4 سمات نفسية تحدد ما إذا كانت شخصيتك مرحة أو لا

7 دقائق
الشخصية المرحة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هل تتمتع بشخصية مرحة؟ إذا كنت كذلك فعليك أن تتعرّف إلى الخلفية التاريخية والنفسية لهذا النمط من الشخصيات الذي تحوّل إلى نموذج يُحتذى في مجتمعاتنا المعاصرة. هذا المقال يعرّفك إلى أنماط الشخصيات المرحة وخصائصها النفسية وخلفيات المواقف التي تعبّر عنها.

ظلّ الأشخاص المرحون مهمّشين لزمن طويل؛ لكنهم تحوّلوا اليوم إلى قدوات في المجتمع لأنهم يتميزون بهذا السرّ الخفيّ الذي يحظى بإعجاب الجميع. إنهم لا مبالون ومتحرّرون حريصون على الاستمتاع بالحياة؛ لكنهم يحافظون على نزعتهم المتمردة. فمن أين يستمدّ الأشخاص المرحون هذه الأحاسيس اللطيفة التي يعبّرون عنها؟ وما مدى صدقها؟

يمضي الوقت معهم بسلاسة وتكون الأمسيات برفقتهم أكثر متعة ومشكلات الحياة أقل وطأة؛ إنهم الأشخاص المرحون (Les gens cool). ومع ذلك، يختلف الناس وفقاً لطبقاتهم الاجتماعية أو أعمارهم في تعريف الشخصية المرحة. في نظر مروة البالغة من العمر 54 عاماً فإن الشخص المرح هو: "الهادئ في الظروف كلها وكأنه تناول قدراً كبيراً من الحبوب المهدئة وبقي تأثيرها في عقله طوال حياته". بينما يعتقد ابنها البالغ من العمر 20 عاماً أن الشخص المرح لا علاقة له بذلك: "إنه شخص رزين ومتأنٍ لكنّه ليس عنيداً".

تشير المعالجة النفسية الأميركية ومؤلفة كتاب "قوة الانطوائيين"، لوري هوكس (Laurie Hawkes) إلى أن هذا المصطلح دخل منذ فترة طويلة العامية الأميركية تحت هذا التعريف: "الشخص المرح إنسان عصري يريد الجميع أن ينتمي إلى مجموعته". فماذا لو كان التعريفان معاً صائبَين؟

وماذا لو كان الشخص المرح نموذجاً يُحتذى به حقاً؟

المرونة النفسية

من بين أولى خصائص الشخصية المرحة أنها أكثر تعقيداً ممّا يبدو. هل تعتقد أنها مجرد شخصية "ودودة" أو "لطيفة"؟ إذا كنت تعتقد ذلك فأنت تنكر بُعدها "الفلسفي". الشخص اللطيف يكون لطيفاً على نحو طبيعي وعفوي، فاللطف هو مزاجه وطبيعته؛ أما الشخص المرح فإنه يعبّر عن هذا المرح باعتباره موقفاً من الحياة.

يعتقد العالمان البريطانيان ومؤلفا كتاب "روح الشخصية المرحة"، ديك بونتين (Dick Pountain) ودافيد روبينز (David Robins)، أن هذه "الحالة العاطفية" التي تميّز العصر الحديث تمثل آلية دفاعية ناتجة من صدمة الحربين العالميتين؛ إذ: "يمثل موقف الشخصية المرحة، التي تشبه نوعاً ما الشخصية اللامبالية، السلوك الوحيد الممكن في مواجهة فظاعات العالم".

أما الصحافي الفرنسي جان ماري دوران (Jean-Marie Durand) فيُرجع هذا السلوك المرح إلى فترة النخاسة عندما كان العبيد الزنوج الأميركيون يحافظون على برودة أعصابهم، و"يكتمون" الغضب الذي يغلي داخل كلٍ منهم في مواجهة انتهاكات الأسياد. بعبارة أخرى: فإن هذه اللامبالاة المعلنة تمثل "حيلة" للتعبير عن نوع من المرونة النفسية، وهي قدرة قابلة للتطوير.

هذا ما يؤكده الطبيب النفسي رينالدو بيرون (Reynaldo Perrone) المختص في دراسة السلوك العدواني، ومؤلف كتاب "متلازمة الملاك" (Syndrome de l’ange) الذي خصّصه لحالة الأشخاص العاجزين عن بناء علاقات ندّية مع الآخرين. وفقاً لهذا الطبيب؛ فإن الذات المرحة تختار عن وعي التصرف بعقلانية: "إنها تختار في الواقع موقفاً تصالحياً وملائماً للظروف، لا يعني السلبية أو الضعف".

ويؤكد أحمد، الذي يبلغ من العمر 40 عاماً ويحظى بالتقدير بسبب طريقة تواصله "الفعّالة" التي تسمح له بالتكيف مع الأوساط كلها، إن موقف المرح هذا ثمرة عمل واعٍ. ويقول عن ذلك: "أبحث دائماً عن التدرّج في النقاشات، وأتعامل بحذر مع أصحاب الآراء المتطرفة إيجاباً أو سلباً؛ لأن الموقف سرعان ما يصبح كاريكاتورياً معهم".

التأني والعقلانية

وفقاً لرينالدو بيرون؛ فإن التأني سمة ضرورية للشخص المرح لقراءة الأمور بهدوء واتخاذ المسافة الكافية لبلورة "رد الفعل المناسب". لذا يميل هذا الشخص في عالم متسارع كهذا الذي نعيش فيه إلى تبني موقف التريّث؛ حيث يرفض تقديم التعليقات الفورية أو التعبير عن المشاعر العفوية أو إظهار الغضب السريع. وحتى عندما يتعرّض لقساوة الحياة ويناله نصيبه من القلق، فإنه لا يتوقف عن "التخفيف" من آثاره.

ماذا عن النساء المرحات؟ هل تؤخر علاقة النساء المعقدة بالجانب العاطفي، وموقف التمرّد الذي يؤججه الصراع بين الجنسين، ظهور الشخصية المرحة عند النساء بكثافة كما عند الذكور؟ يرى جان ماري دوران أن "الممثلة الأميركية لورين باكال (Lauren Bacall) أوصلت الشخصية النسائية المرحة إلى القمة".

وعلاوة على باكال، لا يتردد دوران في الاستشهاد بنساء أخريات من قبيل الفنانات الأميركيات باتي سميث (Patti Smith) وسكارليت يوهانسن (Scarlett Johansson) ولينا دونهام (Lena Dunham) مؤلفة مسلسل غيرلز (Girls)، وهنّ "نساء قادرات على إظهار عفوية كبيرة وعيش حياة نفسية هادئة في الوقت نفسه".

إن الشخص المرح، رجلاً كان أو امرأة، يظل متمرداً وثائراً، ويصرّ مهما كانت الظروف على الحفاظ على مظهره اللامبالي، ويمثل ذلك بالنسبة إليه مبدئاً بل قاعدة أخلاقية. ووفقاً لديك بونتين ودافيد روبينز؛ فإن هذا الأسلوب يكتسبه الأفراد عادة إلى الأبد خلال فترة المراهقة في إطار رد الفعل ضد بيئة أسرية "مشحونة".

ويروي أستاذ علم النفس بجامعة ليل 3، والمختص في دراسة العواطف ومؤلف كتاب "العواطف: من الحالة العادية إلى الحالة المرضية" (Émotions, du normal au pathologique)، ستيفان روزينك (Stéphane Rusinek) قصة أحد المرضى الذي يعيش منذ طفولته في أجواء أسرية "متوترة" حيث يتحدث كل فرد من الأسرة بصوت أقوى من الآخر، وتتحول لحظات الفرح بسرعة إلى حزن: "اعتمد هذا المريض موقفاً شبيهاً بحالة الشخص المخدّر؛ حيث لم يكن يتفاعل إلا بالحدّ الأدنى من الردود حتى يستطيع النجاة من تلك الصراعات. وعندما رحل للعيش وحده، اندهش هذا الشاب من الهدوء الحقيقي الذي أصبح يعيش فيه. وصرّح خلال جلسة العلاج قائلاً: أعتقد أنني شخص مرح حقاً".

اتخاذ الموقف المثالي

يعود الطبع المسالم والهادئ للأشخاص المرحين إلى إيمانهم بعلاقات إنسانية أقل قسوة تسترشد بالعقل طبعاً، وبالقلب أيضاً. يلخص جان ماري دوران ذلك قائلاً: "الشخص المرح هو الشخص المهذّب في أقصى حالاته المثالية"، مذكّراً بأن هذا الموقف كان الهدف منه دائماً هو البحث عن مجتمع الأقران كما هي الحال بالنسبة إلى الأميركيين من أصول إفريقية؛ مثل عازفي موسيقا الجاز، أو ممارسي رياضة ركوب الأمواج.

ولهذا؛ يعبّر هؤلاء الأشخاص المرحون عن أنفسهم من خلال وضعيات أو ملابس دالة للغاية وفقاً للفترة الزمنية التي ينتمون إليها. وإذا كان الشخص الذي يتبنى فلسفة الزن مثلاً (بمعناها السطحي) يتخذ هو أيضاً مسافة بينه وبين مشاعره، والشخص "المتحرّر" قد يفعل الشيء نفسه إلى درجة الأنانية، فإن الشخص المرح يتميز بسلوكه "الهيدوني" في المقام الأول؛ أي أنه يعطي الأولوية للمتع الحسية، فهو يحلم بمتع لا حصر لها؛ مثل الاستماع إلى الموسيقا والسفر وتذوق الفنون وغيرها، ومشاركة ذلك كلّه مع الأشخاص الذين يؤمنون مثله ببناء عالم أفضل، دون مبالاة طبعاً. وليس من المستغرب إذاً أن ينتشر هذا المذهب على نطاق واسع في أوساط المراهقين الذين وُلدوا في سنوات الستينيات.

تتذكر صابرينا ذلك: "عندما كنت أدرس في المدرسة الثانوية كان هناك تعارض بين الأشخاص العاديين الماديين والمنضبطين، والأشخاص المرحين الذين يتبنون أسلوباً فنياً في الحياة ويناهضون النظام".

تشكل القدرة على نهج سلوكيات "معتدلة" في شتّى المواقف أفضل ما في هؤلاء الأشخاص وأسوأ ما لديهم في الوقت نفسه. ويتمثل الأفضل في درس التحرّر والسكينة الذي يقدمونه لنا، وتذكيرنا بأننا غير مجبرين على الدخول دائماً ومباشرة في الصراعات أو التبريرات أو علاقات الحبّ الجارفة. أما الأسوأ فهو ذلك الحدّ الرفيع الذي يفصلهم أحياناً عن النفاق بسبب الحرص على إظهار الأناقة والتأني؛ ما قد يؤدي ببعضهم إلى التواري تماماً خلف قناعه الأنيق.

تقول المختصة في علم النفس السريري التي نشرت مؤخراً كتابها "قوة التسامح" (Les Pouvoirs de la tolérance)، ماريون ماري بوزيد (Marion Mari-Bouzid): "الكثير من المشاعر السلبية المكبوتة والاستياء المتراكم يمكن أن يحوّل هذه الكائنات الحساسة إلى كائنات عدوانية سلبية، تخفي عداءها إلى درجة اللجوء إلى توجيه ضربات تحت الحزام؛ لأنها إذا كانت تتمتع جميعها ببعد النظر، فإن الشخصيات المرحة منها حقاً هي فقط تلك التي تتمتع بثقة حقيقية في النفس؛ بينما تكبت الشخصيات الأخرى إحباطها النابع من خجلها وخوفها وراء وجه لا مبالٍ".

أن تصبح قدوة للمجتمع

ثمة جانب مظلم آخر في الشخصية المرحة وهو أن أسلوبها "الاستعراضي" الذي تنهجه يمكن أن يتجاوزها أحياناً. إنها معرّضة إذاً لخطر تحويل تعطّشها لمجتمع مثالي إلى وسيلة إغراء خالصة؛ لذا لا نستغرب أبداً من التوظيف البارع لصورة الشخصية المرحة من قبل خبراء التسويق. لقد فهم رواد القطاع التجاري أن الشخصية المرحة تحقق المبيعات ابتداء من الإعلان الذي يُظهر راعي بقر يجلس على سرج حصانه ويشعل دون مبالاة سيجارة شقراء، وصولاً إلى عارضات الأزياء اللواتي يتبخترن على منصة العرض (بهذا المشي المستهتر الذي يركز على تأرجح الوركين وفراغ النظرة).

وفي هذا السياق، يبرز الفيلسوف والباحث في مجال علم الأعصاب بكلية كاليفورنيا للتكنولوجيا ستيفن كوارتز (Steven Quartz)، وخبيرة التواصل والتسويق آنيت آسب (Anette Asp)، أن الرغبة في "السلوك المرح" هي التي تتحكم في قراراتنا الشرائية، فبعض المنتجات يغرينا أكثر من غيره بسبب رغبتنا في أن نعزز علاقاتنا الإنسانية ونحظى "بالشعبية".

تقول لوري هوكس: "بسبب كثرة تقليدهم، أصبح الأشخاص المرحون مرشحين ليكونوا قدوة المجتمع الجديدة"! ويمثل ذلك تحدياً يلقي على عاتق هؤلاء الأشخاص الذين يغيرون العالم مسؤولية كبيرة. ومِن هؤلاء مثلاً ستيف جوبز ومارك زوكربرغ وآخرون من أبطال وادي السيليكون على سبيل المثال. إنهم رواد أعمال مرحون جداً غيّروا كل ما في طريقهم بفضل منتجاتهم التكنولوجية التي وُلدت من تصورات مثالية خالصة؛ لكننا ما نزال نجهل إن كان هذا التغيير نحو الأفضل أو الأسوأ.

ما أنماط الشخصيات المرحة؟

الشخصيات المرحة الطبيعية

جسّدت هذه الشخصيات، كلّ منها بطريقتها الخاصة، حلم التحرر الفردي والاجتماعي الذي يمكن تحقيقه دون عنف أو حتى مواجهة مباشرة، باتخاذ "خطوة مختلفة" في مجالات الموسيقا أو الرسم الكاريكاتوري السياسي أو غيرها. هذا ما جسّده عازف موسيقا الجاز مايلز ديفيس (Miles Davis) في ألبومه "بيرث أوف ذا كوول" (Birth of the Cool) أو الممثلة الفرنسية ميو ميو (Miou-Miou) في دورها بفيلم "راقصات الفالس" ({Les Valseuses).

الجماعات المرحة

يعبّر ممارسو رياضة التزلّج أو ركوب الأمواج عن فن الحضور "العائم" حيث حوّلوا نمط "المرح" الخاص بهم إلى أسلوب حياة. فبالنسبة إلى أنصار الانزلاق والرشاقة هؤلاء، أصبحت القدرة على التكيّف مع الأمواج المناسبة أو غير المناسبة والأحداث غير المتوقعة أسلوب حياة حقيقياً، بنمط لباسه وحياة الترحال والتجمّع الخاصة به؛ مثلما عبّر عن ذلك فيلم بوينت بريك (Point Break) الذي أُنتج سنة 1991 بمشاركة باتريك سوايزي (Patrick Swayze) وكيانو ريفز (Keanu Reeves).

الشخصية الأنيقة المرحة

تحوّل نجوم ثقافة موسيقا البوب الذين جمعوا بين الأناقة واللامبالاة؛ مثل دافيد بوي (David Bowie) وبرايان فيري (Brian Ferry)، إلى رموز للرأسمالية والعولمة.
وفي فرنسا، جسّد المغني جاك دوترون لارسين (Jacques Dutronc) هذا النمط من الشخصيات المرحة؛ بينما مثّل باراك أوباما شخصية الرئيس المرح في الولايات المتحدة الأميركية بامتياز. وجسّدت المغنية الأميركية باتي سميث النساء المرحات في ألبومها "هورسز" (Horses)، الذي ظهرت فيه بوجهها اللامبالي وقميص أبيض رقيق، وربطة عنق سوداء، ارتبطا بفكرة التعبير عن شخصية المرأة المرحة.

الشخصية المرحة المسالمة

هذا النمط من الشخصيات ذهب بعيداً في اللامبالاة إلى درجة الاستسلام، واتُهم أحياناً بالسلبية والإهمال، وترك أثراً سلبياً في صورة الشخصية المرحة بسبب قلة النظافة أو الكسل اللذين ارتبطا به. ومن أمثلة هذا النمط شخصية المغني البريطاني جون لينون (John Lennon) وزوجته يوكو أونو (Yoko Ono) اللذين يدعوان إلى الثورة وهما مستلقيان على سريرهما الأبيض، أو المغني الفرنسي مكسيم لوفوريستييه (Maxime Le Forestier) في أغنية "البيت الأزرق" (Maison Bleue). هذه الشخصيات التقدّمية كلها اختارت التصرّف بإيقاع متأنٍ وشبه رزين. فهل هناك ما هو أفضل من التريّث لاتباع نهج الشخصية المرحة؟

المحتوى محمي