لا تخلو مرحلة الطفولة من الأحداث الصادمة التي تحتاج لرعاية وانتباه الوالِدين ومقدمي الرعاية، وتتميّز تلك الأحداث بمساهمتها في ظهور أعراض وعلامات صدمات مرحلة الطفولة النفسية؛ ما يستدعي تدخل المختصين النفسيين.
ولحسن الحظ، فيمكن أن يساعد توفير العلاج المناسب للأطفال في إيجاد أساليب فعّالة للشفاء والتعامل السليم مع آثار التجارب أو الأحداث الصادمة.
دعونا نتعرف معاً على صدمات مرحلة الطفولة النفسية وأنواعها وماهيتها ومدى انتشارها عربياً وعالمياً وأثرها النفسي والعقلي على الأطفال وأساليب العلاج المتاحة لها.
صدمات مرحلة الطفولة النفسية
يشير مصطلح "صدمات مرحلة الطفولة“ (Childhood Trauma) إلى الأحداث المخيفة أو الخطيرة أو العنيفة أو المُهدِّدة للحياة التي تحدث لأي طفل من حين ولادته حتى بلوغه الـ18 من العمر، بحسب مركز تقييم صدمات الأطفال التابع لجامعة نورث ويسترين الأميركية.
وقد لا يكون الطفل هو الهدف الأساسي لهذا النوع من الأحداث، فحتى رؤية أو سماع تَعرُّض شخص يعرفه أو أي شخص آخر للأذى أو الإصابة قد يعني تأثره بذلك. وعندما يقع الطفل ضحية لأي نوع من هذه التجارب الصادمة، فقد يصبح مرتبكاً ومنزعجاً للغاية، أو يبدو عليه الشعور بالعجز.
ما هي التجارب أو الأحداث الصادمة؟
يعبر مصطلح التجربة الصادمة أو الحدث الصادم (Traumatic Event) عن كُل حدث مخيف أو خطير أو عنيف، بحسب مركز تقييم صدمات الأطفال التابع لجامعة نورث ويسترن الأميركية.
ويمكن أن يكون الحدث مؤلماً عندما يحمل تهديداً مباشراً للطفل أو أحد أحبائه المقرّبِين، وغالباً ما يتبعه إصابة خطيرة أو ضرر؛ ما يجعله يُسبِّب مشاعر خوف أو خسارة أو ضيق عندما يحدث.
أنواع صدمات مرحلة الطفولة النفسية
تختلف صدمات مرحلة الطفولة النفسية في أثرها على صحة الطفل النفسية والعقلية وحتى الجسدية، وذلك الاختلاف نتيجة الفرق بين إما أن يكون الطفل نفسه الهدف بشكل أساسي ومباشر، أو أن يكون هدفاً أساسياً ولكن غير مباشر.
وحسب تقارير إدارة خدمات إساءة استخدام المواد المخدرة والصحة النفسية الأميركية (SAMHSA)، فصدمات مرحلة الطفولة النفسية المُحتَملة يمكن أن تشمل أيّاً من الآتي:
- الإهمال.
- اللجوء أو الحروب.
- الاستغلال الجنسي التجاري.
- العنف في المجتمع أو المدرسة.
- مشاهدة أو التَعرُّض للعنف المنزلي.
- الكوارث الوطنية أو الحوادث الإرهابية.
- الاعتداء (Assault) الجسدي أو الجنسي.
- فقدان شخص عزيز بشكل مفاجئ أو عنيف.
- الحوادث الخطيرة أو الأمراض التي تهدد الحياة.
- الاضطهاد (Abuse) النفسي أو الجسدي أو الجنسي.
- الضغوطات النفسية المتعلقة بالأسرة كغياب الوالِدين أو إصابتهم أو وفاتهم.
ما مدى انتشار صدمات مرحلة الطفولة النفسية عربياً وعالمياً؟
في الدول العربية، ومع تعذُّر وجود مسوحات وطنية أو إقليمية متكررة في أغلب الدول، فمن الممكن التكهّن بأن الحال قد يكون أكثر سوءاً، بالنظر إلى قائمة صدمات مرحلة الطفولة النفسية المُحتَملة السابقة، ومقارنتها بما قد يعيشه الأطفال العرب تحت سن الـ 18 عاماً.
بالإضافة إلى ما سبق، فبعض دول الشرق الأوسط ما زالت تعاني من آثار اللجوء والإرهاب والصراعات الداخلية والخارجية التي أنتجت وضعاً مأساوياً بالنسبة للأطفال وحتى الكبار، حسب دراسة نُشِرَت عام 2018 لصالح المجلة الدولية للحروق والصدمات (IJBT).
بالمثل؛ زادت تلك التغيّرات أيضاً من المشاكل الصحة النفسية والعقلية المرتبطة بالصدمات، وأدت إلى تقليل المختصين والمرافق النفسية التي يمكن أن تساعد في العلاج بشكل سليم.
على الصعيد العالمي، وحسب خبر صحفي يعود لمنظمة الصحة العالمية ونُشِرَ عام 2020؛ تُشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى مليار طفل تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاماً قد تعرضوا للعنف الجسدي أو الجنسي أو العاطفي أو الإهمال في العام الماضي.
كيف يمكن أن تؤثر صدمات مرحلة الطفولة النفسية علينا؟
يختلف تأثير صدمات مرحلة الطفولة النفسية باختلاف عمر الطفل الذي عانى أو يعاني منها، حسب مقالة الدكتورة جاكلين جونسون (Jacquelyn Johnson)؛ طبيبة نفسية إكلينيكية مرخّصة وكاتبة لصالح منصة هيلث لاين (Healthline).
بالتالي؛ تختلف العلامات والأعراض الشائعة التي يجب الانتباه لها، ففي الأطفال في سن ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، يظهر ما يلي:
- قلق الانفصال.
- الحالات المزاجية السيئة.
- زيادة العدوانية والغضب.
- انخفاض شهية الطفل.
- صعوبة النوم وزيادة الكوابيس.
- البكاء أو التصرف بشكل سلبي.
- مشاعر وعواطف القلق والخوف.
أما المراهقون، فقد تظهر لديهم العلامات والأعراض الشائعة المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى ما يلي:
- اضطرابات الأكل.
- الشعور بالاكتئاب.
- صعوبة التركيز.
- سرعة التهيّج والغضب.
- انخفاض المستوى الأكاديمي.
- الانعزال عن الأنشطة الاجتماعية.
- ظهور سلوكيات إيذاء النفس الأخرى.
- لوم الذات على ما حدث في شكل الشعور بالذنب والعار.
- زيادة في السلوكيات السلبية مثل تناول المشروبات الكحولية أو المواد المخدرة.
ما العلاج المتاح للصدمات النفسية في مرحلة الطفولة؟
حسب المقالة السابقة للدكتوره جاكلين؛ يمكن أن تسبب صدمات مرحلة الطفولة النفسية آثاراً سلبية على الفور أو في المستقبل. إلا أن توفر العلاجات النفسية وتنوعها يمكن أن يساعد بشكل فعلي في تحديد المحفزات، وتطوير استراتيجيات للتأقلم وتقليل الأعراض المصاحبة، وكل ذلك في بيئة آمنة وداعمة للطفل.
وفيما يلي بعض طرق العلاج الشائعة؛ والتي يمكن استخدامها في الخطط العلاجية للأطفال:
- العلاج بالفن.
- العلاج باللعب.
- العلاج بالتعرض المطول (PE).
- علاج التعرض السردي (NET).
- إزالة حساسية حركة العين وإعادة معالجتها (EMDR).
- علاج المعالجة المعرفية (Cognitive Processing Therapy).
- العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات (TF-CBT).
في الختام؛ يجب على الوالِدين ومقدمي الرعاية والمجتمع توفير البيئة الأنسب لتنشئة الأطفال، فليست العائلة وحدها مصدر صدمات مرحلة الطفولة؛ إنما الكثير من الأحداث والتجارب داخل المنزل وخارجه، وذلك يستوجب توزيعاً شبه متساوٍ لكعكة المسؤولية على أصحاب المصلحة.