قد تعرف بديهياً أنك إذا احتسيت كوباً من الشاي أو القهوة سيؤثّر ذلك في مزاجك فوراً، أو ربّما لاحظت أنك تلجأ للأكل حين تشعر بالتوتّر لتهدئة مشاعرك. ذلك طبيعي جدّاً لأنك من بين الملايين حول العالم ممن تربطهم علاقة نفسية وعاطفية بأكلهم. ربّما حان الوقت لتستخدم معرفتك البديهية في اكتساب معرفة ذات تأثير إيجابي، وقد تكون أكثر ما يمكن أن يدهشك اكتشافه في رحلة سعيك نحو العافية النفسية؛ هناك بالفعل أكلات تحسن الصحة النفسية!
ما هي طبيعة العلاقة العاطفية والمزاجية التي تجمعك بالطعام؟
يُعتبر الجهاز الهضمي ذا أهميّة لا يستهان بها في تحديد مجموع العواطف التي تشعر بها يوميّاً، لأنه يُسمى بـ "الدماغ الثاني"، ويُعدّ موطناً للعديد من العناصر الكيميائية والبكتيريا المؤثّرة في إنتاج الناقلات العصبية كالدوبامين والسيروتونين اللذان ينقلان الرسائل باستمرار من الأمعاء إلى الدماغ، وهما مسؤولان عن الشعور بالراحة.
ثمة رسائل واضحة يتلقاها ويعكسها دماغك على حالتك المزاجية، فكيفما كانت تلك الرسائل؛ إيجابية أو سلبية أو مشوّشة، تشعر وفقاً لما يصل إلى دماغك من الجهاز الهضمي.
فعنصر غذائي أساسي في أنظمتنا الغذائية المعاصرة كالسكر يتحكّم على نحوٍ مهولٍ في الحالة المزاجية؛ حيث يعتبره علماء التغذية المُسبّب الرئيسي للالتهابات لأنّه يغذّي البكتيريا "غير النافعة" في الجهاز الهضمي.
وبالرغم من أنه يُسبّب ارتفاعاً في الناقلات العصبية للشعور بالراحة بشكل مؤقت؛ يحدث بعده بوقت قصير انهيار مروع للمزاج، وهذا بالضبط ما يحصل حين تستشعر نوعاً من الانتشاء المؤقت فور تناولك الوجبات السريعة والأكلات غير الصحية.
وإذا كنت تتساءل عن العلاقة بين مزاجك وعواطفك، فقد تتفاجأ إذا علمت أن الحالة المزاجية تدوم أكثر من العواطف التي قد تستمر لدقائق فقط، غير أن لكليهما؛ أي المزاج و العاطفة، دوراً حاسماً في كيفية تصرفك وتفاعلك مع المحفزات الخارجية.
الأكل اليقظ هو الخطوة الأولى نحو صحة نفسية جيّدة
قبل أن تتعرّف إلى أيّ أكلات تحسن الصحة النفسية، تستطيع أن تستفيد بقدرٍ كبير من التعرّف إلى مفهوم جديد نسبيّاً في صيحات الأنظمة الغذائية، وهو ما يُعرف بـ "الأكل اليَقظ" (Mindful Eating) أو الأكل الواعي، وهو تقنية من شأنها مساعدتك على التخلّي عن العادات الغذائية غير الصحية أثناء انتقالك لتجربة أنواع الأكل الذي يحسن الصحة النفسية.
تقوم هذه التقنية على مبدأ الأكل ببطء وانتباه ووعي؛ إذ تدعوك إلى محاولة إدراك الإيماءات والأفكار والعواطف والمشاعر والدوافع التي تدفعك للقيام باختياراتك الغذائية. يعلّمك هذا النهج إعادة الثقة والتواصل مع نفسك من خلال الاستماع لما يقوله حدسك.
ذلك يعني أن عليك أن تتحرّى طريقك في هذه التجربة من خلال المراقبة الدقيقة للألوان والقوام والروائح ونكهات الطعام. يهدف الأكل بوعي إلى استبدال النقد الذاتي بالحب الذاتي واحترام حكمتك الداخلية؛ وبالتالي تحرير نفسك من الممارسات الأوتوماتيكية والأنماط المعتادة للأفكار والعواطف والأفعال التي تؤدي بك إلى اختيار وجبات معيّنة دوناً عن غيرها.
ينصح الخبراء من "هيلث لاين" (Healthline) باتباع الخطوات التالية إذا رغبت في تجربة تقنية الأكل اليقظ:
- تناول طعامك ببطء وامضغه جيّداً.
- ركّز على عملية الأكل من خلال التخلّص من عوامل التشتيت كالتلفزيون والهاتف.
- جرّب تناول الطعام في صمت واستشعر طبيعة ما تشعر به وأنت تأكل.
- لا تأكل إذا لم تكن جائعاً.
- اسأل نفسك: "لماذا آكل؟ هل أنا جائعٌ حقاً؟ وهل الطعام الذي اخترته صحيٌ بالفعل؟".
اقرأ أيضاً: ما هو الأكل الحدسي
كيف تحارب القلق والاكتئاب من خلال هذه العناصر الغذائية؟
الأكل الصحي لا يمنحك فرصة لعيش حياة هانئة ذات احتمالات أقل للإصابة بأعراض مرضية فقط؛ بل يمكن أن يساعدك على تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق أيضاً. لذلك تقترح عليك الطبيبة النفسية وخبيرة الدماغ والمختصة في التغذية ومؤلفة كتاب "هذا هو دماغك عند الأكل" (This Is Your Brain on Food)، "أوما نايدو" (Uma Naidoo) ستّة عناصر غذائية يمكنك إضافتها إلى وجباتك اليومية لتحسين مزاجك:
- يُعرف الكركم مثل بقية التوابل بخصائصه المضادة للأكسدة التي تساعد الدماغ على محاربة الإجهاد، كما يساعد المُكوّن النشط فيه "الكركمين" على التخفيف من أعراض القلق.
- تُعتبر الأطعمة المخمرة كالزبادي ومخلل الملفوف مصادر هامة للبكتيريا الحية التي يمكن أن تعزز وظيفة الأمعاء الصحية وتقلل من القلق.
- تساعد الشوكولاتة الداكنة إذا تمّ تناولها بانتظام، على تقليل مخاطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 70%.
- يحتوي الأفوكادو على كميات كبيرة من المغنيزيوم الذي يؤدي نقصه إلى الاكتئاب.
- تحتوي المكسّرات على دهون وزيوت صحية لها تأثيرات مضادة للالتهابات والأكسدة ذات نتائج واعدة في تحسين التفكير والذاكرة.
- تحتوي الخضروات الورقية على فيتامينات تحمي من الخرف والتدهور المعرفي، إضافة إلى عنصر حمض الفوليك الذي يُعتبر عاملاً مساعداً ضرورياً في إنتاج الناقلات العصبية.
8 اقتراحات لأكلات تحسن الصحة النفسية لن تندم إذا جرّبتها
وضعت الكاتبتان المهتمتان بآخر صيحات علم النفس والصحة النفسية وصحة المستهلك شانا ليبويتز (Shana Lebowitz) وستيفاني واتسون (Stephanie Watson)، قائمة أكلات تحسن الصحة النفسية، نقترح عليك منها الآتي ونضيف لهذه المجموعة أيضاً اقتراحاً خاصاً من منصة نفسيتي:
- الحبوب الكاملة المدّعمة بالحليب قليل الدسم والتوت الأزرق تحتوي على فيتامين ب الذي أُثبتت علاقته بالصحة النفسية الجيدة، إضافة إلى فيتامين د لتقليل احتمالات الإصابة بالاكتئاب.
- عصير الموز واللوز وبذور الكتان مصدر رائع للأوميغا 3 التي قد تساعد على محاربة الاكتئاب والقلق.
- الأرز البني والفاصوليا السوداء لأن السيلينيوم الموجود في الفاصوليا قد يرفع من معنوياتك حين تكون محبطاً. ويساعد الأرز البني على تحسين مزاجك عن طريق تنظيم مستويات السيروتونين.
- يخنة العدس والخضروات مع اللفت مصدر مهم لحمض الفوليك الذي يؤثّر بشكل إيجابي في الحالة المزاجية.
- تحتوي معكرونة القمح الكامل مع القرنبيط والملفوف على كربوهيدرات معقدة تساعد على تنظيم الحالة المزاجية، إضافةً إلى حمض الفوليك.
- بودنغ بذور الشيا بالشوكولاتة مصدر للأوميغا 3 التي تخفّف أعراض الاكتئاب والقلق. كما يساعد مسحوق الكاكاو الداكن على السيطرة على الحالة المزاجية السيئة.
- كوب القهوة مع القرفة لزيادة الطاقة وإنتاج الناقلات العصبية كالدوبامين والسيروتونين.
- الشاي الأخضر المغربي بالنعناع المعروف بقدرته العجيبة لإدخالك في حالة مزاجية رائعة وتخفيف التوتّر، لاحتوائه على الحمض الأميني "ل - ثيانين" (L-Theanine) المسؤول عن رفع مستويات الناقلات العصبية، فيُبقيك هادئاً بمزاج رائق حتّى في لحظات الضغط والتوتّر.
مع تزايد الدراسات التي تربط بين الطعام والحالة النفسية والعاطفية ومزاج الفرد، تتأكّد أكثر فأكثر نظرية "غذاؤك دواؤك". ولأن ليس كلّ ما نتناوله صالح لصحتنا الجسدية والنفسية؛ يجب علينا التروّي في اختياراتنا الغذائية واستخدام حدسنا الطبيعي من خلال الأكل بوعي ويقظة، وكذلك الانفتاح على تجربة بعض اقتراحات المختصين وتجربة أكلات تحسن الصحة النفسية.