4 إرشادات تجعل طفلك يستمتع بحياته

الابتهاج بالحياة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: الابتهاج بالحياة ليس مجرد حالة نفسية حتمية؛ بل هو فن يمكن أن نعلّمه ونتعلّمه. وأطفالنا أجدر بالتربية على هذا الفن وغرسه في أنفُسهم منذ نعومة الأظافر. هذا المقال يضع بين يديك حيلاً وأساليبَ تساعدك على جعل أبنائك يتذوقون طعم الحياة ويستمتعون بالإقبال عليها.


هل يمكن أن نغرس في أنفُس أطفالنا الابتهاج بالحياة؟ للإجابة عن هذا السؤال، استقصت الصحافية آن-لور غاناك آراء المختصين ونصائحهم وبعض تحذيراتهم.

ما الذي تتمنّاه لأطفالك؟ الصحة؟ الأماني لا تضمنها. النجاح؟ هو أيضاً لا يدوم. المال؟ لا نملك من أمره شيئاً. الحب؟ ولا هو. السعادة؟ طبعاً بالتأكيد! هذه هي الإجابات التي غالباً ما تَرِد في استطلاعات الرأي. لماذا نطمح إلى المال والنجاح والصحة والحب أصلاً؟ لأننا نريد أن نكون سعداء.

لكنني إذا طرحت المشكلة من زاوية أخرى وتساءلت: “ما الذي يمهد الطريق إلى السعادة”؟ فثمة إجابة ستفرض نفسها بقوة: القدرة على الانبهار بالحياة والاستمتاع بها مهما حدث. إنه باختصار الابتهاج بالحياة.

هذا إذاً هو الفنّ المفيد للغاية الذي يجب أن نلقّنه لأطفالنا: حبّ الحياة اللّامشروط. أقرّ أنه هدف طَموح؛ ولهذا أنطلق سعياً وراء النصائح المفيدة لتربية ابني البالغ من العمر 8 أشهر وابنتي البالغة 4 سنوات، على الابتهاج بالحياة.

أول نصيحة صرّحت لي بها المحللة النفسية كاترين فانييه (Catherine Vanier): “قد تتقمصين دور المهرج أو البهلوان لإضحاك طفليكِ وإرضائهما؛ لكن ذلك لن يجدي نفعاً إذا لم تؤمني حقاً بحب الحياة، فالأطفال يدركون مشاعرنا، على الرغم من الجهود التي نبذلها كي نخفيها”.

يؤكد أستاذ الفلسفة بول كلافييه (Paul Clavier) مثل الأطباء النفسيين والفلاسفة الآخرين جميعاً: “نحن لا نعلّم أبناءنا في الواقع إلا ما نمارسه فعلاً، فقد تنصح أبناءك مراراً وتكراراً بضرورة الإيمان بجمال الحياة، والاستمتاع بكل لحظة من لحظاتها. وإذا كانت أفعالك لا تنسجم مع أقوالك، فقد يطبقون نصائحك في البداية لكن دون أن يؤمنوا بها؛ بل إنهم سيفعلون ذلك إرضاء لك فقط”.

ويذهب زميله أندريه كونت سبونفيل (André Comte-Sponville) بعيداً في توضيح الفكرة إلى درجة أنه اعترف لي بأن والده كان يردد باستمرار: “نحن لسنا على هذه الأرض كي نكون سعداء”! كان رجلاً قاسياً.؛ لكن ذلك لم يمنع ابنه من أن يصبح فيلسوفاً، عاشقاً للفيلسوف الروماني ابكتيتوس ورائد عصر النهضة مونتين، ومؤلفَ كتاب “مذاق العيش” (Goût de vivre) إلى جانب مؤلفات أخرى.

لا تخفِ حزنك ولا معاناتك النفسية عن أبنائك

ها أنا ذا أتقدم قليلاً في الموضوع. لا تعني هذه النصيحة أن ابني وابنتي يغرقان في بيئة أُسريّة محبطة. صورة ابتسامة ابني أعرض من شاشة هاتفي، وابنتي تتمتع بحس دعابة حقيقي؛ لكنني كنت أتمنى نصيحة متفائلة أكثر للحفاظ على حماسهم هذا.

فبماذا ينصح الخبراء الآباء والأمهات الذين يعيشون حالات إحباط؛ بل اكتئاب؟ أولئك الذين يفرضون على أبنائهم معاناتهم النفسية؟

تجيب كاترين فانييه: “هذا مرفوض تماماً. الابتهاج بالحياة فلسفة عيش، لا تزعزعها لحظات الكآبة الظرفية. المهم هو أن تتحدث إلى ابنك دون أن تفسر له بالضرورة أسباب حزنك كلها، وأن توضح له أنك لست على ما يرام في الوقت الحالي، واحرص على أن تؤكد له إنه غير مسؤول عن ذلك، وإن هذه المعاناة النفسية مسألة عادية تحدث أحياناً، فالحياة تفترض أن نعيش أوقاتاً سعيدة وأخرى حزينة، وحب الحياة يفرض أن نتقبّلها كما هي”، وهكذا ستجعل معاناتك النفسية مقبولة ومفهومة بالنسبة إلى أطفالك.

الدرس الأول الذي نستخلصه إذاً هو ألّا نجتهد في إخفاء أحزاننا عن أبنائنا. ولكن ماذا عن أحزان العالم؟ هذا المساء جلسنا نشاهد التلفاز، وتابعنا نشرة الأخبار، ورأينا دمشق بين غبار الدمار ودموع الجرحى المختنقة في أيدي رجال يجثون على رُكبهم، أشلاء ودماء في كل مكان.

كانت ابنتي تجلس إلى جانبي فحجبت عينيها بيدي تلقائياً؛ بينما رأى والدها أن تشاهد ذلك ما دامت جالسة بيننا، وأن علينا أن نشرح لها ما يحدث، فقال لها: “آثار هذه القنابل والقذائف فظيعة حقاً؛ لكنّ هذا يحدث بعيداً عنّا، ولا يمكن أن يحدث هنا”. ولكن ما الذي يجعلني واثقة من ذلك؟ لا شيء سوى اعتقادي أن أطفالي لا يمكن أن يعيشوا فظاعات الحرب أبداً حتى في أكثر كوابيسي رعباً، ولو في الصور.

تعلّق المحللة النفسية على ذلك قائلة: “تتصرف الأمهات بتلقائية لحماية أطفالهن؛ غير أن الرغبة في تجنيب الأطفال رؤية المآسي لا تحميهم بل تُقلقهم: أولاً لأن ذلك يعكس قلقنا نحن، وثانياً لأن الطفل الذي لا يعرف ما يجري ولا يتجرأ على الحديث عنه قد يتخيل أحداثاً أكثر فظاعة بالنسبة إليه مما يحدث في الواقع”.

دع أبناءك يعيشون حياتهم

هذا إذاً هو الدرس الثاني الذي أستخلصه من نصائح الخبراء: لا فائدة من محاولة إقناع ابنتي أن العالم ورديّ. يؤكد كونت سبونفيل ذلك من خلال التذكير بقصة أمير هنديّ بذل والده كل ما في وسعه كي لا يُشعره بوجود معاناة في الحياة، حتى جاء اليوم الذي سيهرب فيه الأمير الصغير من القصر ويكتشف هذه المعاناة مجسّدةً في 3 مظاهر: الشيخوخة والمرض والموت. لم يدفعه اكتشاف ذلك إلى اليأس؛ بل دفعه إلى السير في طريق الحكمة.

يشدد المحلل النفسي جان بيير وينتر (Jean-Pierre Winter) على أن: “الاهتمام المفرط بتربية الأطفال لا يقلّ ضرراً عن انعدام التربية بالمرة”. اسمح لطفلك بتذوق طعم الحياة بطريقته، ولا تضغط عليه كي يكبت غضبه أو يوقف بكاءه، أو تطلب منه استئناف السير إذا توقف أمام واجهة مزينة أعجبته.

اترك أطفالك يعيشون حياتهم “ما داموا غير معرّضين للخطر ولا يزعجون أحداً” كما يقول جان بيير وينتر. إنه تحدٍ لحياة الأم بأكملها!

شجع ابنك على اللهو ولا تسخر منه

ماذا لو لهونا؟ أحب أن أعلّم ابني أن يتكلم من خلال اللعب بالكلمات، وأن يمشي من خلال حركات متعرجة مثلما فعلت مع شقيقته، وأحب تطبيق هذه النصيحة التي قدمَتها لي معلمة ابنتي عندما حضرتُ أول اجتماع لآباء التلاميذ وأمهاتهم.

ويتفق المحلل النفسي جان بيير وينتر مع ذلك قائلاً: “بدلاً من أن تشجع ابنك صباحاً بقولك “اجتهد”، قل له “استمتع بيومك”! فالمهارات الأكثر فعالية هي تلك التي يكتسبها الطفل من خلال اللعب؛ حيث يسود المرح دون الخوف من الإفراط”، والأمر الوحيد الذي يجب تجنّبه هو السخرية وفقاً لوينتر: “فالسخرية قائمة على قول عكس ما نعتقد، والأطفال لا يفهمونها كذلك، وقد يعتقدون أننا نستهزئ بهم”. ستكون سخرية محزنة دون شك، وبدلاً منها هيّا لنضحك. اضحكا يا ابنيّ؛ لأنكما بصراحة أسياد الابتهاج بالحياة.

التربية بالتعاطف مع الذات

تقول مؤلفة “كتيّب تمرينات فن الابتهاج اليومي بالحياة” ( Petit Cahier d’exercices pour cultiver sa joie de vivre au quotidien)، آن فان ستاب (Anne van Stappe): “الابتهاج بالحياة هو أولاً ابتهاج بإثبات ذواتنا كما هي، وتذوق لمشاعرنا”. وكي نساعد أطفالنا على تحقيق ذلك، تنصحنا المختصة في التواصل غير العنيف (CNV) بتعليمهم التعاطف مع الذات الذي تعطينا نبذة عن بعض مبادئه:

  1. علّم ابنك أن يسأل نفسه (أو تسأله أنت) عن حالته النفسية: وأن يسأل نفسه (أو تسأله أنت) بناءً على إجابته، عن سبب هذه الحالة.
  2. إذا كانت إجابة الطفل إيجابية فشجعه على تقدير راحته النفسية والاستمتاع بها بوعي كامل: اقترح عليه التفكير في تجديد الظروف المواتية لهذه الراحة النفسية بمجرد أن تسوء. “تأتي أسباب الابتهاج من خارج الذات؛ لكن بمجرد أن ندركها يبرز الابتهاج بالحياة داخل أنفُسنا”.
  3. إذا كانت إجابة طفلك سلبية فشجعه على تقبّل هذا الحزن الذي يشعر به: عندمت تقول لطفل سقط على الأرض “لا بأس” فأنت تعلّمه نكران الواقع؛ بينما إذا وقفت إلى جانبه خلال معاناته وقلت له مثلاً: “نعم، أنت خائف، وتعاني”، فإنك تساعده على تقبّل حالته. وبمجرد أن يتقبل الألم يصبح “طفيفاً” وفقاً لمؤسس مفهوم التواصل غير العنيف، مارشال روزنبرغ (Marshall B. Rosenberg).
  4. اسأله عن احتياجاته التي لم تُلبّى: اسأله مثلاً: “إذا كانت لديك عصا سحرية فما الذي تريد أن تصنعه لنفسك بها الآن”؟ وساعده على إيجاد مصادر الإجابة: “كيف نتعاون أنا وأنت على تحقيق ما تريده”؟ إنها فرصة كي تعلّم ابنك التريُّث؛ إذ عليه أن يدرك أنه لا يستطيع الحصول على كل ما يتمناه فوراً لكنّ لديه الإمكانيات كي يسعى وراء رغباته. “هكذا يطور الطفل قدرته على الارتباط بما يريده وما يحبه، بدلاً من الارتباط بما يخافه، وسيسمح له ذلك باكتشاف كماله البشري وقدرته على الفعل”.