ملخص: نعيش اليوم في عالم تزاحمنا فيه الاختيارات اللانهائية؛ ما يجعل عملية اتخاذ القرارات معقدة، وفي بعض الأحيان تكون مصدراً للتوتر، وقد أسهم ذلك في ظهور متلازمة فوبو التي تعني العجز عن الاختيار نتيجة كثرة الخيارات. على سبيل المثال؛ في حال ذهب الشخص إلى المتجر ورأى الاختيارات الكثيرة المتاحة، قد ينتهي الأمر به بعدم شراء أي منتج، والسبب وراء ذلك مواجهته صعوبة في التركيز بالتوازي مع معاناته التوتر المتزايد. ولا تعد متلازمة فوبو سلوكاً جديداً، فهي جزء من تكونينا البيولوجي نتيجة وجود غريزة داخلنا مفادها أن انتظار الخيار الأفضل يعني زيادة حظوظ البقاء؛ لكن هذه الغريزة أصبحت مختلفة اليوم، وربما تكون سبباً في انخفاض معدل راحتنا.
محتويات المقال
يربك هذا الخوف من تفويت الخيار الأفضل المزيد من الأفراد، ولا سيّما في عصرنا هذا الذي أصبحت فيه القرارات كلّها حاسمة. لكن ما هي متلازمة المتردد وكيف تؤثر في حياتنا اليومية؟
حِمل الاختيار الزائد: مفارقة عصرية
يتفق الباحثون على أن الإنترنت فاقم هذه الظاهرة. بفضل منصات مثل أمازون وأوبر إيتس ونتفليكس أصبحت الاختيارات لا محدودة تقريباً؛ وهو الأمر الذي عقّد عملية اتخاذ القرار. ولم تعد وفرة الاختيارات ترفاً بل أصبحت في معظم الأحيان مصدر توتر.
وفي السياق نفسه، اتضح أن هذه الظاهرة التي كانت في الماضي ميزة، أصبحت معوقاً أساسياً لاتخاذ القرارات. تتميز متلازمة فوبو بالعجز عن الاختيار بسبب كثرة الخيارات، وتتجلى غالباً في سلوكيات التجنب. على سبيل المثال؛ يمكن أن يقود تعدد الاختيارات الممكنة خلال التسوق إلى عجز تام عن اتخاذ القرار، ثم إلى استسلام الفرد في النهاية دون شراء أيّ منتج.
اقرأ أيضاً: هل يقيدك ترددك في اتخاذ القرارات؟ إليك 3 نصائح ستفيدك
انعكاسات متلازمة فوبو على الحياة اليومية
أظهرت دراسة أميركية أن قدرة الإنسان على الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات مفيدة؛ لكنها قد تصبح مشكلة عندما تكون الاختيارات كثيرة جداً. فالأشخاص الذين يتعاملون مع العديد من القرارات حتّى لو كانت تافهة يجدون صعوبة في التركيز ويشعرون بتوتر متزايد.
يقول الباحث في المعهد الفرنسي للصحة والبحث الطبي (Inserm) جان دونيزو (Jean Daunizeau) في تصريح لمجلة ناشيونال جيوغرافيك: "الاختيار عملية مرهقة، وقد نفضل أحياناً ألّا نختار ليس لأن ذلك يثير قلقنا؛ بل لأن احتمالية بذل الجهد الذهني المطلوب مسألة منفرة".
ظاهرة متجذرة جداً في طبيعتنا
على الرغم من أن مصطلح "فوبو" شاع في الآونة الأخيرة، فإنه قد ظهر في الحقيقة قبل 20 عاماً للتعبير عن فكرة الخوف من خيار أفضل. وهو يختلف عن مصطلح آخر أكثر شيوعاً هو "فومو" (Fomo) الذي يعني الخوف من تفويت شيء ما (Fear Of Missing Out). ويلاحظ جون دونيزو أن هذا العجز عن اتخاذ القرار ناجم عن عالم الاتصال المفرط الذي يبدو فيه كل شيء ممكناً لكنه يتميز بتزايد صعوبة الاختيار.
ليست متلازمة فوبو سلوكاً جديداً إذاً؛ بل هي جزء من تكويننا البيولوجي. إنها غريزة قديمة تفيد أن انتظار الخيار الأفضل يعني زيادة حظوظ البقاء؛ لكن هذه الغريزة أصبحت مختلفة اليوم وغالباً ما تكون على حساب راحتنا في هذا العالم المشبع بالخيارات.
اقرأ أيضاً: ما هو رهاب اتخاذ القرارات؟ وكيف تتغلب عليه؟