ملخص: وفقاً لاستبانة أجرتها المؤسسة الفرنسية للرأي العام (Ifop) في العام الماضي؛ يعاني 95% من الفرنسيين القلق أو التوتر، وهي تؤكد حالة عامة منتشرة منذ جائحة كوفيد-19. لقد ظهرت أوجه جديدة للقلق لم نكن نعرفها من قبل؛ تعرف إليها في هذا المقال.
مع ظهور جائحة كوفيد-19 وما أثارته من فوضى في العالم، ظهرت أوجه جديدة للقلق لم نكن نعرفها من قبل؛ ومن ثم فإن ذلك فرض ابتكار أساليب جديدة للدعم أيضاً.
وفقاً لاستبانة أجرتها المؤسسة الفرنسية للرأي العام (Ifop) في العام الماضي؛ يعاني 95% من الفرنسيين القلق أو التوتر، وهي تؤكد حالة عامة منتشرة منذ جائحة كوفيد-19. وقد كانت منظمة الصحة العالمية حذرت في مارس/آذار 2022 من أن حالات القلق والاكتئاب ازدادت بنسبة 25% بعد الحجر المنزلي، وعلى هذا النحو، صارت كلمة "مقلق" جزءاً من اللغة اليومية ووصفاً دائماً لهذه الحقبة الرهيبة التي نعيشها.
هلع منتشر
حتى فترة قريبة، كنا نعرف أوجه القلق التقليدية مثل القلق الاجتماعي والقلق الوجودي وقلق الانفصال؛ لكن ما حدث هو أن أسباب القلق ازدادت على نحو كبير؛ ومنها التغير المناخي وتغير القوة الشرائية والبطالة وتدفق الإشعارات على أجهزتنا المحمولة وأضرار الشبكات الاجتماعية. وكما صار هنالك ما يسمَّى "القلق البيئي"، فإن الخشية الآن هي من ظهور "قلق الطلاب". ففي 18 يناير/كانون الثاني، تصدَّر عنوان "الباركورسوب، عصر القلق المعمم"، صحيفة لو موند (Le Monde) الفرنسية تزامناً مع الموعد السنوي لافتتاح منصة القبول في مرحلة ما بعد الدراسة الثانوية في فرنسا، التي أُطلقت في عام 2018 والتي تثير قلق الطلاب وأوليائهم وتجعلهم في حالة عجز أمام خوارزمية الاختيار الغامضة.
ويستغل مدربو التوجيه والمدارس الخاصة حالة الهلع هذه بلا خجل؛ إذ تقول عالمة الاجتماع، آن كلودين أوليه (Anne-Claudine Oller): "أخبرني المختصون بوضوح شديد بأنهم ينظرون إلى هذه الحالة بوصفها سوقاً تستحق الاستحواذ عليها". من الآن فصاعداً، بتنا نجد مدرباً خاصاً في كل معرض من معارض التوجيه، وتؤكد الباحثة في كتابها "التدريب المدرسي: سوق لتحقيق الذات" (Coaching scolaire, un marché de la réalisation de soi)، إن إيرادات سوق المساعدة الإرشادية ازدادت 63% بين عامَيّ 2015 و2020.
كيف يساعد تبادل التجارب في التغلب على القلق؟
في حين كشفت دراسات عن العلاقة بين القلق والوقت الذي نمضيه في استخدام الشاشات، فإن "علاجات جديدة" تظهر لنا من خلال هذه الشاشات ذاتها. فعلى إنستغرام وحده، ذُكر وسم (هاشتاغ) #anxiety أي القلق حتى الآن نحو 200 ألف مرة، ويستمر المزيد من المؤثرين في نشره. نَشرت صاحبة قناة اليوتيوب، لينا سيتيويشتنز (Léna Situations)، تغريدة في عام 2020 على تويتر سابقاً (إكس حالياً)، قالت فيها: "لم أكن أولي القلق أهمية كبيرة؛ لكنني لاحظت أنه في بعض الأحيان يسيطر عليّ تماماً ويمنعني من عيش حياتي كما ينبغي؛ ومن ثم فإن استشارة المختصين في هذا الشأن مفيدة بالتأكيد". في حين تقول المغنية بوم (Pomme) على قناتها على اليوتيوب: "كنتُ قلقة على الدوام، فحتى حينما يكون كل شيء على ما يرام أفكر في أن حدثاً سلبياً سيقع لي، إنها حالة تصيبني أنا والكثيرين من أبناء جيلي".
أنشأت مارين ليماري، البالغة من العمر 25 عاماً، صفحة على إنستغرام باسم @mon_anxiete_et_moi لتشارك تجربتها، وتنشر الوعي حول التأثير الكبير للقلق، وتقول: "عندما يتحدث النجوم عن تجاربهم مع القلق يُحدثون فارقاً كبيراً ويُظهرون مدى تأثيره في الحياة اليومية". يقول ماركو كوايفارد صاحب صفحة @bonjouranxiete على إنستغرام، التي يتابعها أكثر من 300 ألف شخص، في حديث لصحفيّ من صحيفة لو موند إم كامبوس (Le Monde M Campus): "تمثل منصة إنستغرام وسيلة مثالية للتحدث عن القلق شكلاً ومضموناً؛ لأنها تتيح للفرد التقاء من يعانون المشكلة ذاتها وعرض تجربته لهم والتعرف إلى تجاربهم وتبادل الأفكار والدعم معهم".
صارت موجة القلق العارمة هذه مرتبطة بجيل الشباب، وكشفت عن متلازمة ظلت طي الكتمان مدة طويلة؛ إذ لم ننتبه دائماً إلى مدى الإرهاق اليومي الذي ينجم عنها. وفي حين يشيد العديد من مختصي علم النفس بدور تبادل الأفكار والتجارب في رحلة مرضى القلق نحو التحسن، فإنهم يؤكدون إن المعرفة التجريبية لا تغني عن معرفة المتخصصين، الذين يناشدون شبكات التواصل الاجتماعي أن ترفق هذا النوع من المنشورات برسائل توعوية ووقائية في مسائل الصحة النفسية؛ مثل تلك التي تتناول الانتحار.
أيها القلِق، أنت لست وحدك
توفر جمعية ميدياغورا بليون (Lyon association Médiagora)، مناقشات ومجموعات دعم وجهاً لوجه لأولئك الذين يعانون اضطرابات القلق أو الرهاب. ويقول الطبيب النفسي والرئيس الفخري للجمعية منذ عام 2002، فريديريك فانجيه (Frédéric Fanget): "ينبغي بذل كل جهد ممكن لمساعدة المرضى في التغلب على خجلهم وتشجيعهم للتحدث عن تجاربهم". في قصصه المصورة التي نشرها للتو تحت عنوان "نادي الأشخاص القلقين الذي يشفون أنفسهم" (Dans son Club des anxieux qui se soignent)، يعرّفنا المختص إلى أناس مصابين بالرهاب والهلع والقلق الشديد يتبادلون تجاربهم ويتحدثون عنها، فيكسرون عزلتهم ويدعم كل منهم الآخر.
ويقول الطبيب: "لكن القلَق ليس ظاهرة جديدة، وبعد 35 عاماً من علاج المصابين به، أؤكد إنه تزايد الآن مع ظهور وباء كوفيد-19؛ ولكن بنسبة ضئيلة"، ويتابع: "كان القلق منتشراً على الدوام؛ لكن الفرق الآن هو أننا نتحدث عنه ولدينا حلول لمعالجته. لوقت طويل، لم تكن لدينا معرفة كافية باضطرابات القلق؛ لكن كل شيء تغيّر مع ظهور العلاجات السلوكية المعرفية (CBT)، فنحن الآن لا ندرك فقط أن القلق يمكن أن يكون اضطراباً شديداً يؤدي إلى عجز اجتماعي؛ بل ندرك أيضاً كيفية علاجه".
لم تعد البيئة التي يعيش فيها المرء العامل الوحيد المسؤول عن القلق بل ثمة عوامل أخرى، ويقول فريديريك فانجيه: "لا شك في أن جائحة كوفيد-19 فاجأت الجميع؛ لأنها حدث جلل وقاسٍ ولا يمكن التكهن به، ووقع بعد مرحلة طويلة من الأمان والاطمئنان جعلتنا أقل قدرة على مواجهة حالة عدم اليقين التي تمثل أساس القلق. لقد أيقظ هذا الحدث مناطق صغيرة متوقفة عن العمل في أعماق الدماغ العاطفي بالقرب من مركز الخوف"،
ومن ناحية أخرى، فقد أضعفتنا هذه الأزمة على نحو كبير بسبب ما خلقته في أنفسنا من قلق شديد وشك في الركائز التي اعتقدنا بأننا يمكننا الاعتماد عليها. يقول فريديريك فانجيه: "اكتشفنا أن المستقبل غامض وأن ما يُسعدنا يمكن أن يُحزننا أيضاً، وهو أمر مقلق للغاية، وبخاصة أننا نشعر بالذنب لعدم توقع ما حدث مبكراً. وعلى الرغم من ذلك، فإن القلق ضمن حدود المعقول ينبهنا إلى المخاطر ويدفعنا إلى التصرف"، وأخيراً، يختتم الطبيب حديثه بكلمات تدعو إلى التفاؤل فيقول: "حتى لو تجاوز قلقنا عتبة المعقول، فإن بإمكان كل إنسان أن يجد وسيلته الخاصة لمكافحة قلقه والتغلب عليه".
اقرأ أيضاً: