أجرى موقع ريفيوز (Reviews) الأميركي استطلاعاً للرأي بهدف قياس مدى تعلق الأميركيين بهواتفهم الذكية وانتشار إدمان منصات التواصل الاجتماعي بينهم، ونُشرت نتائجه في 24 يناير/ كانون الثاني 2022، وكانت الأرقام مثيرة للاهتمام، فمتوسط مرات فتح المستخدمين للهاتف المحمول بلغ 262 مرة يومياً.
يفسر ذلك الرقم تأكيد 47% من الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم مدمنون على استخدام الهواتف الذكية، بالإضافة إلى نتيجتَين مهمتَين؛ الأولى أن 64% منهم يستخدمون الهاتف في المرحاض، أما الثانية فهي حرص 71% من المشاركين على فتح الهاتف الذكي في الدقائق العشر الأولى بعد الاستيقاظ من النوم.
وتطرح الأرقام السابقة سؤالاً مهماً ألا وهو: كيف نجحت منصات التواصل الاجتماعي في ربط المستخدمين بها إلى هذا الحد؟ الإجابة هي أن ما حدث لم يكن على سبيل الصدفة إنما هو بحسب المهندس التقني آزا راسكين (Aza Raskin) نتيجة مجهودات ضخمة بذلتها الشركات المالكة لتلك المنصات، فهو يشير إلى أن هناك في الكواليس مئات المهندسين الذين يبذلون جهودهم لجعل ما يظهر للمستخدم مسبباً للإدمان إلى أقصى درجة.
تقنيات إدمان منصات التواصل الاجتماعي وآلياته
توجد تقنيات وآليات عديدة يطورها مهندسو هذه المنصات باستمرار من أجل إيقاع المستخدمين في شراك إدمان منصات التواصل الاجتماعي؛ وأهمها:
اللهث وراء التحديثات اللانهائية
هل تذكر تلك المرة التي بحثت فيها عن فيديو بعينه على منصة يوتيوب (YouTube)، ثم وجدت نفسك بعد وقت طويل تشاهد فيديو آخرَ بعيداً تمام البعد عن محتوى الفيديو الأول الذي كنت تهدف للبحث عنه.
ما حدث معك لم يكن نتيجة فردية وفقاً لمقالة بحثية نشرها معهد علم النفس والتربية التابع لجامعة أولم الألمانية (Institute of Psychology and Education - Ulm University)، فإحدى التقنيات المستخدَمة لإطالة الوقت الذي يقضيه المستخدِم في المنصة أو التطبيق هي إتاحة محتوىً متجدد يظهر بمجرد تحديثه للصفحة أو انتقاله إلى فيديو جديد، ويرتبط ذلك بشكل مباشر بأن تلك المقترحات لا تظهر عشوائياً إنما تكون نتيجة لتحليل سلوك المستخدم.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن تلك التقنية مستمَدّة من قاعات القمار، فبحسب الصحفية العلمية كاثرين برايس (Catherine Price) فإن عملية تحديث الصفحة أشبه بسحب الرافعة في ماكينة القمار؛ التي ترتبط بشكل مباشر بأن البشر ينجذبون تلقائياً إلى المساحات مجهولة النتائج، أو ما يُعرف في علم النفس بـ "التعزيز المتقطع" (Intermittent Reinforcement)، فالمستخدم لا يحصل على النتيجة نفسها عند كل تحديث.
وهناك ترابط عجيب أيضاً بين صالات القمار ومنصات التواصل الاجتماعي، يتمثل في كون الأولى لا توجد بها نوافذ أو ساعات بهدف جعل الزائر يغرق في دوامة اللعب اللانهائي، بينما في منصات التواصل الاجتماعي يكون الهدف الأساسي هو عدم إيصال المستخدم إلى نقطة نهاية، وتشجيعه على رؤية المزيد والمزيد من المحتوى باستمرار.
المحاصرة بالضغوط المجتمعية
يتصدر تطبيق واتساب (WhatsApp) اليوم قائمة التطبيقات المستخدَمة للتواصل اليومي بين البشر، فوفقاً لشركة ستاتيستا (Statista) الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين؛ وصل عدد مستخدميه في فبراير/ شباط عام 2020 إلى مليار ونصف مستخدم في أنحاء العالم.
لكن ما يجري خلف الكواليس لربط هؤلاء المستخدمين بالتطبيق كثير، فمن أهم الإعدادات الافتراضية التي يتم تنزيل التطبيق بها تلكَ الإشارة الزرقاء التي تؤكد أن الطرف المُرسل إليه قد قرأ الرسالة التي وصلته، وهنا يظهر الضغط الاجتماعي المصنوع عن عمد، فبحسب المقالة البحثية التي أشرنا إليها سيتوقع كلا الطرفين وصول رد سريع بعد ظهور الإشارة التي تؤكد قراءة الرسالة؛ ما يجعل المستخدمين حريصين على التفاعل بشكل مستمر حتى لا يُتَّهموا بالتقصير في حق من حولهم، إلى جانب أنه يغذي ظاهرة "الفومو" أو "الخوف من أن يفوتنا شيء ما" (Fear Of Missing Out. FOMO) فيتفقد المستخدم هاتفه على الدوام للتأكد من أنه شاهد الرسائل جميعها التي وصلته وردّ عليها.
ربما يشير البعض هنا إلى أن إلغاء خاصية تأكيد قراءة الرسائل متوفر بسهولة عبر الدخول إلى إعدادات التطبيق. هذا صحيح؛ لكن القليل من المستخدمين فقط يعلم ذلك، ومعظمهم يستخدم التطبيق بالإعدادات المسبقة.
فبحسب مقال نشره مركز تصميم تجربة المستخدم التابع لـجامعة أولم الألمانية (Center Center UX Design School - Ulm University)؛ هناك 5% فقط من مستخدمي برنامج مايكروسوفت وورد غيروا الاعدادات الافتراضية للبرنامج.
عرض ما يلائم تفضيلات المستخدم
يتساءل الكثير من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي عن الآلية التي تنجح من خلالها تلك المنصات في جعل الصفحة الخاصة بـ "آخر الأخبار" (Newsfeed) تعرض لكل مستخدم الأخبار التي تهمه شخصياً. وقد تعرضت إلى هذا الجانب المقالة البحثية الصادرة عن معهد علم النفس والتربية بجامعة أولم الألمانية؛ حيث أكدت أن منصة فيسبوك طورت على مدار السنين خوارزميات التعلم الآلي التي تدرس سلوك المستخدمين من أجل التعرف عليهم بشكل أفضل.
لا يقتصر الأمر على تسجيل مرات الإعجاب الخاصة بالمستخدمين؛ إنما يمتد أيضاً إلى رصد تلك المنشورات التي توقفوا عندها لفترة حتى لو لم يصدر عنهم أي تفاعل معها، وهو ما يُترجم عملياً إلى إظهار المحتوى الذي سينال إعجابهم أكثر، وكذلك الإعلانات الخاصة بمنتجات يُتوقَّع منهم شراؤها.
جعل المستخدم يتغذى على دعم الآخرين
تُعد إحدى الظواهر الواضحة في منصات التواصل الاجتماعي أن معظم المستخدمين عند نشرهم لمنشور، يترقبون التفاعل معه سواء كان إيجابياً أو سلبياً، وتطوّر الأمر على منصة فيسبوك من مجرد زر الإعجاب إلى التفاعلات المتنوعة من إبداء الدعم أو الحب أو حتى الغضب.
ويمتد الأمر في جذوره إلى أكثر من مجرد ضغطة زر، ذلك ما أكدته المقالة البحثية المذكورة مسبقاً بإشارتها إلى أنه عندما يحصل المستخدمون على المزيد من التفاعل الإيجابي فإن ذلك يثير نشاط المخطط البطني في الدماغ، والمسؤول عن نظام المكافآت؛ ما يعني أنه مع الاستخدام المتزايد من السهل أن يقع المستخدم في الإدمان.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تصفح الأخبار السيئة عقب الاستيقاظ في صحتك النفسية والجسدية؟