متلازمة البط: أن تكافح من أجل البقاء!

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحوي التجارب الحياتية مزيجاً من التقلبات، ما بين قفزات تنعش الروح بمشاعر إيجابية؛ كالسعادة والشعور بالتفوّق والنجاح، وعثرات ترافقها مشاعر سلبية؛ كالإحباط والقلق والشك بقدراتنا. لكن حين يصبح الأمر سعياً دؤوباً للإنجاز وعدم تقبُّل فكرة الوقوع بالأخطاء أو المرونة في التكيُّف مع الصعوبات، تصبح التجربة عناءً مستمراً.

ففي كثير من الأحيان؛ نساوي لا شعورياً بين شعورنا بالإرهاق نتيجة للانغماس الكامل في المهام اليومية (من جهة) ونجاحنا (من جهة أخرى)، ويصعب علينا تمييز ذلك الحد الفاصل بين الجهد المطلوب وإدمان العمل الذي يؤدي للإنهاك ذي العواقب السلبية العديدة على الصحة النفسية.

يبدأ ذلك الأمر بفقدان البوصلة الداخلية والرؤية الواضحة، وقد ينتهي بالمعاناة من “متلازمة البط” (Duck Syndrome)؛ والتي يحاول فيها الفرد بذل الكثير من الجهد مع الظهور بمظهر الشخص السعيد الهادئ، وإخفاء كل المعاناة التي تعتمل بداخله، حتى يتحوّل إلى إناء ضغط ممتلئ قابل للانفجار في أي لحظة.

ما هي متلازمة البط؟

على الرغم من أنه ليس لمتلازمة البط تشخيص رسمي كاضطراب في الصحة النفسية؛ فإنها تصف العمل بجهد كبير مع محاولة التظاهر بالهدوء وقمع أي شعور بالضيق أو القلق. وهي مثل مظاهر الاكتئاب والقلق الأخرى؛ قد تكون رد فعل على ضغوط الحياة التي تهيئ الشخص للإصابة بأي مرض عقلي.

وفقاً لـ “ماثيو فادوس” (Matthew C. Fadus)؛ الطبيب النفسي وزميل الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA)، فقد أتت تلك التسمية من سباحة البط التي تبدو أنيقة وسهلة من فوق السطح، وهم تحت السطح يضربون الماء بقوة ويجدفون بأقدامهم بشكل محموم. وتعدّ تلك المتلازمة أكثر انتشاراً بين جيل الألفية (Millennials) المولود في الثمانينيات والتسعينيات.

انتشر ذلك المصطلح بين طلاب جامعة ستانفورد الأميركية؛ حيث يسعى الطلاب بدأب للموازنة بين الدراسة والتدريب الداخلي والالتزامات الاجتماعية والمسؤوليات الأسرية دون أي إشارة إلى الكفاح الذي يبذلونه أو الضيق الذي يلتهم روحهم.

ومن أكثر الفئات عُرضة للمعاناة من تلك المتلازمة؛ المراهقون وطلاب الجامعات، لا سيما أولئك الذين يعيشون في بيئات تولي اهتماماً كبيراً للإنجاز، أو يتعرّضون للحماية المفرطة من الأهل؛ ما يدفعهم في كثير من الأحيان إلى التردد في الإفصاح عن الصعوبات التي يواجهونها.

كما أضافت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لزيادة ذلك العبء النفسي وتكثيف انطباع الإنجاز لدى العديد من الأفراد باستخدامها لعرض إنجازاتهم الشخصية، وتمثيل حياتهم بطريقة مثالية؛ ما يدفع الآخرين غير القادرين على التكيُّف مع ذلك السيل من الإنجازات للغرق في إثبات أنهم ناجحون بالعمل لساعات طويلة؛ حيث أنهم يشعرون أن عليهم المكافحة بدرجة أكبر للحصول على مثل ذلك النجاح.

عوامل الخطر للإصابة بمتلازمة البط

إلى جانب التواجد في بيئة تولي قيمة عالية للكمال؛ حيث يكون لدى الفرد الحد الأدنى من التعبير عن خيبة الأمل أو قبول نقاط الضعف؛ تشير الطبيبة النفسية والأستاذة المساعدة في الطب النفسي في مستشفى جونز هوبكنز روكسان إدواردز، إلى أن العوامل الأخرى التي قد تؤدي إلى الإصابة بمتلازمة البط تتجسّد في:

  • العيش بعيداً عن الأسرة لأول مرة خلال المرحلة الجامعية.
  • زيادة كبيرة في المتطلبات الأكاديمية مقارنة بالمدرسة الثانوية.
  • الضغط الاجتماعي المرتبط بالالتحاق بالكلية.
  • تدني احترام الذات والنقد الذاتي المفرط.
  • المعاناة من اضطرابات السلوك واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD)؛ ما قد ينتج عنه صعوبة الانخراط في الأنشطة الاجتماعية.
  • التعرُّض لصدمات نفسية؛ مثل الاعتداء اللفظي أو الجسدي أو الجنسي.
  • التعرُّض للعنف المجتمعي والعزلة الاجتماعية، بالإضافة إلى الاضطرابات الأسرية؛ كالصراعات الأبوية والطلاق.
  • الحماية المفرطة من الوالدين.

ما هو علاج متلازمة البط؟

دون علاج، يتعرَّض الأفراد المصابون بتلك المتلازمة لسوء الأداء الأكاديمي أو الوظيفي، والانخراط في سلوكيات تكيُّف غير صحية؛ مثل تعاطي المخدرات، بالإضافة إلى معانتهم من المشكلات الأسرية، ومشكلات العلاقات الاجتماعية بشكل عام.

يبدأ علاج تلك المتلازمة بتحديد ما إذا كانت هناك اضطرابات أخرى يعاني منها الفرد وتسبب تفاقماً في الأعراض؛ مثل الاكتئاب أو القلق أو الأمراض العقلية الأخرى المصاحبة، ومن ثم علاجها.

وتشمل جوانب العلاج الأخرى العلاج الداعم؛ مثل إجراء بعض التغيرات في نمط الحياة والتغييرات السلوكية، واستخدام بعض الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب لعلاج الأعراض العاطفية المتوسطة إلى الشديدة.

بالإضافة إلى ذلك؛ يُستخدم نوعان رئيسيان من العلاج النفسي هما: العلاج النفسي للعلاقات بين الأشخاص (Interpersonal therapy)، والعلاج المعرفي السلوكي (CBT).

  • العلاج النفسي للعلاقات بين الأشخاص (IPT): يسعى لتخفيف أعراض الاكتئاب أو القلق المرتبطة بمتلازمة البط من خلال مساعدة الفرد على تطوير مهارات في التواصل أكثر فعالية مع الآخرين والتعامل مع عواطفه وعلاقاته بشكل صحيح.
  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يمكن أن يساعد ذلك النهج في العلاج النفسي في تقليل الاكتئاب أو القلق الذي غالباً ما يظهر على شكل متلازمة البط من خلال مساعدة الفرد على تغيير طريقة تفكيره السلبية إلى أخرى إيجابية.

السعي للنجاح والصحة النفسية

لا شك في أن النجاح في الدراسة أو العمل يتطلب جهداً كبيراً لزيادة الحرفية والمهارة؛ فليس للحظ سُلطة عليه. وكلما زاد حجم العمل الذي يتعيَّن على الفرد إدارته في وقت واحد زاد الجهد المطلوب.

لكن الاعتقاد بأن الانغماس حد الغرق في المهام للحاق بالركب، وعدم الالتفات لتأثير ذلك على الصحة النفسية لهو أمر بالغ الخطورة، يستدعي التوقف لبعض الوقف، وأخذ قسط من الراحة لإعادة ضبط البوصلة الداخلية للوصول للأهداف دون التضحية بالصحة النفسية.

المحتوى محمي !!