عادةً ما يهتم الناس بعدد ساعات النوم بدلاً عن جودة النوم التي تحدد مدى استفادة جسمك من نومك، وتحدد مستوى صحتك العامة، وتتنبأ بحالة صحتك النفسية والعقلية. دعونا نتعرف على جودة النوم (ليلاً) وأثرها على صحتك.
محتويات المقال
ما هو النوم وما هي جودة النوم؟
يُعبّر النوم عن الحالة الطبيعية لجسد الإنسان التي تُغلق فيها العينان بحثاً عن الراحة والاسترخاء، ويصبح فيها الإنسان غائباً عن الوعي، أمّا جودة النوم فلا تعني فقط عدد الساعات التي ينامها الإنسان؛ وإنما تمتد لتشمل الراحة في أثناء النوم، وقدرة المحافظة على نوم هادئ، ومجموع أوقات النوم الكلية خلال اليوم والليل، وحالة الاستيقاظ غير المتبوع بأوجاع جسدية أو نفسية.
مراحل النوم التي أمر بها
يمر النوم بسلسلة من المراحل تنقسم لقسمين رئيسيين ضمنهما مستويات متعددة يتدرّج خلالها الإنسان النائم؛ هما "نوم عديم الحركات العينية السريعة" (Non-Rapid Eye Movement Sleep)، و"نوم حركة العين السريعة" (Rapid Eye Movement Sleep) بحيث يكمل الإنسان النائم دورة كاملة كل 90 دقيقة إلى 110 دقائق يمر خلالها من هاتين المرحلتين:
النوم عديم الحركات العينية السريعة
يقسم العلماء النوم عديم الحركات العينية السريعة إلى مرحلتين: "النوم الخفيف" (Light Sleep)، و"النوم العميق" (Deep Sleep)؛ حيث تُعرف بأنها فترات خالية من الأحلام. وتتضمن هذه المرحلة ثلاثة مستويات بحيث ينتقل الإنسان النائم بين المستويات الموضحة بشكل متكرر خلال فترة نومه:
- تحدث المرحلة الأولى مباشرةً بعد النوم، وهي قصيرة جداً، ففي العادة تكون أقل من 10 دقائق، وتتضمن نوماً خفيفاً يمكنك الاستيقاظ منه بسهولة.
- تستمر المرحلة الثانية من نحو 30 إلى 60 دقيقة، وتصبح عضلاتك خلالها أكثر استرخاءً، وقد يبدأ دماغك بإظهار نشاط ذو موجات بطيئة خلال هذه المرحلة.
- المرحلة الثالثة هي النوم العميق؛ والتي تستمر نحو 20 إلى 40 دقيقة، ومن الصعب جداً إيقاظ شخص ما يمر فيها، ومن الملاحَظ فيها أيضاً زيادة نشاط الدماغ ذو الموجات البطيئة، وبعض الحركات الجسدية.
إضافة لما سبق؛ يعتقد مختصو النوم أن المرحلة الأخيرة المعروفة بالنوم العميق أو نوم الموجات الدماغية البطيئة (Slow-wave Brain Activity Sleep)، هي الوقت الأنسب لجسدك حتى يجدد خلاياه أو يصلحها. وتبدو هذه المرحلة من النوم ذات أهمية عالية، فالشخص الذي لا يحصل على قسط كافٍ من النوم العميق، عادةً ما يستيقظ وهو يشعر بقدر أقل من الراحة والانتعاش مقارنةً مع شخص آخر حصل على قسط كافٍ من النوم العميق.
على سبيل المثال؛ الشخص المحروم من النوم، يمر بسرعة خلال مراحل النوم الأخف إلى المراحل الأعمق التي يقضي فيها النسبة الأكبر من الوقت؛ ما يشير إلى أن النوم العميق يؤدي دوراً أساسياً في الحصول على نوم أكثر جودةً.
نوم حركة العين السريعة
يُعرف نوم حركة العين السريعة بأنه أكثر عمقاً من النوم عديم الحركات العينية السريعة، وتتم ملاحظة ذلك من خلال ترفرف العيون والجفون، وتذبذب التنفس بشكل غير منتظم. وتحدث نوم حركة العين السريعة مباشرةً بعد الانتهاء من المستويات الثلاث التي تكوّن مرحلة عديم الحركات العينية السريعة على فترات قد تتخللها الأحلام. ويعتقد العلماء أن نوم حركة العين السريعة يساهم في إنعاش عقلك وتهدئته ربما جزئياً عن طريق المساعدة في التخلص من المعلومات غير المهمة. تتكرر هذه المرحلة عدة مرات أثناء الليل ويرجّح أن مدتها تصل لنحو 10 دقائق تزيد مع كل دورة جديدة.
جودة النوم وصحتي
تُعتبر جودة النوم عاملاً رئيسياً وهاماً في تحديد مستوى الصحة النفسية والعقلية، وعادةً ما تكون مشاكل الصحة العقلية مصحوبةً باضطرابات في النوم، ويشير العلماء في هذه الدراسة إلى أن اضطرابات النوم المؤثرة على جودة النوم تصيب ما نسبته 10% من البالغين حول العالم.
على سبيل المثال؛ وجدت دراسة صينية أن جودة النوم كانت عاملاً مرتبطاً بارتفاع خطر ظهور الأرق بين طلبة الجامعات بما نسبته 18.5%. ووجد الباحثون أن انخفاض جودة النوم مؤشر قوي على تردّي الصحة النفسية والعقلية، وعامل رئيسي في ظهور اضطرابات متعددة؛ منها الاكتئاب والقلق. وفي العديد من الدراسات، وُجد أن الأشخاص الذين ينامون نوماً غير مريح، يكونون أكثر عرضةً للإصابة بالخرف والاكتئاب وفقدان الذاكرة والارتباك والقلق.
ويوصي خبراء النوم والصحة بالنوم لما لا يقل عن 7 ساعات وحتى 9 ساعات بين البالغين كل ليلة، على الرغم من أن البعض قد يحتاج إلى أكثر أو أقل من هذا الرقم الذي يُعتبر متوسطاً لعدد الساعات الكافية من النوم. فالأشخاص الذين ينامون أقل من ست ساعات بانتظام، يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية والتدهور المعرفي والوفاة لأي سبب. وتقول جوان إي مانسون (JoAnn E. Manson)؛ أستاذة صحة المرأة في كلية الطب بجامعة هارفارد، إن قلة النوم المريح تزيد من احتمالية زيادة وزن الشخص، وارتفاع مستويات هرمون التوتر - الكورتيزول.
وحدد العلماء وظيفة مهمة لتنظيف الدماغ تحدث عندما يكون عقلك في حالة راحة تامة؛ أي خلال النوم. فعندما تكون نائماً، يعمل نظام إزالة السموم في الجسم؛ بحيث يقوم بما يشبه ب تنظيف سوائل دماغك باستخدام السائل النخاعي الموجود في الدماغ والعمود الفقري - كما تقول مانسون.
تحديات ومشكلات تقلل من جودة نومك
من المهم إدراك استحالة تغيير دورة مراحل النوم؛ ما يجعل الهدف يتمحور حول العمل على معالجة التحديات والمشكلات التي تؤثر على جودة نومك، وتجعلك تستيقظ من النوم الخفيف. وأكثرها شيوعاً هو انقطاع النفس أثناء النوم، والحاجة إلى التبول أثناء الليل.
توقف التنفس في أثناء النوم
قد يحدث توقف التنفس في أثناء النوم عندما تسد الأنسجة الرخوة في مؤخرة الحلق مجرى الهواء العلوي؛ وبذلك تؤدي إلى توقفات متكررة وقصيرة في التنفس. فإذا كنت تعتقد أنك مصاب بانقطاع التنفس أثناء النوم؛ استشر طبيبك، لأنك قد تحتاج إلى تعلم النوم في وضع يُبقي مجرى الهواء مفتوحاً طوال فترة نومك. ويمكن غالباً لشريكك في السرير مساعدتك في تحديد إصابتك بتوقف التنفس أثناء النوم، أما إذا كنت تعيش بمفردك، فابحث عن علامات مثل الصداع الصباحي أو النعاس أثناء النهار أو مشاكل التركيز. ومن الخيارات العلاجية أيضاً استخدام جهاز يساهم في إبقاء مجرى الهواء مفتوحاً طوال فترة نومك.
التبول الليلي
تساهم كثرة التبول الليلي أو الاستيقاظ لاستخدام دورة المياه، في إفساد لذة أول ثلاث إلى أربع ساعات من النوم؛ والتي تُعتبر الأكثر أهميةً في عملية تجديد الجسم لخلاياه. وينصح لورانس إبستين (Lawrence Epstein)؛ الطبيب المشارك في قسم اضطرابات النوم والساعة البيولوجية في مستشفى بريغهام ومستشفى النساء التابع لجامعة هارفارد، بعدم الإكثار من شرب الماء أو أي مشروبات أخرى قبيل وقت النوم، لأن هذا قد يزيد الحاجة إلى التبول أثناء النوم. أيضاً؛ إذا كنت تتناول أي أدوية مدرّة للبول (مدرات البول كالتي تعمل على التحكم في ارتفاع ضغط الدم)، فاستشر طبيبك بشأن إمكانية تعديل جرعتك. وإذا كنت لا تزال تعاني من مشاكل التبول الليلي المتكرر، فقد يكون ذلك مرتبطاً بحالات أخرى تحتاج إلى عناية طبية متخصصة؛ مثل التهاب المثانة أو المسالك البولية أو تضخم البروستاتا.
كيف أحسّن من جودة نومي؟
قبل أن تفكّر في أخذ قسطٍ من الراحة، فهناك مشاكل أخرى يمكن أن تعرقل محاولات النوم أيضاً؛ مثل الاكتئاب والتهاب المفاصل وقلة ممارسة الرياضة، لذا تحدث مع طبيب الأسرة الذي يعرف تاريخك المرضيّ، خصوصاً إذا شعرت أن أياً مما سبق قد يكون مشكلة. يمكنك أيضاً تحسين جودة نومك من خلال ممارسة عادات نوم جيّدة مثل:
حافظ على جدول نوم منتظم
يجب عليك التعامل مع النوم كأي جزء منظم آخر من حياتك؛ وذلك بلا شك يتطلب منك الحرص على منح نفسك نحو ساعة قبل وقت النوم، للاسترخاء والاستحمام وتنظيف الأسنان. بعدها مباشرةً يجب أن تعوّد نفسك على الذهاب إلى الفراش في نفس الوقت كل ليلة - قدر الإمكان. ويفسّر سبب ذلك إبستين، حينما يخبرنا أن هذه الطقوس تجعلك تدخل تدريجياً من كل النواحي،جسدياً وعقلياً ونفسياً، في عملية النوم؛ ما يجعل النوم أسهل. بالإضافة لما سبق؛ يُنصح بإبعاد مشتات الانتباه أو محفزات السهر في غرفة النوم كالتلفاز أو الكمبيوتر الشخصي أو الهاتف الذكي، ويُنصح أيضاً بالتأكد من أن غرفة النوم مُظلمة هادئة؛ بحيث تساعد دماغك وعقلك وعينيك على الاسترخاء، وإذا لزم الأمر؛ يمكن الاستعانة بأي شيء مسموع قد تجده مهدئاً ومساعداً على الاسترخاء.
تعلّم كيف تأخذ قيلولة
لا تُعتبر القيلولة في فترة ما بعد الظهر أمراً شائعاً فحسب؛ بل هي نمط معيشي متكرر في العديد من الثقافات حول العالم، وجزء مهم من الحياة اليومية. ففي الولايات المتحدة، يشارك ما يصل إلى ثلث البالغين بانتظام في قيلولة منتصف النهار، وفقاً لمؤسسة النوم الوطنية (National Sleep Foundation)، ولذلك تؤثر القيلولة بشكل سلبي وإيجابي على جودة النوم ليلاً. فعلى سبيل المثال؛ القيلولة الطويلة جداً خلال النهار، أو القريبة جداً من موعد نومك المعتاد في آخر ساعات النهار - أي بعد الساعة 5 مساءً، قد تؤدي إلى إفساد نمط نومك المعتاد. وعلى الرغم من ذلك؛ إذا كنت مجهَداً من التركيز على إنجاز مهامك في العمل، وتشعر بالنعاس باستمرار أثناء النهار، فمن الممكن أن تنشّط جسدك بقيلولة مدتها لا تزيد عن 20 إلى 30 دقيقة. ولا نغفل هنا عن حقيقة أن النعاس أثناء النهار قد يكون أيضاً علامة على حصولك على نوم منخفض الجودة؛ ما قد يشير إلى اضطراب في النوم.
أيضاً تعلّم أن تضبط منبهك حتى لا تنام طويلاً، وحاول أن تحدد نمطاً متكرراً للقيلولة بحيث يتعود جسدك وعقلك على حدوثها في وقت محدد خلال اليوم؛ مثل وقت منتصف الظهيرة. وتذكر أن القيلولة في بعض الحالات قد تؤدي إلى صُنع حلقة مفرغة، فالإنسان الذي ينام أثناء النهار للتعويض عن قلة النوم في الليل، سوف يجد صعوبة في النوم ليلاً لأنه نام أثناء النهار، وهلمّ جراً.
راقب كميات الكافيين (والكحول)
المشروبات الغنية بالكافيين تقوم بدور المنبه داخل جسدك؛ ما قد يزيد من مصاعب عملية النوم، ويؤثر بشكل سلبي على جودته، أما المشروبات الكحولية، فهي قد تجعلك تشعر بالنعاس؛ ولكنها تتسبب بعدم استمرار فترات النوم، وتقطُّعها بشكل مستمر ومتكرر. لذا يجب الامتناع عن شرب أو تناول أي شيء يحتوي على الكافيين أو الكحول لمدة ساعتين على الأقل قبل النوم، أو حتى قبل ذلك إن كنت قد لاحظت أن ذلك يُحدث فرقاً بالنسبة لك.
بالإضافة إلى عادات ونصائح أخرى مثل:
- تجنب الضوء الأزرق (Blue Light) الذي تصدره الإلكترونيات مثل أجهزة التلفاز وأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية؛ حيث من المرجّح جداً أن ضوءها قد يقلل من جودة نومك، لذا حاول تجنبها قبل موعد نومك بساعة على الأقل.
- تمرّن بشكل منتظم في الصباح الباكر أو بعد فترة الظهيرة، فالتمرين المنتظم بمقدوره أن يعزز جودة النوم. لذا احرص على التمرين في وقت مبكر من اليوم كلما أمكن، فقد تكون ممارسة الرياضة مع اقتراب موعد النوم قادرة على جعلك متحفّزاً ومستيقظاً؛ ما يصعّب عليك النوم أصلاً، فضلاً عن إفساد جودته.
في النهاية؛ النوم جزء ضروري من أجزاء الحياة الصحية، سواءً العامة أو النفسية والعقلية، لذا ابذل قصارى جهدك لضمان استدامة أفضل مستوىً من مستويات جودة النوم السليمة.