كيف يمكن للوحدة أن تقتلك؟ دراسة حديثة تخبرك

4 دقائق
الوحدة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد يرى البعض أن شعور الوحدة مؤلم نفسياً، فالوحيد لا يجد مَن يشاركه أفراحه أو أحزانه أو حتى وجبات طعامه؛ لكن في حقيقة الأمر أن التأثيرات التي تُحدثها الوحدة شديدة العمق والخطورة أيضاً، فقد وجدت دراسة علمية حديثة أنها تزيد احتمالية الوفاة المبكرة، ويرتبط ذلك بالأضرار الصحية الناتجة منها التي يتناولها هذا المقال بالتفصيل.

"عندما لا يكون لديك شخص يمكنك أن تُعِدّ له كوباً من الشاي، أو عندما لا يحتاج إليك أحد، فأنا أعتقد حينها أن الحياة ستكون انتهت". الممثلة البريطانية الراحلة أودري هيبورن (Audrey Hepburn)

قد تبدو الجملة السابقة شاعرية وحالمة بعض الشيء؛ لكن الصادم في الأمر أنها علمية للغاية، فقد توصلت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة غلاسكو (University of Glasgow) ونُشرت نتائجها في نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2023، إلى أن هناك علاقة مثبتة بين الوحدة وزيادة خطر الوفاة.

يؤكد ذلك أيضاً الطبيب النفسي المصري محمد المهدي الذي يرى أن جملة "الوحدة قاتلة" ليست تعبيراً مجازياً، فهي جملة علمية لأن معاناة الوحدة لفترات طويلة تزيد معدل الوفاة المبكرة. ويضيف المهدي إن الأشخاص الوحيدين تتراجع كفاءة أجهزتهم المناعية، إلى جانب إصابتهم باضطرابات صحية أخرى مثل الالتهابات والقولون العصبي والسرطان، وأيضاً معاناتهم اضطرابات نفسية عديدة أهمها القلق والاكتئاب.

الوحدة تزيد احتمالية الوفاة المبكرة بنسبة 39%

أهم نتيجة اكتشفتها الدراسة العلمية الأخيرة هي أن الأشخاص الذين لا يتواصلون مع أصدقائهم أو عائلاتهم ترتفع احتمالية الوفاة المبكرة لديهم بنسبة 39% عن غيرهم. ومن أجل الوصول إلى هذه النتيجة، عمل الباحثون على تتبع حيوات الأشخاص المضمنين في العينة البحثية الكبيرة الذين تجاوز عددهم 458 ألف مشارك في الفئة العمرية بين سنَّيّ 40 و69 عاماً لمدة 10 أعوام على الأقل، ثم تابعوهم مجدداً بعد مرور نحو 12 عاماً ليصلوا إلى النتيجة السابقة.

وأرجع الفريق البحثي نتيجة الدراسة على نحو أساسي إلى أن قضاء الوقت مع الأسرة والأصدقاء يتضمن تقديم نوع من الدعم كما أنه يسهم في ملاحظة ما إذا كان هناك تدهور ملحوظ في صحة الفرد ومن ثم ذهابه إلى الطبيب قبل تفاقم حالته. ومن أهم الأمراض التي يعانيها الأشخاص الوحيدون أمراض القلب والخرف إلى جانب اضطراب القلق.

كيف تُفرّق بين الوحدة والعزلة؟

ربما يحتار مَن يفضل العزلة والبقاء لوقت طويل بمفرده فيما إذا كان، وفقاً لنتائج الدراسة السابقة، قد أصبح معرضاً إلى الوفاة المبكرة أو لا. ولتوضيح الإجابة، يمكننا استعراض الفرق بين الوحدة والعزلة، ففي الواقع أن الوحدة غالباً ما تُفرض على الشخص رغماً عن إرادته؛ بمعنى أنه بغض النظر إذا كان اجتماعياً أو لا فإنه يعيش تفاصيل الوحدة المؤلمة من البقاء في المنزل بمفرده والتنزه دون رفيق والشعور بالضيق من جراء تناوله الطعام في المطعم وحيداً في ظل امتلاء الطاولات المجاورة بالمجموعات.

بينما في حالة العزلة، يكون الأمر اختيارياً تماماً، فالشخص يستمتع بقضاء وقته بمفرده، وهو في الوقت نفسه يحافظ على نسبة معينة من العلاقات الاجتماعية التي تُمكنه العودة لاستئنافها بسهولة متى أراد؛ ما يؤدي في النهاية إلى نوع من التوازن بين قضاءه وقته بمفرده ومخالطة الآخرين.

5 أسباب تؤدي إلى الوحدة

يسهم العديد من الأسباب في معاناة الشخص الوحدة؛ وأهمها:

  1. مواجهة صعوبة في تنظيم العواطف والتعبير عنها، فالأشخاص الذين يخفون مشاعرهم أو يجترونها في صمت، أو يلجؤون إلى أنماط تفكير مشوهة مثل التفكير الكارثي، تقل قدرتهم على التكيف ومن ثم يقعون في فخ الوحدة.
  2. المرور بتغيرات حياتية فارقة مثل الانتقال من مدينة إلى أخرى، أو وفاة شريك الحياة أو الانفصال عنه.
  3. الإصابة بالاكتئاب الذي يؤدي إلى انسحاب الشخص اجتماعياً، وتُعد العلاقة بين الوحدة والاكتئاب متبادلة فهي أيضاً تؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب.
  4. تدني احترام الذات لأن الأشخاص الذين لا يثقون بأنفسهم غالباً يعتقدون أنهم لا يستحقون اهتمام الآخرين أو تقديرهم؛ ما يجعلهم يلجؤون البقاء بمفردهم.
  5. أنماط الشخصية التي تسهم في زيادة احتمالية معاناة الوحدة، فالانطوائيون مثلاً تقل قدراتهم على تنمية روابطهم الاجتماعية ما يزيد انجرافهم إلى الوحدة.

ما تأثير الوحدة في الصحة النفسية والجسدية؟

يتضح لنا من الدراسة العلمية الحديثة التي استعرضناها في بداية المقال أن الوحدة ليست مجرد شعور عابر يتوقف عند حدود الانزعاج منه إنما يمتد إلى أعماق الصحة النفسية والجسدية؛ إذ تؤدي الوحدة إلى معاناة الاكتئاب، وارتفاع معدل القلق، ومواجهة صعوبات في اتخاذ القرار، وتدني القدرة على التذكر والتعلم، وصعوبة النوم ليلاً، وظهور الإرهاق على نحو واضح نهاراً.

وتشير المختصة النفسية إيمي سوليفان (Amy Sullivan) إلى أنه من أهم آثار الوحدة ارتفاع مستوى هرمون التوتر (الكورتيزول) الذي يُضعف القدرات المعرفية، ويضر بجهاز المناعة، ويزيد احتمالية الإصابة بمشكلات الأوعية الدموية والالتهابات وأمراض القلب. وعندما يعيش الشخص وحيداً فهذا يعني أنه يكون أكثر عرضة إلى الإصابة بالخرف مبكراً، بالإضافة إلى زيادة احتمالية إصابته بنزلات البرد بالمقارنة بالأشخاص الذين لديهم علاقات اجتماعية نشطة.

7 إرشادات عملية للتغلب على الوحدة

لا تُعد مهمة الخروج من الوحدة سهلة فهي تحتاج إلى جهد دؤوب وعزيمة؛ لكن يمكن جعلها أسهل باتباع بعض الإرشادات العملية التالية:

  1. ابدأ بخطوات بسيطة لمواجهة وحدتك؛ فيمكنك مثلاً إجراء محادثات بسيطة مع الجيران، أو مع البائع في متجر البقالة القريب من منزلك.
  2. فكر بعد ذلك جدياً في الخروج من دائرتك المغلقة، وابحث عن الأنشطة المجتمعية التي تستمتع بممارستها، وستجد من خلالها أنك بدأت في بناء صداقات وعلاقات اجتماعية جديدة.
  3. لا تستبق الرفض من الآخرين وحاول التركيز على الجوانب الإيجابية في المواقف الاجتماعية.
  4. ركز على تطوير العلاقات الجيدة ونحِّ العلاقات غير الصحية جانباً، وابحث عن الأشخاص الذين يشاركونك القيم والاهتمامات نفسها.
  5. لا تستعجل النتائج واعلم أن الوحدة لن تختفي بين عشية وضحاها، فهي تحتاج منك إلى خطوات متسلسلة تحرص على القيام بها.
  6. شارك معاناتك مع شخص تثق به فذلك يساعدك على رؤية الحلول المتاحة بدرجة أوضح ويخفف عنك وطأة وحدتك. 
  7. لا تتردد في استشارة المعالج النفسي عندما تجد أن محاولاتك للتخلص من الوحدة لا تجدي نفعاً.