هل تميل إلى تعقيد الأمور؟ إليك الأسباب والحلول

تعقيد الأمور
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يميل الكثيرون منا إلى زيادة صعوبات الحياة اليومية وتعقيد الأمور على أنفسهم، فما سبب ذلك؟ وما دور المشكلات النفسية في هذا السلوك؟ نتعرف إلى هذا الموضوع بصورة مفصَّلة من خلال السطور التالية.
بين زحام وسائل النقل العام وضغط العمل وواجبات العناية بالأطفال والحياة الزوجية، والتسوق والطبخ وغيرها، فإن الناس بالكاد يجدون مساحةً للتنفس خلال اليوم. وإضافةً إلى جميع هذه الأعباء يميل الكثيرون إلى جعل حياتهم أكثر صعوبة وتعقيداً وتبدأ مشكلاتهم بمجرد أن يصحوا من النوم، فبسبب قلة التنظيم يضيع عليهم الكثير من الوقت وهم يبحثون عن لباس مناسب لارتدائه في الخزائن التي تعمها الفوضى ثم يدخلون في سباق محموم مع الزمن لعدم التأخر على العمل، ويصلون إليه وهم في حالة من التوتر والإجهاد.

لنأخذ مثالاً آخر وهو رغبتنا في تناول طعام صحي ولكن دون أن نقضي الكثير من الوقت في المطبخ، لنتمكن من قضاء أطول وقت ممكن مع أطفالنا ونمنحهم اهتمامنا كما يوصي المعالجون النفسيون. نتجول لساعات في المتجر الاستهلاكي للتحقق من أن الأطعمة المجمدة لا تحتوي على الكثير من الأصباغ الضارة، بينما يصرخ أطفالنا أمام رفوف الأطعمة ويحاولون ملء عربة التسوق بالأكثر ضرراً منها ما يجعلنا نعاني من العصبية والغضب ويزيد إرهاقنا إرهاقاً.

صنف مهامك ورتبها

على جانب العلاقات الإنسانية، يحاول الجميع أن يكونوا آباء صالحين، وأبناء وبنات يُحسنون معاملة آبائهم المسنين وأزواجاً مثاليين، وموظفين مجتهدين وأصدقاء مخلصين، وعندما يفشل المرء في التوفيق بين هذه الأدوار جميعاً، وهي ليست بالمهمة السهلة، ينهار ويعلن أنه لم يعد قادراً على تقديم أي شيء.

وعلى الرغم من ذلك فإن لدى كل شخص حيلاً تساعده على تصفية ذهنه. تقول نجوى ذات الـ 47 عاماً: “يساعدني ترتيب المنزل بالكامل على تصفية ذهني”. وتقول سوسن ذات الـ 38 عاماً مؤكدةً: “تتراكم الأغراض تماماً كما المشكلات”. من جهة أخرى فإن فإنه يمكن لمختصي التدريب على الحياة (life coach) مساعدتنا في عدة نواحٍ من حياتنا كإدارة الوقت وإدارة التفكير وغيرها، وهذه هي الطريقة التي ابتكر بها ديفيد آلين في عام 2001 ، تقنية ذاتية رائعة لفرز المهام وتسهيل العمل عليها، وأطلق عليها “طريقة إنجاز المهام” (Getting Things Done). وتتمحور هذه الطريقة ببساطة حول تسجيل المهام اليومية التي يترتب عليك إنجازها على دفتر يوميات (كتسديد الفواتير أو الاتصال بوالدتك للاطمئنان عليها أو زيارة مدينة أخرى وغيرها)، فعندما تنقل هذه المهام من ذهنك إلى الورقة تصبح أكثر وضوحاً ويسهل عليك التفكير فيها.

تعقيد الحياة أو تبسيطها يرتبط أولاً وأخيراً بالإرادة

يرى الفيلسوف روبرت مصراحي، الذي كان تلميذ جان بول سارتر، أن التمتع بذهن صافٍ في هذا العالم المعقد كثير المشكلات يرتبط بإرادتنا؛ إذ إن التخبط الذي نعاني منه هو نتيجة الأسلوب الفوضوي والمندفع الذي نتبعه في حياتنا. لذا اجلس وفكر قليلاً وسترى كيف ستتابع الأفكار الهادئة والمنطقية التي ستنير بصيرتك مجدداً بشأن رغباتك وقيمك ومبادئك. ويوضح الفيلسوف إن فهم المرء لنفسه بطريقة صحيحة يتطلب منه أن ينسجم مع ما أطلق عليه “الرغبة الأسمى” التي يحملها كل إنسان في داخله، وعرّفها بأنها الدافع الذي يرغّب الإنسان في الحياة ويجعله يواصل سعيه نحو المستقبل.

ويؤكد روبرت مصراحي إن التعقيدات التي تشوب حياة المرء ترجع إلى شعوره بوجود فجوة بين واقع حياته ونظرته إليها، وعندما يعي أنه المسؤول عن رسم حياته فيها فإنه سيكون قادراً على التحكم فيها بصورة أفضل.

ثقل الشعور بالذنب

من جهة أخرى علينا الانتباه إلى مشاعرنا السلبية غير الواعية التي تمثل عوائق في حياتنا ومن ضمنها الشعور بالذنب الذي يثقل كاهل المرء ويدفعه لبذل ما يفوق طاقته ليؤدي دوره بأفضل طريقة ممكنة ويلتزم بالصورة الذاتية التي رسمها. ويرجع ذلك إلى التقاليد المجتمعية التي تحثّنا على التضحية باستمرار بدلاً عن محاولة أخذ استراحة والاسترخاء قليلاً. أضف إلى ذلك رغبة الفرد في تأكيد الذات بطريقة خاطئة تنسيه جوهره الحقيقي، فيحاول أن يبرز بين الآخرين من خلال إثقال كاهله بمهمات ومشاغل لا طائل منها. ولكن ما الدافع الحقيقي وراء كل ذلك؟ إذا تعمقنا في أنفسنا قليلاً فسنعثر على ذاك الطفل الذي لطالما رغب في أن يفخر والداه به؛ والذي نشأت لديه فكرة مفادها أنه يجب أن يكون إنساناً لامعاً في الحياة ليحظى بحب من حوله. وعندما كبر ظلت هذه الفكرة عالقةً في اللاوعي، فصار شغله الشاغل هو السعي نحو الكمال والحرص على تجنب الوقوع في أي أخطاء؛ ما أضر بحياته وحياة أحبائه.

إن ميلنا إلى تصعيب الأمور على أنفسنا هو موروث عائلي في معظم الأحيان؛ إذ نقل إلينا آباؤنا وأجدادنا معتقداتهم ومخاوفهم والصعوبات التي كانوا يرتبوها على أنفسهم عبر حمضهم النووي. تعترف لبنى ذات الـ 35 عاماً وهي ترسم على وجهها ابتسامة صغيرة حزينة، أن احتراق مصباح صغير في المنزل قد يقودها إلى تخيل نفسها بلا مأوى، وتقول: “أعاني من الدوار لذا لا يمكنني تسلق السلم لاستبدال المصباح، وأخاف أن تأتي المالكة وترى أنني أهمل شقتها فتطردني خارجها”. وتتابع: “لقد اعتادت أمي بدورها تضخيم الأمور، فعندما كان يتأخر والدي أو أحدنا بالعودة إلى منزل، كانت تصاب بنوبة هلع على الفور ظناً منها بأننا تعرضنا لحادث ما، لقد كانت تتخيل وقوع الأسوأ دائماً”.

التحلي بروح السخرية حل فعال لتبسيط الحياة

يوضح مختص الطب النفسي العصبي بوريس سيرولنيك إن الأشخاص الذين يصعب عليهم تقبل الأحداث البسيطة يعانون في الواقع من نقص في إنتاج هرمون السيروتونين، وهو ناقل عصبي مسؤول عن محاربة الاكتئاب. ولأنهم محرومون من مضاد الاكتئاب الطبيعي هذا فإن الحياة تبدو بالنسبة إليهم طريقاً محفوفاً بالمزالق، فكل علاقة حب تمثل لهم مخاطرةً قد تتسبب بحزن شديد وكل عمل جديد محكوم مسبقاً بالفشل. ويشعر هؤلاء الأشخاص مفرطو الحساسية بأن الحياة صعبة جداً، ويثير أي تغير بسيط في محيطهم، حتى لو كنا نتكلم على مستوى إحضار كرسي جديد للمكتب، توترهم.

في معظم الأحيان تلفت الأحداث المأساوية كالموت والمرض انتباهنا إلى أولوياتنا في الحياة مجدداً؛ لكن هل يجب أن ننتظر أحداثاً كهذه لنعيد التفكير في حياتنا؟ عندما تسمم التعقيدات التي نخلقها حياتنا فإن أفضل ما يمكن فعله هو استشارة مختص في العلاج أو التحليل النفسي، فالخضوع للعلاج النفسي يساعد الفرد على إعادة ترتيب أفكاره ودوافعه. في إحدى صفحات مدونته، يوضح عالم النفس رولاند جاكارد، المعروف بمواهبه كناقد أدبي، إن فرويد كان يشعر بالرعب من أي شيء يعقد حياته وحياته وحياة الآخرين، ولذلك فهو لم يكن يرغب بامتلاك أكثر من ثلاث بدلات، وثلاثة أزواج من الأحذية وثلاث قطع من الملابس الداخلية كما كانت الفكاهة اللاذعة فلسفته المعتمدة في مواجهة الضغوط النفسية.

المحتوى محمي !!