كيف يؤثر هوس الاستعجال في صحتنا النفسية؟ وما هي طرق التغلب عليه؟

3 دقائق
هوس الاستعجال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

أصبح الاندفاع بين المهام المختلفة أمراً لصيق الصلة بحياتنا اليومية، شخصية وعملية. ما أن نستيقظ من نومنا حتى تنهال علينا أفكار بما يجب إنجازه اليوم، وما لم نتمكن من إتمامه بالأمس وعلينا أن نكمله اليوم.
تبدو جميع أيام الأسبوع محمومة، حتى أيام الإجازات، فما نلبث أن نبدأ بأمر ما حتى نندفع لإنجاز أمر آخر؛ ننتقل في عملنا بين اجتماع وآخر، حتى دون إتمام ما هو مطلوب منا، كذلك في أيام الإجازات التي نحاول أن نملأها بالعديد من الأنشطة ونتنقل بينها، دون الاستمتاع الكلي بأي منها، حتى لا نشعر بأننا نفقد شيئاً.

فما هو ذلك الأمر الذي يجعلنا دائماً في وضعية التنقل بين مهمة وأخرى دون راحة؟ وكيف يمكن التغلُّب عليه؟

هوس الاستعجال

تمت صياغة مصطلح "هوس الاستعجال" (Hurry Sickness) من قبل أخصائي أمراض القلب "ماير فريدمان" (Meyer Friedman) في كتابه الصادر عام 1985 بعنوان "إلحاح الوقت وصحة قلبك" (Type A Behavior and Your Heartوهو ليس مرضاً فعلياً.

في تلك الحالة، قد تشعر دائماً بالاندفاع أو القلق، ويكون لديك شعور بالإلحاح لإنجاز الأشياء حتى عندما لا تكون هناك حاجة مُلحّة.

كذلك، يعرف ذلك الأمر بأنه صراع مستمر ومحاولة دؤوبة لإنجاز أو تحقيق الكثير من الأشياء أو المشاركة في الكثير من الأحداث في أقل وقت ممكن، و تشمل أعراضه مستويات عالية من التوتر، وتدهور جودة العمل، بالإضافة إلى التعب.

يفكر الأشخاص المصابون بذلك الهوس بسرعة، ويتحدثون بسرعة ويتصرفون بسرعة أيضاً، فهم يقومون بمهام متعددة ويشعرون بالضغوط لإنجاز الأشياء والارتباك بسبب أي إشارة على وجود مشكلة؛ ما يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية والجسدية، فلقد وجد فريدمان أن ذلك الهوس قد يؤدي إلى مشاكل في القلب مرتبطة بالتوتر.

ما الذي يسبب هوس الاستعجال؟

يتقاطع هوس الاستعجال مع كون الفرد حريصاً بشدة على إنجاز المهام؛ حيث يتمتع الأشخاص الذين يعانون من ذلك الأمر من الحرص على بذل المزيد من الجهد في عملهم، مع وجود صعوبة في وضع حدود لما يمكنهم القيام به وما يفوق قدرتهم. وبالتالي، فإنهم عادة ما يلتزمون بمهام تفوق ما يمتلكونه من وقت حقيقي.

كذلك، يؤدي الخوف من أن يفوتك شىء ما (FOMO) إلى ذلك الهوس، وأن يتردد الفرد كثيراً في الاسترخاء وإبطاء السرعة التي يعمل بها، ويخشى من ألا يبقى على اتصال دائم مع الآخرين خوفاً من أن تضيع صفقة مهمة إذا لم يرد بسرعة على الاتصال.

جدير بالذكر أنه بمجرد أن تبدأ تلك الدائرة من الذعر والتوتر المستمرين؛ يصبح التعوُّد عليها وقبولها أمراً سهلاً، بينما يصعب التوقف عن التفكير بتلك الطريقة، على الرغم من أنها تضر بالصحة.

اقرأ أيضاً: متلازمة البط: أن تكافح من أجل البقاء!

ما آثار هوس الاستعجال على الصحة النفسية؟

في عصرنا الحالي، كثيراً ما يُنظر إلى الانشغال على أنه فضيلة، ولكن عندما يصبح الأمر هوساً فيمكن أن تكون العواقب وخيمة حقاً؛ حيث نفقد القدرة على التوقف والتفكير، ونصبح أقل فعالية.

يزيد مرض الإسراع ذلك من إنتاج الجسم لهرمون الكورتيزول، والذي يمكن أن يسبب مشاكل صحية طويلة الأمد، مثل الاكتئاب والإرهاق. حتى خلال قضاء بعض الوقت مع العائلة أو الأصدقاء، يظل عقلك محبوساً في حالة من الإفراط في التحفيز؛ ما يجعلك متعباً وقلقاً وأكثر عُرضة للتهيُّج.

كيف يمكن التغلب على هوس الاستعجال؟

على الرغم من صعوبة إيجاد طريقة للخروج من تلك الفوضى التي يسببها هذا الهوس، إلا أن الأمر لا يزال ممكناً من خلال العمل بذكاء، وإيجاد استراتيجيات من شأنها إحداث تغيير دائم.

يقدِّم فريق عمل مايند تولز (Mind Tools) بعض الاستراتيجيات التي تتمثَّل في:

  1. تساءل عن سبب مطالبتك بفعل شيء ما: قد يجعلك ذلك الهوس تقبل أداء الكثير من المهام والتي تفوق طاقتك وقدرة تحمُّلك. لذلك، من المهم أن ترفض المهام التي تقع خارج إطار وظيفتك، وتوجيهها للأشخاص المسؤولين عنها. سيكون لديك بعد ذلك مساحة للقيام بعمل أفضل للأشياء المهمة حقاً.
  2. كن أكثر حزماً بشأن ما تقوم به: إذا كنت تعتقد أن تعجُّلك ناتج عن عدم قيام أشخاص آخرين بعملهم بشكل صحيح، فأخبرهم بذلك بإعطائهم ملاحظات واضحة وإسنادها للشخص المسؤول عنها. هذا من شأنه أن يساعدك على تجنب القيام بعمل يجب تفويضه للآخرين.
  3. توقف عن تعدد المهام: لا تعبِّر القدرة على تعدد المهام عن أمر جيد دائماً، فهناك خطر يقع خلفها، وهو توزيع الطاقة والتركيز بين مهام مختلفة؛ ما ينتج عنه إما أنك لن تعمل بأفضل ما لديك أو أنك لن تكمل أي شيء على الإطلاق. بدلاً عن ذلك، ركز على شيء واحد في كل مرة؛ ستؤدي عملاً أفضل ولن تكون في عجلة من أمرك.
  4. طوِّر مهاراتك في إدارة الوقت: تتيح لك الإدارة الجيدة للوقت الاستفادة من يومك بأفضل الطرق الممكنة عن طريق إنجاز المزيد في وقت أقل. عليك أن تحوّل تركيزك من السرعة إلى الفعالية، وامنح وقتاً مخصصاً غير متقطع للمهام المهمة.
  5. تمهَّل: نحتاج جميعاً إلى وقت للتوقف والتفكير لاستعادة منظورنا وتقييم مهامنا. يمكن أن يساعدك أخذ فترات راحة قصيرة منتظمة على تجميع أفكارك بشكل أفضل.
  6. استمتع بإجازتك: يعني ذلك عدم مراجعة بريدك الإلكتروني أو هاتفك من وقت لآخر خلال الإجازة للرد على الرسائل. كذلك، حاول ألا تملأ برنامج الرحلة بالكثير من الأنشطة واترك لنفسك بعض الوقت للاسترخاء وقطع وتيرة "التنقل" الدائمة التي اعتدت عليها.
  7. اطلب الدعم: يمكن لمديرك وزملائك وعائلتك أن يكونوا جميعاً مصادر دعم رائعة، خاصة خلال الأوقات التي تشعر فيها بأنك واقع تحت ضغط عمل كبير لا يمكنك التعامل معه.

وأخيراً؛ إن هوس الاستعجال لن يزيد من إنتاجيتك وكفاءتك، بل سيجعلك دائماً في حالة من الإرهاق والإعياء الشديد والتشتت. لذلك، عليك بتحديد أولوياتك أولاً، ومن ثم بناء خطة تتناسب معها.