كيف أتعامل مع غيرة زوجتي؟

5 دقائق
غيرة
غيرة الشريك

" احذر من الغيرة يا سيدي، فهي وحش ذو عيون خضراء يسخر من الفريسة التي يتغذى عليها".

قدّم ويليام شكسبير (William Shakespeare) وصفاً بليغاً للغيرة في مسرحيته الشهيرة "عطيل" (Othello)، وشرح كيف أنها قادرة على التهام روح الشخص الغيور قبل أن تأتي بتبعاتها على الشريك، وتمتلك القدرة على إنهاء العلاقة بأكملها أحياناً.

بينما قد يبدو نموذج عطيل متطرِّفاً بالنسبة للكثيرين؛ إلا أنه لم يقتصر على أن يكون عملاً أدبياً؛ بل صاغه أحد الأطباء النفسيين ليصف الغيرة الوهمية أو المرضية التي أسماها "متلازمة عطيل" (Othello syndrome)، وهي تشترك مع أنواع الغيرة المختلفة في أنها شعور بالتهديد من فقدان الشريك أو انتهاء العلاقة.

متلازمة عطيل أو وهم خيانة الشريك

صاغ الطبيب النفساني الإنجليزي جون تود (John Todd) مصطلح متلازمة عطيل في ورقة بحثية نشرها مع كينيث ديوهورست (Kenneth Dewhurst)، وتتميز هذه المتلازمة بتكرار اتهام الشريك بالخيانة الزوجية، ومحاولة البحث عن الأدلة لإثبات ذلك، والاستجواب المتكرر له ووضعه في موقع الاتهام الدائم لاختبار مدى إخلاصه، وأحياناً مطاردته.

قد تتطور هذه المتلازمة في بعض الحالات وتكون شديدة الخطورة وتؤدي إلى تعطيل الزواج والقتل والانتحار. وحددت دراسة من قسم طب الأعصاب بـ "مايو كلينيك" (Mayo Clinic) بعض السمات السريرية لمتلازمة عطيل، وهي أن متوسط ​​العمر عند ظهورها يكون 68 (25-94) سنة مع 61.9% من المرضى الذكور مقارنة بالإناث. 

اقرأ أيضاً: الغيرة المرضية من منظور الصحة النفسية 

ما دوافع الغيرة؟

تتعدد دوافع الغيرة وكذلك حدتها بين الأفراد. يشرح مدير المعهد الأميركي للعلاج المعرفي بمدينة نيويورك وأستاذ علم النفس السريري في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة وايل كورنيل (Weill-Cornell University Medical School)، روبرت ليهي (Robert Leahy) بعضاً منها في مقاله كما يلي: 

تنمّ الغيرة عن القلق والغضب

يُعد القلق من أن يجد الشريك شخصاً آخر أكثر جاذبية أحد مسببات الغيرة، فيخشى الشخص أن يتركه شريكه وتنتهي علاقتهما. وبناء على هذا الشعور بالتهديد؛ قد يستخدم الشخص الغيرة كطريقة تكيفية فيعتقد أنها ستمنعه من الشعور بالمفاجأة إذا حدث أمر ما، وتساعده على الدفاع عن حقوقه، وتجبر الشريك على التخلي عن فكرة البحث عن شريك آخر.

كذلك قد يستخدم الشخص الغيرة -على غرار القلق- كاستراتيجية حتى يتمكن من معرفة الخطأ الذي يحدث في علاقته، أو معرفة ما يشعر به شريكه حقاً. ويُعتقد أن الغيرة قادرة على تحفيزه على التخلي عن العلاقة حتى لا يتأذى بعد الآن. 

لكن الغيرة مثل القلق؛ تقود الشخص إلى التركيز على السلبيات فقط، فيُفسّر الشخص سلوك شريكه على أنه يعكس فقدان الاهتمام به أو الاهتمام المتزايد بشخص آخر، كما تقوده الغيرة إلى أخذ الأمور على محمل شخصي وقراءة المشاعر السلبية دون الإيجابية لدى الآخرين.

قد يكون دافع الغيرة البقاء

لدى الناس أسباب مختلفة للغيرة؛ في كتابه "العاطفة الخطيرة" (The Dangerous Passion)، يقدم عالم النفس التطوري ديفيد بوس (David Buss) حالة جيدة مفادها أن الغيرة قد تطورت كآلية للدفاع عن مصالحنا؛ حيث كان أسلافنا الذين طردوا المنافسين أكثر احتمالاً للبقاء والدفاع عن مصالحهم.

كما أنه على عكس الشائع بأن الغيرة تنمّ عن تدني احترام الذات، فهي في الواقع -في بعض الحالات- تعكس تقديراً عالياً للذات؛ كما لو أن الشخص يقول لنفسه: "لن أسمح لنفسي أن أعامَل بهذه الطريقة".

قد تعكس الغيرة القيم العليا

كذلك بينما ينظر علماء النفس -وخاصة المحللون النفسيون- إلى الغيرة على أنها علامة على عدم الأمان عميق الجذور وعيوب الشخصية؛ إلا أن الغيرة عاطفة أكثر تعقيداً، فهي يمكن أن تعكس القيم العليا المتمثلة في الالتزام والحب والصدق والإخلاص.

على سبيل المثال؛ قد تكون فكرة الحرية في العلاقات مترسخة لدى شخص ما، وأن امتلاك الطرف الآخر في العلاقة أمر لا يمكن تحمله، فالحرية التي بُنيت عليها العلاقة تعني أن لكليّ الطرفين مطلق الحرية في اتخاذ مجموعة من الخيارات المختلفة. وقد يتعارض أحد تلك الخيارات التي يتخذها الشريك مع قيمك أنت، فيما يضعك في مأزق بين الشعور بعدم الرغبة في ترك الغيرة تسيطر عليك؛ لكنك على الجانب الآخر لا تريد أن تتنازل عن قيمك العليا، وهي الحرية المطلقة في العلاقة. 

مشاعر الغيرة تختلف عن سلوكيات الغيرة

مثلما يوجد فرق بين الشعور بالغضب والتصرف بطريقة عدائية؛ هنالك فرق بين الشعور بالغيرة والتصرف بناءً عليها. من المهم إدراك احتمالية تعرُّض العلاقة للخطر بسبب سلوكيات الغيرة مثل الاتهامات المستمرة، والعبوس، إلخ. لذلك يجب تحديد مشاعر الغيرة قبل أن تتجسد في تصرفات قد تؤذي العلاقة بالشريك، فشعور الغيرة يبقى بداخل الشخص، ولديه حرية الاختيار فيما إذا كان سيتصرف بناء عليه أو لا.

اقرأ أيضاً: الخروج من الدائرة المفرغة للغيرة 

كيف أتعامل مع شريكي الغيور؟

يوضح ليهي في مقال آخر له عن كيفية التعامل مع الشريك الغيور، ويحدد ما يساعد وما لا يساعد على التعامل مع الشريك الغيور، فيشير إلى أن الردود الأولية التي تأتي إلى أذهاننا عند التعامل مع الشريك الغيور لا تكون فعّالة؛ مثل:

  • لم أفعل أي شيء خاطئ.
  • لا يجب أن تشعر هكذا.
  • يجب أن تثق بي فقط.
  • أنت تعاني من تدنّي احترام الذات.
  • هذه مشكلتك، فلمَ تزعجني بها؟

هذه العبارات لا تنجح في التعامل مع الشريك الغيور، خاصة إذا كانت ناتجة عن شعور الشخص أن علاقته القيّمة مع شريكه مهددة؛ ما يعني أن انتقاده يزيد من الشعور بالتهديد. لذلك من الأفضل التعامل مع الشريك الغيور على النحو التالي:

تقبّل مشاعره

إن مشاعر الغيرة التي تستحوذ على الشريك هي جزء من ما يشعر به حتى لو لم تعجبك؛ ما يجعل السؤال الأهم هنا هو "كيف ترد عليها؟" وليس أنه "ليس لديه الحق للشعور بذلك". 

أعد تأطير غيرته على أنها حب مؤلم

ضع في اعتبارك أن شريكك يعاني كثيراً من الألم الناتج عن ارتباطه الشديد بك وخوفه من أن يفقدك، لذلك حاول أن تبحث عن مصدر الألم الكامن وراء قلقه وغضبه. 

أظهِر التعاطف

إن إظهار التعاطف مع شخص غيور هو وسيلة لطمأنته أنه يتم الاعتناء به؛ يمكنك أن تظهر تعاطفك بقول: "أستطيع أن أتفهم مدى استيائك وأنا حقاً أهتم بك وأعلم أنه من الصعب اختبار هذه المشاعر. أريد حقاً أن تشعر بالأمان والسعادة".

افهم الأسباب

تكون لدى كل شخص غيور محفزات محددة؛ يمكن أن يكون ذلك السماع عن حبيب سابق، أو التواجد حول أشخاص جذابين، أو إظهار الاهتمام بالتحدث إلى شخص ما. يمكنك قبول هذه المحفزات والاعتراف بها بالقول: "أعلم أن هذا يثير غيرتك وأريد أن أفهم ما تشعر به. لذلك أخبرني بما تشعر به حينها وسأكون بجانبك".

تابع سلوكك!

على الرغم من أنك قد لا تكون مهتماً بمتابعة شخص آخر، فقد يكون من المهم التفكير فيما قد تكون على استعداد لتغييره لمساعدة شريكك على الشعور بمزيد من الثقة فيك. على سبيل المثال؛ هل يجب عليك التوقف عن إبداء تعليقات حول مدى جاذبية شخص آخر؟ أَيجب ألا تتقابل كثيراً مع هذا الشخص؟ هل أنت صادق مع شريكك أم أنك تحاول إخفاء الحقيقة؟

هل شريكك مسيطر جداً؟

بمجرد تحديد ما أنت على استعداد للتخلي عنه من أجل بناء الثقة، فإنك تحتاج أيضاً إلى أن تعيش حياتك الخاصة، فلا يجب أن تشعر بأنك محاصر في قفص وتنهال عليك الاتهامات. لذلك تحتاج أنت وشريكك التحدث حول أهمية المرونة في العلاقة؛ ما يعني أنه إذا كان شريكك غيوراً بشدة، فعليه أن يتفهّم إلى أي مدى يمكنك مساعدته على تجاوز ذلك، دون التضحية بحياتك كاملةً.

تتعدد أسباب الغيرة ومدى حدتها، لذلك تُعتبر محاولة معرفة السبب الكامن وراءها وخلق حوار مع الشريك يستطيع من خلاله التعبير عما يشعر به حقاً أمراً مهماً لاستمرار العلاقة، دون افتراض أشياء ربما لا تكون صحيحة من الأساس والتصرّف وفقاً لها.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي