يحق لأولئك الأشخاص الذين اقتربت حياتهم من نهايتها "الاستمتاع بالملذات"؛ كتناول وجبة منزلية أو الجلوس إلى طاولة مرتبة بشكل جميل، فهناك رمزية خاصة لإعداد الطعام الجيد حيث لها فوائد حقيقية في رفع الروح المعنوية للإنسان.
تُعتبر الإقامة في دور الرعاية التلطيفية؛ والتي تستغرق في المتوسط 17.6 يوماً (وفقاً لبيانات وزارة الصحة الفرنسية الصادرة في يونيو/حزيران 2013)، المرحلة الأخيرة في حياة هؤلاء المرضى، ومن أجل إضفاء القليل من الحلاوة على هذه الفترة التي تفوق الاحتمال؛ تقدم بعض المؤسسات وجبات للمرضى أعدها طهاة أو طلاب في صناعة الفنادق، أو تجهز لهم غرفاً ليجتمعوا فيها مع عائلاتهم ويبقوا على مقربة منهم.
من خلال الدراسة التي أجرتها بعنوان "نهاية الحياة، ملذات الطعام"؛ لاحظت عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية كاثرين لو غراند سيبيل طريقتين فيما يتعلق بدعم الأشخاص خلال فترة رعاية نهاية الحياة في المستشفى. تتسم الطريقة الأولى بتحكم الأسلوب الطبي الذي يقصر الطعام المُقدَّم للمرضى على التغذية الصحية. أما الطريقة الثانية فتتسم بالاستغناء عن هذا الأسلوب ومنح الأفراد حرية الأكل والشرب وفقاً لما يفضلونه، ومن ثم يُعتبر المرضى أشبه بالمقيمين، ويُراعى عدم اختلاف الأيام الأخيرة في حياتهم كثيراً عن تلك التي سبقت دخولهم إلى المستشفى. توضح كاثرين لو غراند سيبيل قائلةً: "عندما يُجبِر المرض الخطير المرء على التكيف مع إيقاع المستشفى، فمن المهم أن يحتفظ بعاداته السابقة كتناول ما يحب من الطعام على سبيل المثال".
إتاحة الفرصة للمريض ليكون مع أحبائه
إضافةً إلى ما سبق؛ يُعد التجمع حول وجبة جيدة مع العائلة أو الأصدقاء فرصة للتفاعل والمشاركة. تسمح هذه الأمور للمريض بالحفاظ على حياة اجتماعية؛ لكنها لا تقل أهمية بالنسبة لأحبائه الذين يمرون أيضاً بهذه المحنة الصعبة، وهو الأمر الذي لاحظته عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية من خلال دراستها: "إن حقيقة توقف الشخص عن تناول الطعام الذي أحبه سابقاً تقربه أكثر من حالة نهاية الحياة؛ ما يثير حزن أصدقائه وعائلته".
ومن أجل تجنب هذه المواقف على وجه الخصوص، فإن المؤسسات التي تتبنى إلغاء تحكم الرعاية الطبية في مرحلة رعاية نهاية الحياة، تسمح لأقارب المريض بإحضار وجبات مطبوخة في المنزل. تقول كاثرين لو غراند سيبيل: "خاصةً عندما يتطلب إعداد هذه الوجبات معرفة فنية ومكونات يصعب العثور عليها في دار الرعاية".
حاستا الشم والتذوق واستعادة الذكريات السّارّة
إن توقف المريض عن تناول أطعمته المفضلة يعني حرمانه تدريجياً من الملذات الحسية، وحرمانه من تحفيز حاستيّ التذوق والشم لديه؛ ما يؤدي لأن تصبح بعض الذكريات المرتبطة بهما مشوشة. تقول كاثرين لو غراند سيبيل: "تثير متعة التذوق لدى المرء ذكريات يرغب في مشاركتها مع الآخرين. تتيح حاستا الشم والتذوق للمريض استعادة ذكريات الطفولة، وتسمح لخياله بالسفر أو الشعور وكأنه في المنزل. إن السماح لهؤلاء الرجال والنساء الذين هم على وشك الموت باكتشاف نكهة الحياة مجدداً هي طريقة لطيفة لمنحهم نهاية أفضل".
شعور المريض بحرية الاختيار
بالنسبة للمريض، فإن الأمر يتعلق أيضاً بتأكيد اختياراته وحرياته والاعتراف بها ضمن البيئة المقيدة لدور الرعاية، لذلك فإن عدم المبالغة في نهج العلاج الطبي يمنح المريض الشعور بأنه لا يزال يحتفظ ببعض السيطرة على حياته رغم كل شيء، وهو أمر له رمزية كبيرة للأشخاص الذين يُعتبرون في كثير من الأحيان غير مؤهلين لاتخاذ قرارات مهمة. توضح عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية: "إن التمثيل الاجتماعي لكبار السن والمرضى الضعفاء يقيد هوامش الاختيار لديهم".
بخلاف الطعام؛ هنالك الكثير من الملذات التي يمكن لمريض رعاية نهاية الحياة الحصول عليها كالاستمتاع بالموسيقى والعناية بالجسم، ووجود حيوانه الأليف بجانبه، وحتى حقيقة قدرته على التدخين أو الحفاظ على حياته الجنسية. تقول كاثرين لو غراند سبيل: "هناك العديد من الرغبات التي يمكن تحقيقها له"، وتؤكد أنه: "في هذه الفترة التي يشعر فيها من هم على وشك الموت بقلق شديد بشأن الظروف التي ستكون عليها اللحظات الأخيرة من حياتهم، فإنه من الأهمية بمكان أن يتذوقوا هذه الملذات مجدداً".