على الرغم من أسباب السعادة التي توفرها لهم الحياة أو الآخرين أو حتى إنجازاتهم الشخصية، فإن بعض الأشخاص يعجزون عن أن يكونوا سعداء. فكيف يمكن التخلص من الشعور الدائم بعدم الرضا؟
ما الذي يجعل بعض الأشخاص يشعرون بعدم الرضا؟
على الرغم من أن قراراتنا العاطفية والمهنية أصبحت ملكاً لنا في هذا العصر الذي تغلب عليه النزعة الفردية فإن ذلك لا يجعلنا نشعر بالسعادة، وهو أمر غير مفاجئ بالنسبة لمختصي التحليل النفسي؛ إذ يوضحون أن "دافع الموت" اللاواعي لدى البشر يجعلهم مهيئين بطريقة فطرية لخلق تعاستهم كما أن ميل بعض الأشخاص إلى الشعور بعدم الرضا يرتبط بعدم رغبتهم في اتخاذ القرارات.
إن اتخاذ القرارات كاختيار شريك الحياة أو المسار المهني يعني التخلي عن الاحتمالات الأخرى المتاحة، الأمر الذي يعاني ذوو اضطراب الشخصية الهستيرية من عدم القدرة على تقبله؛ إذ يتميز هؤلاء بحبهم لذواتهم وسلوكياتهم الدرامية وميلهم إلى أسلوب التفكير المطلق ما يجعلهم يرفضون هذا النوع من التقييد، ومن ثم فهم لا يشعرون بالسعادة على الرغم من كل الاحتمالات المتاحة لهم، ويحسدون المحيطين بهم في الوقت ذاته معتبرين أنهم أفضل حالاً منهم.
حبيس طفولته المدللة
ترى منى نفسها "ضحيةً أبديةً للقدر" وتتحدث عن حياتها المهنية التي تتسم بعدم الاستقرار قائلةً: "بعد بضعة أشهر من بدء أي وظيفة جديدة أصاب بالملل والإحباط. وفي الواقع لا أظن أن رؤسائي في العمل يعطونني القيمة التي أستحقها، وكأنهم غير قادرين على إدراك مقدراتي". وجدير بالذكر أن منى لا تسعى إلى إظهار "مقدراتها" بل ترى أنه على الآخرين إيلاء الاهتمام الكافي لاكتشافها.
ترجع مشكلة الشخص الذي يعاني من شعور دائم بعدم الرضا، كما في حالة منى، إلى أن رغباته في مرحلة الطفولة كانت تُلبى قبل أن يعبر عنها حتى. ولكي يتمكن من توليد المزيد من الرغبات فهو يرفع سقفها إلى درجة أنه يخترع مطالب يستحيل تحقيقها في محاولة منه ليقول لمن حوله: "أنتم عاجزون عن إرضائي ومنحي ما أرغب به". ومن جهة أخرى يولد الإفراط في تدليل الطفل قناعةً لديه عندما يصبح راشداً بأن حاجاته يمكن تلبيتها على الفور؛ ما يجعل الإحباط الذي قد ينجم عن التفكير بهذه الطريقة لا يُحتمل بالنسبة إليه.
على الرغم من امتلاكها كل أسباب السعادة فإنها تجد دائماً سبباً للشكوى. تقول سلوى ذات الـ 28 عاماً: "الأمر أقوى مني ومهما أعطتني الحياة أشعر دائماً بأنني أرغب في الحصول على ما لم تعطني إياه". يرى الفيلسوف ومختص التحليل النفسي فرانسوا روستانغ أن ميل الإنسان إلى الشكوى يرتبط برفضه غير الواعي للسعادة.
شعور غير واعٍ بالذنب
تقول سعاد ذات الـ 29 عاماً: "يلومني شريكي دائماً بسبب ميلي إلى انتقاد الآخرين وعدم الشعور بالرضا عن نفسي أو عن الإنجازات التي أحققها في الحياة الشخصية أو المهنية وأنا بالفعل لا أجيد الاحتفال بالأحداث الإيجابية". في معظم الأحيان يؤمن الأشخاص الذين يشعرون بعدم الرضا، كما سعاد، بالخرافات وبضرورة عدم التعبير عن سعادتهم مخافة أن يؤدي ذلك إلى تلاشي هذه السعادة وكأن الأمر نوع من السحر. أما من منظور علم النفس فيرى المختصون أن هذا السلوك يرتبط بالشعور غير الواعي بالذنب في المرحلة المبكرة من الطفولة.
فخلال فترة عقدة أوديب يشعر الطفل بمتعة كبيرة بسبب الحب الذي يكنّه لوالدته أو والده، ومن ثم فإن خوفه من "انتقام" الوالد الآخر يجعله يبالغ في لوم نفسه. ولمّا كان اللاوعي يتجاهل الزمن ويرفض "تنبيهه" إلى أنه قد كبر فإن الراشد يستمر في لوم نفسه؛ ما يؤدي إلى عدم ثقته بأي حالة من حالات السعادة الشديدة وتعامله مع نفسه بقسوة.
كيف تتعامل مع الشعور بعدم الرضا؟
اسرد بعض أسباب السعادة
يمكنك أن تجد 5 أسباب لتشعر بالسعادة كل يوم مهما كانت صغيرةً وبسيطةً عبر استخدام صيغة إيجابية. على سبيل المثال يمكنك أن تقول :"سأكون قادراً أخيراً على إعادة ترتيب شقتي بطريقة صحيحة" بدلاً عن: "حالة شقتي مريعة وعليّ أن أنتهي من تخزين أكوام من الأغراض قبل حلول المساء".
عبّر بطريقة إيجابية
"لقد كان المعرض مثيراً للاهتمام لكنه كان مزدحماً" من الجيد أن تتحلى بالتفكير النقدي شريطة ألا تعبر عنه في ختام كلامك. لذا سنحاول في هذا المثال أن نعكس أساليب التعبير فنقول: "لقد كان المعرض مزدحماً، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت زيارته تستحق العناء" فإنهاء الكلام بعبارات إيجابية يبقي الحوار مفتوحاً.
أعد التركيز على نفسك
إن ملاحظات من قبيل: " لديك كل مقومات السعادة، عليك أن تفكر بأولئك الذين يعانون" هي في الحقيقة ملاحظات سلبية تجعلك تشعر بالذنب وتمنعك من التعرف إلى نفسك بطريقة أفضل. ولتتمكن من وضع أهداف قابلة للتحقيق فإنه من الضروري أن تعيد التركيز على ذاتك من خلال سؤال نفسك: "ما الذي أحتاجه بالفعل لأشعر بالرضا؟". بعد ذلك اكتب رغباتك واختر ما تعتقد أنه يمكن تحقيقه منها ثم فكّر بالخطوات التي عليك اتخاذها في سبيل ذلك.
تقبّل النقص
إن العيش بسعادة يعني أن يعرف المرء كيف يتقبل عيوبه ونقائصه وبمعنىً آخر أن يتسامح مع نفسه ويصل إلى الشعور بالسَكينة وذلك من خلال تغيير طريقة تفكيره. ويمكن أن تساعد ممارسة الاسترخاء أو اليوغا أو التاي تشي (التأمل الحركي) في الوصول إلى حالة الاسترخاء المطلوبة و تجنب الجمود الذهني والجسدي.
نصيحة للمحيطين
إن الاستماع على الدوام إلى شكاوى الأشخاص الذين يشعرون بعدم الرضا لن يحل المشكلة؛ إذ يجب أن يتحمل هؤلاء مسؤولية المفاضلة بين رغباتهم التي غالباً ما تكون متناقضة، وأن يتحلوا بالشجاعة الكافية لتحديد اختياراتهم والالتزام بها. على سبيل المثال: يتطلب الذهاب إلى ممارسة التزلج تقبل الأجواء الباردة لكنها رياضة رائعة في النهاية. وكذلك فإن الاستمتاع بالبحر يعني تقبل درجات الحرارة العالية واسمرار البشرة الذي تسببه أشعة الشمس. لذا فإنه من المهم إدراك أن لكل متعة ثمنها وأن الحصول على شيء ما يعني التخلي عن آخر.
"هكذا تغلبتُ على شعوري بعدم الرضا"
يقول كمال ذو الـ 33 عاماً وهو صحفي:
"كل ما حلمت به عندما كنت وحيداً هو إنشاء أسرة وعندما دخلت في علاقة عاطفية افتقدت للحرية التي نعمت بها عندما كنت عازباً، فأنا لم أعرف أبداً ما الذي أريده بالفعل. لذا فقد بدأت منذ 3 سنوات بالبحث عن الأسباب وأدركت أن شعوري المستمر بعدم الرضا يعود إلى إفراط والديّ في تدليلي؛ إذ كنت الأصغر بين 3 أولاد. وفي الوقت ذاته لطالما شعرت بأن شقيقي الذي يكبرني بتسع سنوات أفضل مني، فقد كان متميزاً في الدراسة والألعاب الرياضية وفي حياته الخاصة أيضاً.
تحدثت مؤخراً مع والديّ حول هذا الأمر وقد أثار ما أفكر فيه استغرابهما الشديد وأكدّا لي أنني كنتُ أكثر حظوةً لديهم من أخي، وعرفتُ أيضاً أن شقيقي هذا كان يقدّرني بالفعل وتحدثنا معاً حول الأمر، ومنذ ذلك الحين أصبحت الأمور أبسط بالنسبة إلي وتعلمت أن أشعر بالرضا عن نفسي وعن ما لدي. كل ما كنت أحتاج إلى معرفته هو أن مكانتي في عائلتي كانت مستحقةً".