هل يجب أن أفارق زوجي، هل يجب أن أفارق زوجتي؟ على الرغم من أن الطلاق لم يكن أسهل مما هو عليه اليوم، فإن اختيار إنهاء العلاقة الزواجية يظل قراراً صعباً. هذه نظرة عامة على الأسئلة الحقيقية التي يجب طرحها قبل اتخاذ القرار.
"لقد قررت، سأُطلّق". بهذه البساطة أصبح الطلاق شائعاً بعد أن كان قبل أربعين عاماً قراراً لا يمكن تقبّله بسهولة. وفي الوقت الذي ينتهي فيه زواج واحد من أصل اثنين بالانفصال؛ أصبحت الموضة اليوم هي الانفصال السريع، ويرجع ذلك إلى التبسيط المستمر الذي تعرفه الإجراءات القانونية المتعلقة بالانفصال في السنوات الأخيرة؛ إذ يمكن حالياً إنهاء الزواج في غضون ثلاث أشهر فقط؛ ولكن إذا كان إجراء الطلاق اليوم أكثر سهولةً، فإن اتخاذ قراره يظل أمراً صعباً، لا ينبغي الاستخفاف به، لأن اتخاذ القرار بسرعة كبيرة قد ينتهي بالندم، وبالسرعة الكبيرة نفسها. إن قرار الطلاق أو الإحجام عنه اختيار من المهم قياس جميع عواقبه.
هل يجب أن أفارق زوجي أو أترك زوجتي؟
يرى فانسان غارسيا؛ أخصائي التحليل النفسي ومؤلف كتاب "راضون أو مطلقون"، أنه: "في كثير من الحالات ينفصل الزوجان بسرعة، وتتزايد ظاهرة استنفاذ العلاقة والتخلص منها عندما لا تكون مرضية، ففي ظل الفردانية والسعي وراء تحقيق الذات اللذين يسودان اليوم، تصبح الإحباطات أكثر إيلاماً وأقل قبولاً. نحن أقل ميلاً لتقديم تنازلات؛ لكن لا تعني كل أزمة في العلاقة انفصالاً حتمياً".
بسبب الملل، والخيانة الزوجية، وانخفاض الرغبة، والتطورات المختلفة، والشعور بالضيق، أو على العكس من ذلك - الشعور بالنبذ؛ يجد جميع الأزواج أنفسهم يوماً ما في مواجهة مسألة انفصال محتمل. يوضح فانسان غارسيا ذلك قائلا: "من المهم أن نتجرأ على طرح هذا السؤال على أنفسنا. إن تقييم حالة العلاقة الزوجية هو التساؤل عمّا يغذيها. الزوجان اللذان لم يعودا يغذيان علاقتهما لا يستطيعان عيشها"، مضيفاً أن المطلوب: "ليس هو أن تقول لنفسك مقدماً أن هناك نقصاً لذلك سأرحل، وإنما أن تبدأ في مساءلة هذه النواقص التي تشوب العلاقة. لماذا برزت هذه النواقص؟ ماذا أريد، أو لا أريد بعد الآن؟ إن السؤال الأول الذي ينبغي طرحه إذاً ليس هو: "ماذا علي أن أفعل؟"؛ ولكن: كيف وصلت العلاقة إلى هذه الوضعية؟". إن القاعدة التي ينبغي اتباعها في نظر أخصائي التحليل النفسي تقول: "لا تنقض على أعراض أزمة العلاقة. خذ الوقت الكافي لإنضاجها والتفكير فيها؛ بل ولمداواتها".
هل الطرف الآخر هو المخطئ فعلاً؟
قبل اتخاذ أي قرار؛ من الضروري مراجعة العلاقة الزوجية، وقبل كل شيء؛ مراجعة الذات. فماذا لو لم تكن أزمة العلاقة بسبب الطرف الآخر كما نعتقد غالباً؟ بالنسبة لأخصائي التحليل النفسي؛ يجب أن يحرص الإنسان أولاً على عدم وضع نفسه في موقع الضحية، "فهذا يعني أنك ترفض أن تراجع نفسك، وعندما لا يسعى المرء إلى التوافق أو إلى حل، فقد يجد نفسه في طريق مسدودة". إن الزواج يعني وجود شخصيتين؛ لكل منهما نصيبه من المسؤولية، سواء في اللحظات الرائعة أو في أسوأ أزمات العلاقة.
هل يجب أن نقرر بسرعة؟
التقى فانسان غارسيا أزواجاً انفصلوا في غضون أسابيعَ قليلة، ولا يزال مندهشاً من استعدادهم لمفارقة بعضهم البعض بهذه السرعة بعد سنوات من العيش معاً. يقول فانسان: "يستغرق الأمر ثلاث أشهر على الأقل لمراجعة العلاقة، ونفس المدة على الأقل لإيجاد إجابات حولها. وما دمنا نعرف أن الطلاق ممكن، وأن هناك مخرجاً للمشكلة، فلا داعي إلى التصرف بعجلة"، فصديق كل فراق هو الزمن... لا داعي للاندفاع إذاً!
ويضيف أخصائي التحليل النفسي أن: "اتخاذ القرار بسرعة هو وسيلة للتخلص من هذا التوتر النفسي الذي يسكننا في أوقات الأزمات؛ لكنه شعور خادع. أنت فقط تحاول تجاوز أفكارك بقرار، غير أن التصرف برعونة يكون دائماً كارثة. كم من حالة طلاق تمر على أصحابها بصعوبة بسبب هذا الشعور؛ الشعور بفقدان كل شيء دون تسوية أي شيء!" دون أن ننسى أن هناك احتمالاً قوياً بتكرار التجربة ذاتها -وربما الفشل نفسه- في العلاقة الزوجية الموالية.
هل اتخذتُ القرار الصحيح؟
لسوء الحظ؛ من المستحيل معرفة ذلك، "بما أننا لم نكن متيقنين 100% أننا اتخذنا القرار الصحيح عندما تزوجنا؛ لكن المؤكد هو أننا لا ندخل في علاقة عن طريق الصدفة، والأمر نفسه ينطبق على الطلاق". ينصح فانسان غارسيا الأزواج الذين يخططون للانفصال بالبدء من "العودة إلى أسس العلاقة"؛ وتعني هذه الخطوة أن نتذكر ما أعجبنا في الطرف الآخر، ولماذا اجتمعنا معاً، وأين وصل مشروع زواجنا، "وما إذا كانت لدينا الرغبة -أم لا- في الاستمرار معاً".
الاستمرار رغم الأزمة
زيادةً على صعوبة القرار؛ تُضاف مجموعة من الأسئلة التي تجب الإجابة عليها - أسئلة الماديات المتعلقة بكيفية تقاسم الممتلكات، وكيفية إدارة الخسارة التي يُحدثها الطلاق على المستوى المعيشي... إلخ؛ ولكن الأسئلة الأهم هي تلك الأسئلة الذاتية التي يطرحها الزوج أو الزوجة: "هل سأكون قادراً على العيش بمفردي؟ كيف ستكون نظرة الآخرين إليّ؟" إنه سقوط مخيف في المجهول والوحدة يفسر سبب تفضيل بعض الأزواج أحياناً للبقاء معاً على الرغم من خيبة أملهم، بينما يحافظ آخرون على الزواج من أجل الأطفال، لتجنيبهم صدمة الانفصال. "السؤال المهم هنا هو ما الصورة التي نريد أن ننقلها إلى الأبناء؟ هل نريد أن ننقل إليهم صورة زوجين وحياة زوجية يعيش فيها الجميع في حزن وعدوانية واكتئاب؟ إنّ طلاقاً يتحمّل الطرفان مسؤولية اتخاذ قراره، أفضل من زواج يتقاتلان فيه دون أن ينفصلا". يجب ألا تغيب عن الزوجين حقيقة مفادها أنه إذا كان انفصالهما بمثابة نعي للعلاقة الزوجية، فإنه لا يمثّل بأية حال من الأحوال نعياً لمسؤوليتهما كوالدين. ما هو أهم شيء إذاً في قضية الأطفال؟ "لا تقم بتصفية الحسابات من خلال الأطفال، فالحفاظ على المسؤولية كوالدين يعني استمرار الطرفين في التحدث مع بعضهما البعض على الرغم من الانفصال. وإذا تعذّر ذلك؛ يمكن الحصول على مساعدة من أخصائي في إصلاح العلاقات الزوجية، أو وسيط من العائلة".
كيف تتغلب على الشعور بالذنب؟
قلةٌ هم الناس الذين يطلّقون دون أن يشعروا بالذنب. عندما نطلب الطلاق، فمن الطبيعي أن نفكر في الألم الذي سنلحقه بالشخص الذي أحببناه لسنوات عديدة، وبسبب عدم القدرة على التعامل مع هذا الشعور؛ يسعى بعض الأشخاص لدفع الطرف الآخر من العلاقة الزوجية للمغادرة أولاً. "إنه يضع على الطرف الآخر عبئاً لا يمكنه تحمله، ففي نظر المجتمع؛ الشخص الذي ينسحب من العلاقة الزوجية هو الشخص السيئ دائماً؛ لكنه قد يكون أيضاً حزيناً مثل الشخص الذي يواصل العلاقة، ويشعر أيضاً بأنه مهجور ومخدوع. في الحقيقة؛ إن الذي ينسحب من العلاقة ليس هو الطرف الشرير؛ وإنما هو الشخص الذي أخذ في لحظة معينة المبادرة للانفصال لأنه كان يعاني كثيراً".
بمجرد اتخاذ القرار، لا يتبقى سوء الإعلان عنه، ولا توجد قاعدة معينة بهذا الخصوص. "الشيء الوحيد الذي يجب تذكره هو أنه لا يمكن أن نرغب في الطلاق ونتجنب في الوقت نفسه الإضرار بالآخر. لا يمكن أن نمر بأزمة دون معاناة. إن الرهان المطروح هنا هو العمل على ألّا تكون هذه المعاناة مدمرةً؛ بل أن تكون -على العكس من ذلك- سبباً في إعادة بناء العلاقة".
هل الطلاق فشل؟
إن الطلاق هو أن ترى علاقتك الزوجية؛ بل وعالماً كاملاً، وردحاً من العمر ينهار، وأحلاماً كذلك - سواء تحققت أم لا. من الصعب إذاً الإفلات من الشعور بأنك كنت مخدوعاً لسنوات عديدة؛ لكن الطلاق قد لا يعني بالضرورة الفشل، بشرط يوضحه فانسان غارسيا قائلاً: "بشرط أن يتم اتخاذ قرار الطلاق بحرية ويُدرس بعناية. الانفصال ليس دائماً هروباً. يمكننا أن نشعر بأننا وصلنا إلى نهاية العلاقة، وأنه لم يعد بإمكاننا المضي قدماً فيها، ثم نقرر الانفتاح على احتمال آخر من أجل الوقوف مجدداً بطريقة أكثر نضجاً". إن كل أزمة تجبرنا على التطور، ويبقى الأمر متروكاً للزوجين كي يقرّرا ما إذا كانا سيخرجان من الأزمة معاً أم مفترقَين.
خمس نصائح لإنجاح الطلاق
يقدمها باسكال كويغفغ؛ المحامي المتخصص في قانون الأسرة:
- "يجب ألا نتصرف دون تفكير. الطلاق السريع خطير جداً. لحظة الفراق هي الأهم - إنها اللحظة التي نكون فيها على أعصابنا، وتكون الأزمة في ذروتها؛ حيث يمكننا اتخاذ أي قرار.
- أفضل ما يجب فعله هو البدء بتحديد موعد لاستشارة محامٍ متخصص في قانون الأسرة. كثير من الناس لا يقيّمون المواقف التي سيواجهونها، والأسئلة التي سيتعين عليهم الإجابة عليها، وتساعد الاستشارة الاستطلاعية لدى المحامي على تجنب العديد من الأخطاء التي قد نرتكبها في وقت لاحق.
- حضّر جميع الوثائق المالية والإدارية مسبقاً، وتعرف على قانون الزواج الذي تزوجت وفقاً له، وكيف تم تمويل الممتلكات (بطريقة فردية أم مشتركة)، وسعر المنزل والبنك الذي توجد فيه حساباتك وقروضك ... يجب أن تحضُر بملف جاهز سلفاً.
- يجب أن تستبق الأحداث، فتأخذ فكرةً عن الطريقة التي ستعيش بها بعد الانفصال. هل ستكون قادراً على الاحتفاظ بالشقة أو المنزل؟ فنحن لا نغتني بالطلاق، وأنا لا أتحدث هنا فقط عن أتعاب المحامي. ستجد نفسك في ظروف معيشية مختلفة دون الإمكانيات التي كانت في السابق. وماذا مصير الأطفال؟ من سيطلب الحضانة؟
- اعلم أن جميع الإجراءات المهمة لحياتك المستقبلية سوف يتخذها قاضي المصالحة، كما يجب أن تعدّ لجلسة الاستماع أمام القاضي. ومن الناحية القانونية يمكنك حضورها بمفردك؛ لكن من الأفضل الذهاب إلى الجلسة برفقة محامٍ، أو على الأقل استشارته مسبقاً. وبالنسبة لمعظم الناس؛ تكون جلسة المحكمة هي الأولى من نوعها، ولحسن حظهم أنها كذلك. ويعتقدون أنهم مستعدون؛ ولكنهم غالباً ما يكونون غير مدركين لما ينتظرهم؛ لكن إذا دُوّنت هذه الإجراءات على الورق، فكأنها نُقشت على الحجر".