسن إدارة تلك الحدود، لأنها تُسهِّل الأداء في كلّ من دور العمل والأسرة، وقد تكون تلك الحدود ماديةً أو زمنيةً أو غيرها.

فوائد صحية أكثر من الأضرار

خلُصت نتائج بحث أُجري بمركز الدراسات الصحية بجامعة كويمبرا في البرتغال لتحديد مزايا وعيوب العمل عن بُعد على صحة العاملين، أنه من المُرَجَّح أن ينتج عنه فوائداً أكثر من الضرر لصحة الفرد.

تستند الباحثة في هذه الدراسة إلى أن طبيعة هذا العمل تُوفِّر نوعاً من المرونة وعدم التقيُّد بالعمل وِفق إطار زمني محدد؛ واللذان يرتبطان ارتباطاً إيجابياً بنتائجَ صحية أفضل. لكن مع ذلك؛ تُظهِر النتائج أيضاً أن ساعات العمل الأطول ترتبط بزيادة التوتر والإرهاق ومشاكل النوم والقلق.

خلق حدود لاستعادة التوازن

على الرغم من اختلاف نتائج الأبحاث السابقة في تحديد كون العمل عن بُعد ذا آثار إيجابية أم سلبية؛ إلا أن جميعهم اتفقوا على المرونة التي وفّرها هذا الأسلوب، فقد أصبحت الحدود بين وقت العمل والوقت المُخصّص للأسرة والاحتياجات الشخصية مرنةً وقابلةً للتعديل حسب احتياجات الأشخاص. يمكن أن تساعد تلك المرونة في تقليل التعرض لبعض الضغوطات، لأن العمال يكونون أكثر قدرةً على التحكم في حياتهم، وتقليل النزاعات الأسرية، وتحسين التوازن بين الأسرة والعمل؛ إلا أن عدم وضوح تلك الحدود قد يخلق بدوره نوعاً من التوتر والقلق.

لتحقيق استفادة قصوى من هذا النوع من العمل؛ يجب على الفرد تحديد إيجابياته كي يبني عليها ويُعزز من آثارها في حياته، وكذلك سلبيات هذا النوع من العمل؛ كي يستطيع تفاديها أو التقليل من تأثيرها السلبي على صحته النفسية والعقلية.

المحتوى محمي