طفلي يضربني عمره أربع سنوات، ما الحل؟

4 دقائق
ابني يضربني عمره خمس سنوات

في كثير من الأحوال، عندما نشاهد طفلاً يضرب والدته، يكون تعليقنا: "إنه طفل مُدَلَّل". وغالباً ما نلقي باللوم على الأم التي تدع طفلها يضربها أو ينعتها بألفاظ سيئة بأنها ليست أماً حازمةً.

لكن الواقع ليس كذلك؛ فالأمر لا يتوقف عند كون الطفل مدللاً أو ربما غاضباً، فعنف الأطفال تجاه الوالدين أصبح محوراً لعديد من الدراسات العلمية، وذلك بسبب الزيادة المفاجئة في المعدلات المسجَّلة لهذا النوع من العنف.

ما هو عنف الطفل تجاه الوالدين؟

إساءة معاملة الوالدين من قبل أطفالهم، والمعروفة أيضاً باسم "العنف من الطفل إلى الوالد" "Child-To-Parent Violence) "CPV) هو شكل من أشكال العنف الأسري والذي يُقصد منه إحداث أضرار نفسية أو جسدية أو مالية لاكتساب القوة والسيطرة على الوالدين.

تتعدد أنواع هذا العنف؛ فقد يأخذ شكل التخويف باستخدام السلوكيات اللفظية مثل الصراخ أو الإهانة أو التحدي. بينما يشير العنف الجسدي إلى أفعال مثل الدفع أو الركل أو اللكم، ويشمل العنف المالي سلوكيات مثل سرقة الأموال أو ممتلكات الوالدين، أو مطالبة الآباء بشراء أشياء يشعرون أنهم لا يستطيعون تحمُّل تكلفتها.

كذلك، تنعكس السيطرة والسلطة على الوالدين في سلوكيات أخرى، مثل فرض مطالب غير واقعية عليهم، كالإصرار على التخلي عما يفعلونه للامتثال لمطالب الطفل.

يمكن أن تحدث هذه الأنواع من الإساءة في نفس الوقت، فقد يتصاعد العنف من الإساءة النفسية إلى شكل الإساءة الجسدية كالركل أو الضرب، وقد يكون ذلك رداً على استفزاز سابق، حقيقي أو متصوَّر.

ما هي الأسباب الشائعة التي تدفع ابنك لضربك؟

في مراجعة تحليلية لدراسة في هذا المجال وتحديد احتمالية ما إذا كان العنف الأبوي يتنبأ بالعنف بين الطفل والوالدين، أظهرت النتائج أن تعرُّض الطفل للعنف الأبوي يُعَد مؤشِّراً مهماً للعنف بين الطفل ووالديه. وكانت تلك النتائج في العلاقات التي كان فيها الإيذاء مباشراً وكذلك غير مباشر، جسدياً أو نفسياً.

فلقد كانت احتمالية حدوث عنف من طفل إلى أحد الوالدين للأطفال الذين يقعون ضحايا العنف من قبل الوالدين بنسبة حوالي 70% مقارنة بالأطفال غير الضحايا، ما يعني أن كُلّاً من الإيذاء المباشر للأطفال والتعرض للعنف غير المباشر كانا مؤشرات مهمة وقوية لاستخدام الطفل للعنف ضد الوالدين.

المودّة والتواصل في مقابل النقد والرفض

على الرغم من أن مرحلة المراهقة عادة ما تكون وقت توتر بين السلطة الأبوية وحاجة الأبناء المتزايدة للاستقلالية؛ أي أنها قد تشمل بعض من ملامح السلوك العنيف لفرض السلطة على الوالدين، إلا أن سوء استخدام الطفل للسلطة يُميّز بوضوح هذا النوع من العنف.

في دراسة هدفت لفحص وتقييم عنف الطفل تجاه الوالدين على عينة من الآباء الإسبان لاستكشاف تصوراتهم عن المشكلة، تشير النتائج إلى أن سلوكيات هذا العنف مرتبطة بمستويات أقل من المودة والتواصل بين الوالدين والأطفال ومستويات أعلى من النقد والرفض من الوالدين. كذلك، فلقد كان هذا العنف موجَّهاً للأم بنسبة أعلى من الأب.

هل لأسلوب التربية دور؟

لما كان أسلوب التربية هو المناخ العاطفي الذي يتربى فيه الأبناء، ومن ثم ينشأوا وفقاً لمدى تقبُّل أو إهمال هذا المناخ لهم، فلقد أصبحت العلاقة بين أسلوب التربية والعنف من الأطفال للوالدين مجالاً هاماً للدراسة، حيث إن من أكثر الأمور المرتبطة بزيادة مستوى العنف من الطفل للوالدين أو تدنّيه هو أسلوب التربية، وخاصة إذا كانت قائمة على ممارسات مثل التسلُّط أو التسامح أو الاستبداد أو الإهمال.

في دراسة أجراها باحثون من قسم التربية وعلم النفس الاجتماعي بجامعة "بابلو دي أولافيد" في إسبانيا عام 2019، هدفت لتحديد أفضل أساليب التربية الوقائية ضد العنف بين الطفل والأبوين، والأخرى التي تزيد من انتشاره، وجدوا أن هناك تأثيراً مهماً لأسلوب التربية على تطور العنف بين الطفل والوالدين، وأشارت النتائج إلى أن الأسلوب المتسامح في التربية القائم على الدفء العاطفي والدعم هو أسلوب الأبوة الأكثر وقائية ضد هذا النوع من العنف.

شارك في هذه الدراسة 2,112 مراهقاً من كلا الجنسين (50.2% ذكور و49.8% إناث)، لدراسة مدى تأثير الأسلوب الذي يتبعه الآباء في تربية أبنائهم على انخفاض معدل العنف بين الطفل والوالدين أو ارتفاعه وفقاً لنتائج الدراسة، فإن أساليب التربية تتمثل في:

  • مُتسلِّط يتميز بـ (صرامة ورقابة عالية وكذلك مشاركة عالية).
  • مُستبد يتميز بـ (صرامة ورقابة عالية ومشاركة منخفضة).
  • مُتسامح يتميز بـ (صرامة ورقابة منخفضة ومشاركة عالية).
  • مُهمِل يتميز بـ (صرامة ورقابة منخفضة وكذلك مشاركة منخفضة).

في مجال التنشئة الاجتماعية الأبوية، تشير الصرامة إلى المدى الذي يستخدم فيه الآباء السيطرة والإشراف ويحافظون على موقف حازم للسلطة مع أطفالهم. بينما تمثِّل المشاركة الدرجة التي يُظهر بها الآباء عاطفتهم تجاه أطفالهم، ومنحهم الدعم، والتواصل معهم.

أوضح الباحثون أن أكثر الأنماط التي ترتبط إيجاباً مع هذا النوع من العنف بشكل عام وزيادة احتمالية الاعتداء الجسدي واللفظي على الوالدين هي تلك التي تعتمد بشكل أساسي على استراتيجيات قسرية، وكذلك القائمة على نقص المراقبة والسيطرة المنخفضة على سلوك الطفل.

تشير النتائج أيضاً إلى أن أسلوب الأبوة المهمِل كان أكثر شيوعاً من قبل الآباء، بينما يتم استخدام الأسلوب المتسامح بشكل متكرر من قبل الأمهات. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت النتائج أن الفتيات يستخدمن العدوان اللفظي أكثر من الفتيان، وأن العدوان الجسدي أكثر شيوعاً عند الذكور.

كيفية التعامل مع الطفل الذي يضرب أمه

واحدة من أصعب المهام التي يمكن أن يواجهها الوالدان هي الاستجابة لعدوانية أطفالهم أو إساءة معاملتهم. لكن من المهم أيضاً الأخذ في الاعتبار أن السلوك العدواني والمسيء ليس جزءاً من الطفولة أو المراهقة النموذجية، أي أنها ليست مرحلة سيتجاوزها ابنك إذا تجاهلت ذلك. لذلك فعليك الاهتمام بهذا الأمر والبداية بالتواصل مع طفلك.

ينصح الخبراء بضرورة التواصل مع طفلك بوضوح حول حدودك الجسدية والعاطفية. قد تحتاج إلى التصريح بوضوح: "ليس من المقبول الصراخ أو الضرب". من المهم أيضاً أن تكون أفعالك متناسقة مع أقوالك، وأن يتطابق تواصلك غير اللفظي (ما تفعله) مع ما تقوله؛ فإنك إن تقول له أن الصراخ أو الضرب ليس مقبولاً ثم تدعه يصرخ في وجهك أو يضربك فهنا سيتلقى رسالة مشوَّشة ولن تحظى بالنتيجة المطلوبة.

كذلك، يشير الخبراء لضرورة تطوير الممارسات القائمة على أسلوب التربية المتسامح في منح العاطفة، والدفء، والدعم؛ فتلك أشياء ذات تأثير نفسي عميق لدى الأطفال، وتساعد على منع السلوكيات العنيفة في مرحلة المراهقة، وهي من أكثر الأساليب الوقائية ضد هذا النوع من العنف.