ترى الطبيبة والمحللة النفسية ماري ليون-جولين، أن التناقض من مقومات العلاقات بين الأم وابنتها. فمن خلال السماح لنفسها بالسعي وراء سعادتها الخاصة؛ ستعرف الأمّ كيف تهنأ برؤية ابنتها تكبر. لكن هل غيرة الأم من ابنتها أمر حقيقي؟
سيكولوجي: يصعب أحياناً على فتاة مراهقة (أو راشدة) أن تتصور أن بعض سلوكيات والدتها تعكس غيرةً منها. لماذا؟
ماري ليون جولين: يصعب ذلك أولاً لأنه في المخيلة الجماعية المثالية، يجب أن يكون حب الأم مثالياً، ولكن في الواقع؛ تكون المشاعر الإنسانية دائماً متناقضةً. ثانياً: لأن غيرة الأم من ابنتها لا يتم التعبير عنها دائماً بردود أفعال مؤذية. في كثير من الأحيان؛ تتوارى هذه الغيرة وراء قلق مفرط (كأن تقول الأم لابنتها التي ارتدت ملابسَ تكشف جسمها: "ألا تخشين من البرد بارتداء ملابسَ كهذه؟"). كما أن الأم لا توجه انتقاداتها لابنتها مباشرةً؛ ولكن لشريك حياتها ("هذا الرجل ليس من مستواكِ…")، أو اختياراتها الحياتية بشكل عام ("أنتِ تستحقين أفضل من ذلك")...، إنها جملة من الانتقادات الخفية المقدمة كدليل على حبّها ("أقول لك هذا من أجل مصلحتك"). ويمكن أن تظهر الغيرة أيضاً في مسارعة الأمّ إلى مواساة ابنتها عندما تفشل أكثر من مسارعتها إلى دعمها في مشاريع الحياة العزيزة على قلبها؛ ولكن (الأم) قد تشعر معها بالتهديد…
ما الذي يجعل هذه الغيرة ممكنة؟ وهل هي "طبيعية" في حدود معينة؟ وهل تُذْكيها جروح الأم؟
ماري ليون جولين: ليس من السهل على امرأة أن ترى ابنتها تكبر، وتبتعد عنها وتهرب منها شيئاً فشيئاً. قد تعيش الأم هذا الابتعاد بفهم خاطئ باعتباره فقداناً للحب وتلوم ابنتها، أو قد تعاني من رؤية ابنتها تحقق مكاسبَ لا تملكها أو لم تعد تمتلكها، فتتشكل لديها الغيرة من ذلك. كل هذا شائع جدّاً، بالمقابل فإن الأم السعيدة ستعرف كيف تهنأ برؤية ابنتها تكبر. أما بالنسبة لامرأة غير راضية عن حياتها، وتفتقر إلى الثقة بالنفس أو لا تحب نفسها، فسيكون ذلك أكثر صعوبةً. لقد عانت العديد من النساء الغيورات من غيرة أمهاتهنّ أيضاً. إنهن ينقُلن ذلك القصور العاطفي الذي عانَين منه.
بمجرد أن نرصد هذه الغيرة، كيف يمكننا تهدئة توتر العلاقات؟
ماري ليون جولين: يمثل اعتراف الأم بغيرتها خطوةً أساسيةً بالنسبة لها. تسمح لها هذه الخطوة بقياس انعكاسات مشكلاتها الخاصة على السلوك الذي تعامل به ابنتها، والاهتمام باحتياجاتها، فمن خلال إظهار بعض اللطف تجاه نفسها؛ يمكنها أن تصبح في موقف تحاور وتفهّم لذاتها ولابنتها. ما يجب على الأم أن تفهمه هو أن معارضة ابنتها المراهقة لها مسألة صحية، فهي تبحث عن إثبات الذات والتميز مع حاجتها دائماً لحبّ والدتها بالقدر نفسه. وإذا لم تنزعج الأم من هذه المعارضة؛ ستشعر ابنتها بالحب والدعم والتشجيع على بلوغ استقلاليتها، وستصبح نزاعاتهما أقلّ تواتراً. وإذا فهمت الابنة من جهتها أن عداء والدتها له أسباب أقدم بكثير، فقد تتوقف عن الرد على هذه العدوانية بعدوانية مماثلة، وستشعر بالتعاطف الذي سيفيد علاقتهما، أو قد لا يُفيدها. وإذا استمر العداء، فإن الوعي الجديد للبنت قد يؤدي بها إلى التوقف عن محاولة إصلاح العلاقة على أمل أن تحصل أخيراً على الحب الذي لم تتلقاه أبداً، لتجد نفسها متحرّرةً منه إلى حد ما.