كيف أتعامل مع إدمان المعلومات؟

3 دقائق
إدمان المعلومات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ينتظرون نشرات الأخبار على محطات الراديو بفارغ الصبر، ويشتركون في خدمات الرسائل الإخبارية التي تأتيهم على أنغام الإشعارات محملة بكل ما هو جديد، هكذا يقضي بعض الناس يومهم، يستهلكون الأخبار اليومية من دون موضوعيّة. وفي هذا الشأن، يتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة: هل هذا التصرّف ناجم عن الخوف من تفويت خبر مهم؟ ألا يحتاج المرء إلى أن يتحكم في هذا الوضع أكثر؟ وما سبب هذا الإقبال الكبير على الأخبار؟

ما سبب هذا الإدمان؟

يقول الطبيب النفسي باتريك لوموان: "لا شك في أن المعلومات ضرورة حيوية لجميع الكائنات الحية". تقوم وظيفة هذا التبادل للمعلومات بين المتلقي والباث على الطمأنة الدائمة والشعور بالاستقرار، لأنه كلما كانت الأخبار جيدة، سارت الحياة بشكل أفضل. ولكن نادراً ما يكون تلقي المعلومات باستمرار عاملاً مهدئاً!

تقول ليلى مديرة الحسابات في أحد البنوك: "كنت أشغّل الراديو ليلاً وأرفض الذهاب في إجازة إذا لم يكن الفندق متصلاً بالإنترنت، إن إصراري على معرفة أخبار العالم والسياسة والناس والاقتصاد، يسحرني ويجعلني في الوقت ذاته متعبة، فمجرد التفكير في تفويت بعض الأخبار، يدفعني إلى الجنون!".

متعة فورية

بالنسبة للطبيب النفسي المتخصص في الإدمان ميشيل أوتيفوي، فإن "من ينتظر المعلومات الإخبارية بفارغ الصبر مثل مدمن مخدرات ينتظر التاجر الذي سيزوده بالجرعة". هذا النوع من الإدمان يسمى "إنفوليزم". وتتطابق أعراض استهلاك الأخبار مع أعراض استهلاك أي نوع من المخدّرات، إذ يمكن أن يشعر الشخص المدمن على الأخبار بتوتر بسبب توقعاته وبمتعة شديدة، ثم بخيبة أمل. تتكرر هذه الدورة في حلقات قصيرة بشكل متزايد، بالإضافة إلى أنها تتسارع من خلال استخدام الأدوات الرقمية أو تنبيهات جوجل أو التغريدات.

أنا بحاجة إلى معرفة كل شيء

يقول باتريك لوموان موضحاً: "الراديو والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام، ليست سامة في حد ذاتها، فما يعرضنا للخطر هو القلق الذي يغمرنا عندما لا نكون مطّلعين على كل شيء، ما يجعلنا نفقد الثقة أمام المجتمع". ويضيف الطبيب: "كل شيء يسير بسرعة كبيرة؛ حيث أصبحت المعلومات معقدة وفورية وسريعة الانتشار. كما أن استهلاكنا لجميع هذه الأخبار -صحيحة كانت أو زائفة- بشكل غير منطقي، أغرقنا في حالة من اليقظة المفرطة والمثيرة للقلق".

التثبّت

يقول المحلل النفسي إيريك-بيير توبيانا: "يتملكنا الفضول جميعاً لمعرفة كل ما يدور حولنا". فشهوة النظر أو محرك سكوبيك -كما يُسمى في التحليل النفسي- هو أحد محركاتنا الأساسية؛ فمن خلاله يحاول الطفل معرفة ما يجري في غرفة والديه. ونستمر طوال حياتنا، في البحث عما يسميه المحلل النفسي جان لابلانش "المعنى الغامض" لكل شيء. ووفقاً لباتريك لوموان: "تلقّي الأخبار السارة والسيئة، يمنحنا شعوراً بالاطمئنان في حياتنا اليومية". أحيانا تساعدنا كارثة في اليابان أو مغامرات المشاهير على النظر إلى تقلبات حياتنا من منظورها الصحيح.

ولكن من خلال متابعة الكثير من المعلومات حول العالم، فإننا نجازف بتغيير مبدأ سعينا في الحياة. ويختتم الطبيب النفسي بالقول: "نحن لا نشعر بالرضا أبداً لأن أسرار العالم لغز دائم وبالتالي، بقدر ما يكون سيل المعلومات رائعاً بقدر ما يمنعنا من البحث عن الحقيقة".

ماذا نفعل لمواجهته؟

التحليل

هل استهلاكنا للمعلومات يضر بعلاقاتنا مع من حولنا أو يضر بالأنشطة الأخرى في حياتنا؟ هل نحن قادرون على التوقف من خلال التزام الهدوء؟ هذه هي الأسئلة التي يجب أن توجّه تفكيرنا. لا شك في أن هناك مدمنين يسعدهم متابعة الأخبار؛ حيث يشاهدونها بشغف دون معاناة.

الهدوء

بالنسبة للطبيب النفسي باتريك لوموان: "الهدوء والتروي أفضل علاج، لذلك من الضروري أن نلتزم بالهدوء من وقت لآخر ونأخذ الوقت الكافي لإعادة التفكير في الأخبار وبناء تماسكها". ويوضح ذلك بقوله: "دعونا نقرأ المجلات إنها أفضل من مشاهدة التلفزيون أو الراديو أو الإنترنت، فالنصوص المكتوبة لا تفرض إيقاعها علينا، بل على العكس من ذلك، فهي تسمح لنا بالتفكّر وتمدنا بالمعلومات التي تغذي معرفتنا".

تحقق من الخبر بنفسك

غالباً ما يكون القلق هو الدافع وراء الحاجة إلى المعرفة. لكن دعونا نتساءل عن غريزة الفضول لدينا: لماذا نريد أن نعرف؟ أليس لدينا أيضاً أسرار في حياتنا؟ يقول المحلل النفسي إريك-بيير توبيانا: "نحن جميعاً نعيش في مستنقع للأسرار التي تحيط بنا، ولا سيما فيما يتعلق بأسرار عائلتنا، وحتى لو تجاهلناها فهي معنا ترافقنا وتستحق منا التفرغ لها والغوص في تفاصيلها. وبهذه الطريقة، سيساعدنا المعالج على رؤية الأشياء بأنفسنا بوضوح أكثر.

شهادات

المعلّمة سالي، البالغة من العمر 31 سنة.

تقول سالي: "لم أغلق الراديو في الليل قطّ، ما جعل زوجي رامي يغضب ويحذّرني قائلاً: "عليك أن تختاري بيني وبين الراديو". في الحقيقة، كنت قد تخلّيت للتو عن مهنة في مجال التسويق واعتقدت أنني افتقدت معنى الإثارة في الحياة اليومية، كما شعرت بخيبة أمل. ثم سرعان ما أدركت أنه لا سبب في أن أجعل حياتي كئيبة بسبب الأخبار ومنذ ذلك الحين، قمت بإيقاف تشغيل الراديو.