لِمَ الضوء الطبيعي مهم لعافيتنا؟

الضوء الطبيعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُعد الإنسان بطبعه كائناً نهارياً إذ ينشط خلال النّهار؛ إلا أن بعض الحالات كالعمل في دوريات ليلية أو السهر في مشاهدة التلفاز أوالرحلات الليلية، من شأنها أن تحرمه من التعرض للقدر الكافي من الضوء الطبيعي؛ ما ينجم عنه في النهاية اضطراب يطال وظائف جسده. كما قد يتسبب قِصَر أيّام الشتاء بإخلال تعاقب الليل والنهار بحيث تطول الفترة المُظلمة من اليوم على حساب تقلص المدة المضيئة منه؛ ما يجعل الأيام تبدو أكثر إرهاقاً. لهذه الأسباب وغيرها؛ ينبغي على جسم الإنسان أن يحظى بالحد الأدنى من نصيبه في الضوء الطبيعي للحفاظ على الرفاهة النفسية من جهة وتلافي الوقوع في شراك الاكتئاب الموسمي (winter blues) من جهة أخرى.

نستعرض في هذا المقال سُبل الاستفادة القصوى من المنافع الجمّة للضوء الطبيعي على المزاج والصحة.

الفرق بين الضوء الطبيعي والضوء الاصطناعي

عند حديثنا عن الضوء ينبغي التمييز بين الطبيعي والاصطناعي. حيث إن الضوء الطبيعي هو الملائم لحُسن عمل وظائف الجسد البشري؛ إذ لم تُخلق العين البشرية لالتقاط كل ألوان الطيف الضوئي بل هي أكثر استجابة لأطياف محددة دون غيرها.

فيما نجد الضوء الاصطناعي وهو ضوء مصابيح التنغستن أو الهالوجين، يتكوّن من الكثير من الأشعة الحمراء والقليل جداً من الزرقاء، مع أن الأشعة الزرقاء تلعب دوراً مهماً في تكوين هرمون الميلاتونين المسؤول عن دورة النوم والاستيقاظ، والذي لا يمكن تجاهل دوره في تعزيز الرفاهة، والحديث عنه يعني بشكل غير مباشر الإشارة إلى الضوء الطبيعي الذي يوفره بغزارة. ولذلك ينبغي الحرص على تعريض البيت لأقصى قدر ممكن من الضوء الطبيعي من خلال الدأب على فتح النوافذ.

فوائد الضوء الطبيعي

يلعب الضوء دوراً مهماً في ضبط ساعتنا البيولوجية التي يعتمد إيقاعها على تعاقب الليل والنهار. يفرز جسمنا على مدار هذه الدورة مجموعة من الهرمونات؛ مثل الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالتعب والوَسن (النوم)، وعلى النقيض منه، هرمون الكورتيزول المتسبب في اليقظة والمؤثر في الحالة المزاجية. ولهذا السبب ينبغي التعرض بالقدر الكافي للضوء للحفاظ على تعاقب دورتيّ الاستيقاظ والنوم. كما تجدر الإشارة إلى إسهام الضوء الطبيعي في إنتاج فيتامين د الذي يلعب دوراً مهماً في تقوية الجسد.

تأثير الضوء الطبيعي في الصحة والأداء اليومي

تختبر أجسادنا بعد التعرض المُفرط للضوء الاصطناعي توتراً وتعباً واضطراباً في النوم. لكن ما السبب في هذا كله؟ الأمر أن الضوء الطبيعي يؤثر بالإيجاب في سلوكنا وأدائنا ومزاجنا كما يلعب عموماً دوراً بالغ الأهمية في عملية الأيض (Metabolism) وينظم عملياتنا الفيزيولوجية، بالإضافة إلى تأثيره في مستوى إنتاجيتنا وكذا قدرتنا على التعلم.

فمن خلال التقليل مسببات التعب والتوتر وبالرفع من قدرتنا على التركيز؛ يصير جسدنا أكثر قابلية لاستقبال المحفزات والانتباه إليها بسهولة. ولذلك يُعد الحرص على أن انفتاح بيئة العمل على ضوء الشمس عاملٌ من عوامل تحسين جودة الأداء المهني اليومي.

العلاج بالضوء باعتباره تعويضاً للضوء الطبيعي

لدرء الآثار المترتبة عن قلة التعرض لضوء الشمس؛ حاولت الصناعة تطوير بدائل جديدة تحافظ على منافع الضوء الطبيعي.

إذ يعوض الضوء المسمى “واسع الطيف” الضوءَ الطبيعي بمحاكاته لذاك الذي تصدره الشمس؛ كما يمكن لهذا النوع من المصابيح إعادة ضبط الساعة البيولوجية الداخلية التي قد يخل الاكتئاب الموسمي بانتظامها وكذا الحدّ من أعراض اضطراب النوم التي يسببها فارق التوقيت أو العمل الليلي.

نجد هذا النوع من المصابيح في أيامنا هذه في الساعات المُنبهة إذ يوفر استيقاظاً لطيفاً يحترم مراحل النوم. من شأن هذه المصابيح أن تقيَ مستقبلاً من هذه الاضطرابات؛ ما يجعل استعمالها في الحياة اليومية ضرورةً لا غنى عنها.

أشرِع نوافذ بيتك للضوء

لا ينكر القاصي ولا الداني منافع الضوء الطبيعي في حياتنا اليومية سواء على الصحة أو السلوك أو الإنتاجية، فقد وَلَّى زمن القلاع والحصون العتيدة حيث يتطلب التصدي لأي هجوم مرتقب من العدو؛ الاكتفاءَ بفجوات صغيرة في الجدران، وصرنا اليوم قادرين على العيش في فضاءات مفتوحة وشفافة تسمح بأكبر قدر من الضوء ليغمر بيوتنا ويتدفق في كل الغرف.

فلنُفسح الطريق أمام الضوء ليدخل منازلنا!

المحتوى محمي !!