لماذا يُنصح بتدريب الأطفال على ممارسة اليقظة الذهنية؟

3 دقائق
ممارسة تأمل اليقظة الذهنية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: مع دخوله المرحلة الابتدائية في سن 6 أو 7 سنوات تتحول حياة الطفل إلى أشبه بسباق يومي، ففي الصباح يستعجله والداه لارتداء ثيابه والانطلاق إلى المدرسة وحين يعود إلى المنزل عند الظهيرة يتناول غداءه ويسارع إلى حل واجباته ثم يستحم مساءً وينام باكراً لكي لا يستيقظ مرهقاً في الصباح. وتوضح مختصة الطب والعلاج النفسي أن تعليم الطفل ممارسة تأمل اليقظة الذهنية يساعده على تخفيف التوتر والتعب اللذان يسببهما نمط الحياة هذا ويعزز في الوقت ذاته قدرته على التعلّم والتركيز في المدرسة، وهي تقدم فيما يلي دليلاً موجزاً حول هذه الممارسة للأطفال والمراهقين.
"هيا لقد تأخرنا على المدرسة، ارتدِ ثيابك بسرعة!". كما الكبار؛ يمثل كل يوم سباقاً مع الزمن للأطفال ما يؤدي إلى انفعالهم وتوترهم وشعورهم بالتعب لكن تمارين التأمل البسيطة والممتعة يمكن أن تساعدهم على استعادة تركيزهم وهدوئهم، وفيما يلي دليل موجز حول ممارسة تأمل اليقظة الذهنية للأطفال والمراهقين تقدمه لنا مختصة الطب والعلاج النفسي جان سيو فاكيان (Jeanne Siaud-Facchin).

مع دخوله المرحلة الابتدائية في سن 6 أو 7 سنوات تتحول حياة الطفل إلى أشبه بسباق يومي، ففي الصباح يستعجله والداه لارتداء ثيابه والانطلاق إلى المدرسة، وحين يعود إلى المنزل عند الظهيرة يتناول غداءه ويسارع إلى حل واجباته، ثم يستحم مساءً وينام باكراً لكي لا يستيقظ مرهقاً في الصباح. وتستمر حياته على هذا المنوال حتى خلال العطلة الأسبوعية أحياناً، حين يكون جدوله مزدحماً بالتدريبات الرياضية أو الأنشطة الأخرى. وإضافة إلى عملية التعلم، فإن نمط الحياة هذا يستهلك الكثير من انتباه الطفل وتركيزه، وتقول مختصة العلاج النفسي جان سيو فاكيان (Jeanne Siaud-Facchin): "يأتي بعض الأطفال إلى عيادتي في حالة احتراق نفسي تقريباً، وعلى الرغم من أن هذه الحالات نادرة فإنها مثيرة للقلق فكما حياتنا نحن الكبار؛ يعيش الأطفال حياتهم في سباق مع الزمن ما يسبب لهم الإرهاق".

وعلى الرغم من أن الوالدين يحاولان تخفيف الضغط عن طفلهما المرهق قدر الإمكان ومنحه بعض الراحة، فإن ذلك قد لا يكون كافياً. من جهة أخرى، فإن تعليمه ممارسة تأمل اليقظة الذهنية يساعده على تخفيف التوتر الناجم عن نمط الحياة اليومية السريع، لأن هذه الممارسة تتيح له فهم عواطفه ومن ثم تجاوز خوفه منها واكتشاف معنى الشعور بالهدوء بعيداً عن الضغوط المحيطة به، وتعلّمه استخدام موارده الشخصية ليستعيد تركيزه ويعزز ثقته بنفسه.

وقد ابتكرت جان سيو فاكيان أسلوب تأمل يقظة ذهنية يقدم كل ما سبق ذكره للأطفال والمراهقين على حد سواء.

الفرق بين تأمل اليقظة الذهنية وممارسات الاسترخاء

التأمل اليقظ (Meditate mindfully) أو اليقظة الذهنية (mindfulness) هي ممارسة ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية ثم انتقلت إلى باقي أنحاء العالم. وفي الحقيقة، تُعد هذه الممارسة أقرب إلى مفهوم اليقظة لا التأمل، وذلك لأن الهدف منها هو الدخول في حالة يقظة تامة أي التدرب على عيش اللحظة الحالية وعدم الانشغال بأي أفكار أخرى ومن ثم إدراك الأحاسيس بالكامل.

ليس هدف التأمل اليقظ الوصول إلى حالة من الاسترخاء كما هي الحال في ممارسة السوفرولوجيا مثلاً؛ بل الاتصال مع الذات والمشاعر الحالية سواء كانت سلبية أو إيجابية. وتبسط مختصة العلاج النفسي فكرة التأمل اليقظ للأطفال فتقول لهم إنها أشبه بأن يدخل المرء إلى منزله ويغلق الباب على نفسه، وتوضح: "أقول للأطفال أيضاً أن يتخيلوا أنفسهم ككرة الثلج الزجاجية التي هززناها للتو ثم وضعناها جانباً وانتظرنا استقرار رقاقات الثلج لنتمكن من رؤية التمثال الصغير أو المنظر الطبيعي الذي سيظهر خلفها، ومن ثم فإن ما يظهر عندما تستقر رقاقات الثلج يمثل أحاسيسهم الداخلية".

حالة ذهنية وجسدية أفضل

تقول مختصة العلاج النفسي: "أظهرت أبحاث علم الأعصاب أن ممارسة تأمل اليقظة الذهنية تخفض على الفور مستوى الكورتيزول (هرمون التوتر) في الدم، وتحفز في الوقت ذاته إفراز مجموعة من الهرمونات التي تؤدي إلى الشعور بالسعادة مثل الأوكسيتوسين والإندورفين، لذلك فإن التأثير الفيزيولوجي لهذه الممارسة فوري؛ ما يجعل الأطفال يرغبون غالباً في تكرارها ولا سيما أن معظمهم لم يكن يعرف معنى الشعور بالهدوء قبل ممارسة اليقظة الذهنية".

يطلب الوالدان من الطفل مراراً وتكراراً أن يهدأ؛ لكن كيف يمكنه ذلك ما لم يوضحا له معنى الشعور بالهدوء؟ يمكن أن يوضحا له الفكرة بكلمات بسيطة كأن يقولا له مثلاً إن الهدوء هو الشعور بالراحة الجسدية، أو يشبهاه بشعور البرودة اللطيفة في جو حار، أو كما قال لي أحد الأطفال ذات مرة إنه يشبه الاستلقاء على غيمة زغبة، وعلى هذا النحو سيكون لدى كل طفل الرغبة في تجربة هذا الشعور.

التأمل في الفصل يعزز قدرة الطفل على التعلم

يمكن لمشاعر الهدوء والراحة هذه أن تساعد الأطفال على التعلم بطريقة أفضل في المدرسة أيضاً، ولنأخذ مثلاً الطفل الذي لم يتمكن من قراءة درسه في الفصل أو تذكُّر المعلومات خلال الاختبار على الرغم من أنه راجعها بما فيه الكفاية، فالسبب وراء ذلك هو شعوره بالتوتر، وحين يتعلم كيف يستعيد تركيزه ويتصل مع ذاته من خلال تمارين تأمل اليقظة الذهنية قبل مراجعة دروسه وقبل الاختبارات سيتمكن من استخدام موارده الشخصية بسهولة أكبر.

لعدة سنوات، كانت جان سيو فاكيان تتدخل بانتظام وعلى نحو مباشر مباشر في المدارس، بناءً على طلب المعلمين الذين استفادوا من التدريبات التي كانت تجريها إذ كانوا يكررونها مع فصولهم الدراسية على مدار العام. وتكفي ممارسة اليقظة الذهنية لبضع دقائق (2-3 دقائق) قبل الفصل لرؤية منافعها؛ إذ يتمكن الأطفال من استيعاب ما تعلموه على نحو أفضل ويصبحون أكثر هدوءاً واطمئناناً وأكثر جاهزية للتعلم، وبعد انتهاء الفصل يمارس الأطفال اليقظة الذهنية مجدداً لمدة دقيقة، فيغمضون أعينهم ويرفعون أيديهم ويفردون راحاتهم ما يمكّنهم من استعادة الاتصال مع أنفسهم وترسيخ ما تعلموه للتو والانتقال إلى موضوع أو نشاط آخر بصفاء ذهني أكبر.