هل يؤدي تنفيذ أوامر الوالدين باستمرار لضعف الثقة بالنفس؟

3 دقائق
آن دوفومانتيل

تشرح لنا الفيلسوفة والمحللة النفسية "آن دوفومانتيل" كيف يستمر تأثير أوامر الوالدين التي جعلتنا غير واثقين بأنفسنا، وتوضح أن رفق المرء بنفسه هو وحده القادر على تحريره من هذا التأثير.

علم النفس: هل ضعف الثقة بالنفس الذي يشعر به الكثير منا مرتبط بالسياق المتذبذب الذي نعيش فيه فحسب؟

تجيب "آن دوفومانتيل": قد أجازف بأن يبدو رأيي متطرفاً عندما أقول أنه لا وجود "لضعف الثقة بالنفس". عندما نعتقد أننا نفتقر إلى الثقة بالنفس يكون ما نفتقر إليه حقاً هو الثقة بالآخرين، وهذا قبل كل شيء نتيجة تاريخنا الشخصي، حتى لو ساد انعدام الثقة فعلياً في وقتنا الحالي وجُرِّدت العلاقات من الإنسانية وهوجمت أواصر التضامن. إن شعور المرء بأنه ليس على القدر الكافي من الكفاءة أو الحزم أو الجاذبية -أو أنه ليس أهلاً لأداء مهمة ما- هو حصيلة قيود انعدام الثقة بالنفس في مرحلة الطفولة. إن المتطلبات المقلقة و"الواجبات" و"كل ما نلزم به أنفسنا" ونشعر بالفشل عند مواجهته نرثه من جميع الأوامر الأخلاقية والأبوية التي تأصلت فينا والتي تشكل داخلنا الأنا العليا (قانوننا الداخلي). كل منا كان طفلاً قيدت قدراته هذه المخاوف التي تلقاها من الآخرين والبالغين ليثقلوا بها كاهله. فمثلاً حتى يشعر الطفل بأنه محبوب في بعض الحالات لم يكن أمامه خيار سوى التصرف كما أُملي عليه إلى أن يصل أحياناً إلى نقطة يفقد فيها بوصلته الذاتية وإحساسه بكيانه وشعوره برغباته الحقيقية.

كيف يشتت الإحساس بعدم أهليتنا لمهمة؛ والذي نفسره بأنه ضعف في الثقة بالنفس، انتباهنا عن سلطتنا على أنفسنا؟

تجيب "آن دوفومانتيل": يمثل هذا الإحساس في معظم الأحيان ذريعة ملائمة ننسب إليها محطاتنا الفاشلة في الحياة، مثل الامتحانات التي نرسب فيها والإنجازات غير المكتملة والمشاريع التي نؤجلها مراراً إلى اليوم التالي. في الواقع إن الاضطراب العصبي هو الذي يدفعنا للتكرار والتعثر بالعقبات ذاتها دوماً ومواجهة خيبات الأمل نفسها والوقوع في المآزق عينها بهدف إبقائنا في العالم المألوف لنا وضمان عدم استبدال أي شيء فيه على الإطلاق. من الواضح أننا لا نعي ذلك ونعتقد أننا نجازف كثيراً عندما ننتقل من وظيفة إلى أخرى أو من رفيق إلى آخر؛ لكنها المعادلة اللاواعية التي تتحكم فينا دائماً. يحرك هذا التكرار الرغبة في إصلاح الماضي، كما أنه شكل من أشكال الولاء لأمنا أو أبينا في طفولتنا؛ أي أول شخص آخر غير أنفسنا نريد حمايته ومنحه حق التحكم بنا حتى لو كان يؤذينا. لاستعادة المرء لسلطته على نفسه عليه التحرر من هذه القبضة والتجرؤ على عصيان ذلك الشخص الآخر في داخله.

كيف نجد سلطتنا المفقودة؟

تجيب "آن دوفومانتيل": يمنحنا التصرف بجرأة والمجازفة واتخاذ قرارات حاسمة إحساساً مؤقتاً بالقوة والسلطة؛ لكن هذا لن يكون سوى اندفاع طائش يوقعنا في شرك الأنا العليا الصارمة التي لا تتسامح مع أي ضعف. ستكون الأولوية لأخذ قسط من الراحة أولاً: لا تفعل شيئاً وقاوم غريزة إصدار الأحكام وتحقيق الرغبات ومن المعروف في الفلسفة الشرقية مدى فعالية حالة "الجمود" هذه. تكشف فترة الانقطاع هذه أنفسنا أمامنا وتعلمنا ما نجهله كالحلم وليس علينا إلا أن نتركها "تتغلغل" داخلنا. يؤدي هذا إلى خلق مساحة داخلية هادئة ندخل من خلالها في علاقة اهتمام تجاه أنفسنا والعالم حولنا؛ مساحة رفق نتقبل فيها جهلنا وعدم فهمنا وضعفنا، فيُجمع شتات جميع جوانب وجودنا التي تشمل الجوانب التي نستنكرها فنعتقد أن علينا أن ننصرف عنها. إن محاولتنا جعل هذه الجوانب حليفة لنا تمكننا من استعادة بعض الحرية، وبعد فترة تتشكل مسارات لم نكن نتوقعها تعيدنا إلى طريقنا نحو استعادة السلطة على أنفسنا.

حتى يشعر المرء بسلطته على نفسه حقاً؛ ألا يجب عليه أن يخرج من حالة الجمود في مرحلة ما رغم كل شيء؟

تجيب "آن دوفومانتيل": بالتأكيد. لكن قبل أن نكون قادرين على التصرف بوعينا يجب أن نحرر أنفسنا من المنطق العصبي: بالتوقف عن اعتبار أن "الحياة الحقيقية تبدأ غداً"، لاحقاً، عندما نكون مستعدين، واثقين بما يكفي، نحيفين، أقوياء، أو أياً كان، ثم علينا أن نتجاوز المنطق الثنائي "كل شيء أو لا شيء": أن أكون الأول أو لا أكون أبداً. يبدو لي مسار الرفق هنا أيضاً هو أفضل استراتيجية نتبعها. ابدأ بعزف ثلاث نوتات موسيقية ولا تنتظر أن تصبح عازفاً في حفلة موسيقية. لا تحتاج إلى أن تكون واثقاً من نفسك حتى تؤدي هذه الخطوات الجزئية. هكذا تعيد بناء سلطتك الداخلية خطوةً تلو الأخرى.

المحتوى محمي