ملخص: يمكن أن يكون للصعوبات والخسائر الاقتصادية تأثير دائم في الصحة النفسية، فالصدمات المالية على سبيل المثال تؤثر في العلاقات واحترام الذات وعادات الإنفاق، وغالباً ما تؤدي إلى الشعور بالقلق والاكتئاب، فما أسباب الصدمات المالية؟ وكيف تؤثر في صحتنا النفسية؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
نحن نتعامل مع الأمور المالية على نحو أساسي في حياتنا اليومية، وقد يبدو التعامل اليومي مع المال سهلاً وذلك باعتباره أرقاماً مجردة وحسابات ثابتة؛ لكن الحقيقة ليست كذلك، فالأمور المالية يمكن أن تكون مصحوبة بالكثير من العبء العاطفي والنفسي. وفي حين أن بعض الناس يتمتعون بامتياز عدم القلق أبداً بشأن المال، فقد اعتاد كثيرون آخرون على ربط المال بالتوتر، وانعدام الأمن، وحتى الشعور بعدم الجدارة. هذه العلاقة السلبية بالمال يمكن أن تكون مرتبطة بالصدمات المالية التي قد تعرقل بدورها طرائق التعامل مع المال في الحياة اليومية، فما قصة الصدمات المالية؟ وكيف يمكن أن تؤثر في نفسية الأفراد؟ إليكم الإجابة من خلال هذا المقال.
ما المقصود بالصدمة المالية (Financial Trauma)؟
يمكن تعريف الصدمة (Trauma) على أنها اضطراب عاطفي أو نفسي شديد ناتج من استجابة لتجربة مؤلمة أو مزعجة للغاية. وقد صاغ أستاذ علم النفس غالين بوكوالتر (Galen Buckwalter) مصطلح "الصدمة المالية" في أثناء عمله في شركة (Happy Money) الناشئة لخدمات القروض، وقد كان يقصد بالصدمة المالية حالة التوتر الشديد والقلق التي يشعر بها الناس تجاه التزاماتهم المالية.
ويشرح بوكوالتر إن العديد من الأشخاص لديهم قدر كبير من الخوف تجاه الأمور المالية إلى درجة أنهم يشعرون بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ذاتها، وعلى الرغم من أن الصدمة المالية ليست تشخصياً نفسياً رسمياً، فإنها تصف على نحو دقيق رد فعل بعض الأشخاص المختل تجاه الأمور المالية.
كيف تفرق بين الصدمة والضغوط المالية؟
تُعد الضغوط المالية جزءاً من الحياة بالنسبة إلى الكثيرين منا؛ وهذه حقيقة معترَف بها عالمياً، وبخاصة أن تكلفة المعيشة باهظة الثمن. وفي الكثير من الأحيان، لا تكفي رواتبنا لتلبية أنماط حياتنا المرغوبة؛ ما يؤدي إلى القلق والتوتر بشأن أمورنا المالية.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر يمكن أن يسبب أعراضاً نفسية وجسدية للعديد من الأفراد فإن الصدمة المالية لها جذور أعمق؛ حيث إنها تتجسد في مجالات متعددة من حياة الفرد وغالباً ما تمنعه من الشعور بالنجاح أو الأمان أو الراحة فيما يتعلق بالمال، وحين تترسخ الصدمة المالية لفترة طويلة، لا يمكن التخلص منها بسهولة، وتنتقل من جيل إلى جيل بوصفها أنظمة معتقدات غير واعية.
وتوضح باحثة الصدمات المالية، شانتيل تشابمان (Chantel Chapman)، إن الفرق الحاسم بين الضغوط والصدمات المالية هو أن الضغوط من الممكن أن تحفزنا إذا كانت لدينا استراتيجيات للتعامل معها؛ في حين أن الصدمة المالية تمنعنا من اتخاذ أي خطوات مفيدة.
اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات
ما أسباب الإصابة بالصدمات المالية؟
يمكن أن تنتج الصدمات المالية من أحداث واسعة النطاق مثل الوباء العالمي أو الركود الاقتصادي، أو أحداث أصغر مثل البطالة، ويمكن أيضاً أن تنتقل عبر الأجيال داخل الأنظمة الأسرية، وتشمل الأسباب المحتملة للصدمة المالية ما يلي:
- تأثير الفقر: يؤثر الفقر على نحو كبير في الصحة النفسية، ومن الممكن أن يؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطرابات الطعام واضطراب تعاطي المواد المخدرة؛ حيث إن عدم كفاية الموارد المالية الناجم عن الفقر يسبب الصدمات المالية المتعاقبة وهي أحداث لا تستطيع عقولنا وأجسادنا معالجتها مثل تجارب الحياة المعتادة.
- تراكم الديون: يمكن أن تؤدي الديون الكبيرة إلى القلق المالي، وأيضاً إذا كانت لدى شريكك ديون كثيرة فقد يؤدي ذلك إلى صدمة مالية لديك! بالنسبة إلى البعض، تراكم الديون هو سلوك إدماني وقهري.
- نكسات الحياة الكبرى: مثل العيش في فقر لمدة طويلة أو خسارة مدخراتك جميعها، وممكن أن تتجسد النكسات أيضاً في فقدان الوظيفة أو إفلاس مشروعك التجاري أو الطلاق أو وفاة عائل الأسرة.
- انتقال الصدمة المالية عبر الأجيال: تنتقل الصدمة المتعلقة بالمال عبر الأجيال؛ حيث تؤكد أستاذة علم النفس تريسي ويليامز (Traci Williams) إن الطفل الذي شهد والديه يتجادلان حول المال قد يكبر ليصبح شخصاً بالغاً لا يشعر بالارتياح عند الحديث عن الأمور المالية، وإذا عانى الطفل الفقر في الصغر فقد يصبح بالغاً يشعر بالإرهاق عند اتخاذ القرارات المالية.
وفي سياق متصل، توضح باحثة الصدمات المالية شانتيل تشابمان إن العادات المتعلقة بالمال تنتقل أيضاً عبر الأجيال، فإذا كان لديك جد يعاني الندرة المالية فمن الممكن أن يطوّر والداك بعض آليات التكيف التي تؤثر فيما بعد في نظرتك إلى المال.
اقرأ أيضاً: دليلك للنجاة بصحتك النفسية من الأزمات المالية
8 أعراض للصدمة المالية
تتشابه أعراض الصدمة المالية مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؛ حيث تشمل العصبية والتوتر والقلق بالإضافة إلى ما يلي:
- اضطرابات النوم: يمكن أن تؤدي الصدمة المالية إلى مواجهة صعوبة في النوم أو النوم لساعات طويلة وذلك بسبب التفكير الزائد في الأمور المالية.
- سلوكيات التجنب: قد تشمل هذه السلوكيات تجنب فتح الفواتير والبيانات المالية، وعدم تسجيل الدخول إلى بطاقة الائتمان أو الحسابات المصرفية، ورفض الاستماع إلى نصائح المحيطين بخصوص الحد من الإنفاق، وما إلى ذلك.
- القلق المالي: بمعنى العصبية والخوف المفرط من التفكير في الأمور المالية.
- اضطرابات الشهية: قد يعاني بعض الأشخاص نقصَ الشهية أو الإفراط في تناول الطعام استجابةً للصدمة المالية.
- الاجترار: تعتقد مقدمة بودكاست أباجورة، لبنى الخميس، أن الأفراد الذين يعانون الصدمات المالية يجلدون أنفسهم على قراراتهم المالية السابقة، والاجترار في هذه الحالة لا يتوقف عند الإحساس بالذنب لكنه يشل المحاولات لاتخاذ قرارات جديدة كلها.
- شلل التحليل: قد يشعر بعض الأفراد بالتجمد عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات مالية بسيطة مثل شراء البقالة.
- الإنفاق العاطفي: بمعنى الإصابة بهوس الشراء من أجل سد فراغ داخلي تعانيه أو للهروب من صدمات مالية تعرضت إليها، أو في محاولة للعلاج النفسي الذاتي، أو حتى باعتباره طريقة سريعة لتحقيق الشعور بالكفاية.
- قلة الإنفاق المالي: هو علامة على ما يُعرف بـ "صدمة الفقر" التي تنبع من مشاعر الخوف والندرة بسبب أحداث الماضي.
ما تأثير الصدمات المالية في صحتك النفسية؟
تؤثر الصدمات المالية في الصحة النفسية والجسدية للشخص، ويمكن أن تضعف أيضاً علاقاته وإنتاجيته وأدائه في العمل، وتشمل الآثار المحتملة للصدمة المالية ما يلي:
- إدمان العمل: غالباً ما يكون إدمان العمل استجابةً للصدمة المالية؛ حيث يعمل الشخص على نحو مفرط لتجنب الصعوبات المالية أو الصدمات المستقبلية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق الأمر الذي يسبب مضاعفات خطِرة على الصحة النفسية والجسدية.
- الخلل الأسري: يمكن أن تزيد الصدمة المالية احتمالية حدوث الخلل الأسري؛ حيث يواجه أفراد الأسرة صراعاً ناجماً عن المشكلات المالية؛ وهذا يؤدي إلى تزايد الخلافات بين أفراد الأسرة وقد يدمر الزواج، ويؤثر سلباً في الأطفال.
- سلوكيات التدمير الذاتي: إذا تفاقمت الصدمات المالية فمن الممكن أن تؤدي إلى سلوكيات التدمير الذاتي مثل إدمان المواد المخدرة أو المقامرة التي قد ترتبط بالصدمات المالية؛ لأن الأشخاص يبحثون عن حل سريع بسبب اليأس.
- اضطرابات الصحة النفسية: يمكن أن تؤدي الصدمة المالية إلى اضطرابات صحية نفسية مستمرة بما فيها تدني احترام الذات، واضطراب القلق العام، واضطراب الهلع، والاكتئاب، والأفكار الانتحارية.
- الإصابة بالأمراض المزمنة: يعمل التوتر الطويل الأمد على إطلاق هرمونات يمكن أن تؤدي إلى إرهاق العقل والجسم؛ ما يزيد احتمالية الإصابة بالسكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
كيف تتعامل مع تأثيرات الصدمات المالية؟
ثمة استراتيجيات مختلفة للتعامل مع آثار الصدمات المالية، وغالباً ما تحتاج تلك الاستراتيجيات إلى بعض الوقت؛ لذا كن لطيفاً مع نفسك في أثناء اكتشاف الطرائق الأفضل بالنسبة إليك ومن بينها:
- تغيير عقليتك: بدلاً من التركيز على الأخطاء التي حدثت في الماضي، حاول تغيير عقليتك. لا تفكر في الفواتير المتأخرة والأقساط المستحقة بل ركز على ما لديك، وعلى الرغم من أن هذا التركيز لن يدفع لك الفواتير المستحقة، فإنه سيجعلك شخصاً مستعداً على نحو أفضل لمعالجة مشكلتك مع شعور أقل بالذعر والإرهاق.
- تعلُّم مهارات مالية صغيرة: عندما نعرف أفضل، يمكننا أن نفعل ما هو أفضل! في بعض الأحيان، يأتي جزء كبير من مشكلاتنا المالية من عدم المعرفة الكافية. وعلى الرغم من أن إدارة الأموال والادخار والاستثمارات تُعد مفاهيمَ ضخمة، فإن هناك عدداً كبيراً من الكتب والموارد على الإنترنت التي يمكن الوصول إليها لتعلم الثقافة المالية.
- طلب المساعدة: يمكن أن يوصلك التحدث عن صدمتك المالية إلى الأصدقاء أو العائلة أو المعالجين النفسيين إلى حل أفضل للمشكلة، كما يمكن أن يساعدك أيضاً على معرفة أنك لست وحدك ويعزز صحتك النفسية والجسدية.
- السيطرة على القلق والتوتر: السيطرة على القلق والتوتر أمر بالغ الأهمية؛ لذا تأكد من حصولك على قسطٍ كافٍ من النوم، ولا تنسَ ممارسة الرياضة والاهتمام بنمط التغذية، بالإضافة إلى ممارسة الرعاية الذاتية الجيدة.
- التعاطف مع نفسك: احترم الصدمات المالية التي تعرضت إليها وتذكر كيف أثرت فيك عاطفياً وروحياً ومالياً. توقف عن لوم نفسك ولا تحكم عليها على نحو قاسٍ، وانظر إلى التحديات الماضية باعتبارها فرصاً للتعلم والنمو وزيادة المرونة.
في النهاية، عليك أن تعلم جيداً أن الصدمات المالية شائعة الحدوث، وبخاصة في ظل الأوقات العصيبة اقتصادياً. وعلى الرغم من أنها تؤدي إلى تأثيرات نفسية وجسدية واجتماعية وعاطفية مؤلمة، فإنها يمكن أيضاً أن تكون تجربة تساعدك على النمو، ولا تنسَ طلب المساعدة وزيارة الطبيب النفسي إذا لم تتحسن الأوضاع.