ما مخاطر إدمان المراهقين على الهواتف الذكية وكيف يمكن تلافيها؟

4 دقائق
إدمان المراهقين
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يقول 87% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 - 15 عاماً إنهم يمتلكون هاتفاً ذكياً، وقد اقتنى 65% منهم الهاتف الذكي منذ دخولهم الصف السادس الابتدائي وفقاً لدراسة أجرتها مؤخراً مؤسسة ميدياميتري (Médiamétrie). لقد باتت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية بمختلف أشكالها وأنواعها واسعة الانتشار بين المراهقين بعد أن غزت حياتهم اليومية بشكل غير مسبوق. تستعرض أستاذة جامعية متخصصة ظاهرة إدمان المراهقين على الهواتف الذكية وسبل علاجها استناداً إلى دراسة أجرتها مؤسسة ميدياميتري.
باتت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية بمختلف أشكالها وأنواعها واسعة الانتشار بين المراهقين بعد أن غزت حياتهم اليومية بشكل غير مسبوق. وفي حين أنهم يميلون بطبيعتهم إلى كسر القواعد في هذه السن الحرجة، فإن المراهقين يتأثرون أيضاً وبشدة بالسلوكيات الرقمية لآبائهم. وتستعرض أستاذة جامعية متخصصة هذه الظاهرة وسبل علاجها استناداً إلى دراسة أجرتها مؤخراً مؤسسة ميدياميتري.

يمتلك 35% من الأطفال بدايةً من سن العاشرة جهازاً للألعاب الإلكترونية، ويمتلك 28% منهم جهازاً لوحيّاً، ويمتلك 11% جهاز تلفاز خاصاً. وتنتشر الهواتف الذكية بينهم بسرعة كبيرة أيضاً؛ إذ يقول 87% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 - 15 عاماً إنهم يمتلكون هاتفاً ذكياً، وقد اقتنى 65% منهم الهاتف الذكي منذ دخولهم الصف السادس الابتدائي وفقاً لدراسة أجرتها مؤخراً مؤسسة ميدياميتري.

وقبل فرض الحجر الصحي نتيجة جائحة كوفيد-19، كان الشباب يقضون في المتوسط أكثر من 4 ساعات يومياً في تصفُّح هواتفهم الذكية وفقاً لبيانات تم جمعها من 4,000 فرنسي تتراوح أعمارهم بين 13 - 20 عاماً. وممّا لا شك فيه أن فترة الحجر الصحي قد أسهمت في رفع معدلات استخدام التكنولوجيا الرقمية، وبخاصة بين "المواطنين الرقميين" أي الشباب الذين ينتمون إلى الجيل المولود بعد عام 1995.

فإذاً كيف نتعامل مع استخدام المراهقين للهواتف المحمولة لمنع تحول هذا الهوس أو الاعتياد إلى نوع من الإدمان؟ وإذا كنتَ والداً نشأ في عالم لا يعج بالأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت، فما الذي يمكن أن تقوله لطفلك الذي وُلد في خضمّ هذه التقنيات الحديثة؟ هل يجب أن نحاول فرض السيطرة على كل شيء ونقوم بتأنيب أطفالنا بكل صرامة عند ظهور أي بادرة انحراف عن الاستخدام المعتدل والمقبول، أم يجدر بنا، على العكس من ذلك، أن نساير الحدث ونواكب هذه الظاهرة؟ ننصح هنا باتباع الاستراتيجيات التالية:

مؤشرات الخطر

قد يكون الحديث عن الإدمان في هذا السياق، بمعنى الإفراط في استخدام الهواتف الذكية بصورة تؤدي إلى المعاناة من أعراض الانسحاب، ضرباً من المبالغة؛ لكن قد يكتسب بعض المراهقين سلوكيات ضارة فيما يتعلق باستخدام الهواتف الذكية لدرجة الشعور بالقلق لمجرد التفكير في حرمانه منها.

وتدعم الدراسات العلمية الحديثة حول هذا الموضوع الفكرة القائلة إن اضطراباً عصبياً جديداً آخذٌ في الانتشار في مجتمعنا المعاصر، لا سيّما بين المراهقين أي هؤلاء المواطنين الرقميين الأكثر اتصالاً بشبكة الإنترنت؛ وهو القلق أو الخوف المرضيّ من الحرمان من استخدام الهاتف الذكي والمعروف باسم "النوموفوبيا" (Nomophobia).

ويشير مصطلح "النوموفوبيا" إلى أحد أشكال الاضطرابات النفسية المرتبطة باستخدام التقنيات الحديثة، لا سيّما الهاتف الذكي والخوف المفرط من الانفصال عنه. وفي هذه الحالة، يخشى المرء فكرة عجزه عن التواصل أو فقدان القدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت أو عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات أو التخلي عن سُبُل الراحة التي توفرها له هذه الأدوات.

وقد تم تطوير أداة لقياس شدة "النوموفوبيا" ونشرها في مجلة "أجهزة الكمبيوتر في السلوك البشري" (Computers in Human Behavior) العلمية لقياس مدى إدمان الفرد لهاتفه الذكي.

ويشير مقياس "النوموفوبيا" إلى تفشي هذا الاضطراب العصبي بحدة بين المراهقين؛ إذ يقول 76% منهم إنهم قلقون من فكرة الحرمان من هواتفهم الذكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن 33% من هؤلاء الشباب يفرطون في الاتصال بشبكة الإنترنت، حتى إنهم يستشيرون هواتفهم الذكية ما لا يقل عن 50 مرة في اليوم الواحد، نهاراً وليلاً في بعض الأحيان.

ويترتب على الإفراط في استخدام الهواتف الذكية بهذا الشكل مخاطر حقيقية، لأنه يتسبب في الإصابة باضطرابات النوم وضعف البصر والشعور بالاكتئاب. كما أن انخفاض الدرجات وتراجع القدرة على التحصيل الدراسي في الجامعات والمدارس الثانوية يجب أن يلفت انتباه الوالدين إلى أن ثمة خطراً يلوح في الأفق، ويُعد انهيار العلاقات مع الأصدقاء أو حتى عزلة المراهق الدائمة في غرفته من بين العلامات التي يجب الانتباه إليها.

القواعد والنصائح

لا يُعد حظر الهاتف الذكي حلاً جذرياً للمشكلة، وذلك لأنه يمثّل أداة للاندماج الاجتماعي في فترة المراهقة، ولأن المراهقين يحاولون في كثير من الأحيان التعبير عن استقلاليتهم من خلال تجاوز المحظورات، لذا يُنصَح بأن يستخدم الآباء لغة الحوار مع أطفالهم بدلاً من اللجوء إلى فكرة حظر استخدام الهواتف الذكية.

أولاً، ناقش مع طفلك استخداماته لهاتفه الذكي والفوائد التي يقدمها له وما يجده فيه ولا يجده في غيره، وعندئذٍ يمكنك وضع قواعد واضحة بالشراكة مع طفلك المراهق مثل:

  1. تخصيص مناطق خالية من الشاشات في المنزل (على طاولة الطعام وفي غرفة النوم مثلاً)، وحتى تخصيص يوم واحد في الأسبوع دون هاتف ذكي لأفراد الأسرة جميعهم.
  2. تركيب سلة يضع فيها أفراد الأسرة جميعهم هواتفهم الذكية ليلاً، بعيداً عن غرف النوم.
  3. إلغاء تفعيل الإشعارات الواردة من تطبيقات الهواتف الذكية للحد من الطلبات غير المستحبَّة.
  4. مطالبة المراهق بارتداء ساعة لمنعه من النظر باستمرار إلى هاتفه الذكي لمعرفة الوقت.
  5. تنظيم أنشطة غير رقمية (كممارسة الرياضة أو عزف الموسيقى، إلخ)، و59% من الآباء يفعلون ذلك اليوم.
  6. الحد من استخدام الهاتف الذكي، وهو ما يفعله 34% من الآباء من خلال تخصيص فترات زمنية مصرح فيها باستخدام الهاتف الذكي وتخصيص وقت محدَّد للاتصال بشبكة الإنترنت يومياً.

التربية بالقدوة

يُنظر إلى الآباء باعتبارهم أكثر الأطراف تأثيراً في توعية أطفالهم المراهقين بمخاطر التكنولوجيا الرقمية؛ لكن المشكلة أن 35% فقط من الآباء يغيّرون طريقة استخدامهم لهواتفهم الذكية ليكونوا قدوة حسنة لأطفالهم (ميدياميتري، 2020). ومن المهم ألا يكتفي الآباء بتوعية أطفالهم بمخاطر الاستخدام المفرط للهاتف الذكي؛ ولكن يجب عليهم في المقام الأول أن يوعُّوا أطفالهم بمظاهر عملية الإدمان ذاتها

إذ يؤدي الهاتف الذكي دوراً محورياً في حياة المراهقين، فهو ليس مجرد أداة تُستخدَم في التواصل ولكنه أشبه بكائن يتم استثماره بشكل مفرط لخلق المعنى في حياتهم، ويؤدي دوراً رئيسياً في بناء الهوية الاجتماعية للمراهق.

وإذا كان الهاتف الذكي يحتل هذه المكانة الأساسية في حياتهم، فهل يمكن تفسير هذه الظاهرة بحقيقة أن المراهقين يفتقرون إلى وسائل أخرى للتواصل الاجتماعي؟ ألا يرجع ذلك إلى أن الحوار بين الكبار والمراهقين بات أكثر صعوبة؟

يتعارض الحضور الطاغي للهواتف الذكية مع قوة العلاقات الأسرية إلى درجة تسبُّبه في إضعاف الروابط التي يجب على الآباء تكوينها مع أطفالهم خلال فترة المراهقة. وقد بات من المعتاد أن نسمع المراهقين ينتقدون والديهم لاستخدامهم هواتفهم الذكية بشكل مفرط، وهذه مفارقة عجيبة!

المحتوى محمي