يمنحنا بعض الناس الطاقة بينما يستنزفنا آخرون، فكيف ننمي علاقاتنا مع الصنف الأول ونتجنب الصنف الثاني؟ فيما يلي يقدم لنا الطبيب النفسي كريستوف أندريه أهم الفروقات بين العلاقات التي تستنزف طاقتنا وتلك التي تعززها ويبين لنا الفرق بين سمات العلاقات في كل هذين النوعين.
لا بد أننا جميعاً قد شعرنا بالازدهار الروحي الذي تمدنا به علاقات معينة وشعرنا من جهة أخرى بالضعف والخواء الروحي الذي قد تتسبب به أخرى. ووفقاً لظروف كل علاقة فإن كل واحد منا قد يستنزف طاقة الطرف الآخر أو يعززها. يقول كريستوف أندريه: "لأن المرء يميل بطبيعته إلى توقع الكثير من الآخر، فإننا جميعاً مؤهلون لنكون الطرف المستنزف للطاقة في العلاقة". لكن الإنسان الذي يتسم بالنضج والذكاء سيدرك أن السلوكيات التي تستنزف الآخر وترهقه ستؤدي في النهاية إلى نفوره وهروبه من هذه العلاقة.
عندما ندرك ما يمنحنا الطاقة وما يستنزفها، وننتبه إلى السلوكيات التي ترهق من حولنا، فسنتمكن من الوصول إلى حالة من التوازن في علاقاتنا معهم. فيما يلي يوضح لنا كريستوف أندريه أهم ملامح العلاقات المستنزفة للطاقة.
سمات العلاقات التي تستنزف طاقتك
إن أبرز ملامح العلاقات المستنزفة للطاقة هي شعور الطرف المستنزَف بإنهاك كبير، وذلك لأنه يعطي باستمرار دون مقابل؛ الأمر الذي يجعله في حالة إحباط مستمر ويزعزع استقراره العاطفي. أما الأشخاص الذين يستنزفون طاقة الطرف الآخر في العلاقة فيمكن التعرف إليهم من خلال السلوكيات التالية:
الشكوى المستمرة
يستنزفنا هؤلاء الأشخاص من خلال مطالبهم العاطفية التي لا تنتهي والتي نجد أنفسنا عاجزين عن تلبيتها أو مواكبتها؛ إذ يريدون منا أن نؤدي دور "المنقذ" حتى لو لم تكن لدينا الرغبة أو القدرة على ذلك، وبسبب شكواهم المستمرة ورفضهم تقبل أي نصيحة، نشعر بأننا فشلنا في مساعدتهم.
الإدمان العاطفي
تستنزف سلوكيات الشخص الذي يعاني من الإدمان العاطفي طاقتك بصورة كبيرة، ومثالها أن يطالبك على الدوام بتقديم دليل على حبك له، ويستعين بك قبل اتخاذ أي قرار مهما كان الموضوع تافهاً. ويحاول من خلال هذا التعلق الطفولي أن يمنحك مكانةً أبويةً ويثقل كاهلك بمسؤولية كبيرة، وكلما حاولت الابتعاد عنه، سيطر عليك الشعور بالذنب.
فرط الحساسية النفسية
إن الحساسية المفرطة هي أحد أوجه استنزاف الطاقة في العلاقة، فالشخص مفرط الحساسية يطلب تفسيراً وتبريراً لكل صغيرة وكبيرة ويميل إلى تضخيم الأمور، وبسبب سلوكياته هذه تشعر عندما تكون معه بحالة تأهب مستمرة وتجد نفسك مضطراً إلى ضبط نفسك على الدوام.
حل المشكلات بطرق عدائية
ينتهج بعض الأشخاص السلوكيات العدائية كطريقة وحيدة بالنسبة إليهم لحل المشكلات، دون أن يتأثروا بذلك لأن إثارة الصراعات أصبحت عادةً متأصلة فيهم أما الطرف الآخر فإن هذه السلوكيات تؤذيه عاطفياً وتستنزف طاقته.
عدم احترام حدودك الشخصية
لا يلتزم الطرف المؤذي في العلاقات المستنزفة للطاقة بحدود معينة؛ ما يدخلك في جدالات مستمرة معه بشأن حدودك الشخصية التي يتعدى عليها دائماً، لا سيما عندما لا توضحها له منذ البداية.
من الضروري أن تكون واضحاً بشأن حدودك الشخصية في علاقات كهذه، وإلا فإنها ستستهلك حياتك ووقتك، ومن ثم فإنك ستخاطر بأن تقع ضحية سلوكيات الآخر المرضية وبمرور الوقت ستسيطر عليك مشاعر السخط والغضب. وبصورة عامة حذارٍ من أن تأخذ دور "المنقذ" في علاقاتك مع الآخرين، فمساعدة الناس شيء و"إنقاذهم" شيء آخر من النادر أن نقدر عليه، وعندما تواجه هذا الموقف وتشعر بضغط وتوتر كبيرَين بسببه اسأل نفسك السؤالين التاليين: هل أنا الشخص المناسب لهذه المهمة التي فرضت عليّ؟ وهل أنا الوحيد الذي يمكنني القيام بها؟ وفي جميع الأحوال تمثل مشاعرنا أفضل إشارات تحذيرية؛ بما فيها مشاعر عدم الارتياح التي تخبرنا بأن نتوقف.
سمات العلاقات التي تعزز طاقتك
العلاقات التي تعزز طاقتنا هي تلك التي تمنحنا الراحة والطمأنينة والبهجة دون أن نعرف السبب. نستعرض فيما يلي بعضاً من ملامح هذه العلاقات والفوائد التي تقدمها لنا.
لفتات صغيرة ذات تأثير كبير
هنالك الكثير من اللفتات الصغيرة التي قد لا نعيرها أهمية كبيرة ونعتبرها مجرد سلوكيات عفوية، وعلى الرغم من ذلك فإنها تدل إلى أن الآخرين يهتمون لأمرنا ولو قليلاً؛ مثل الإطراء الذي نسمعه من شخص غريب، أو التعاطف الذي يبديه جارنا تجاهنا عندما يسألنا عن أحوال العمل، أو تصرف أحد أصدقائنا بلطف معنا، فهذه اللفتات الصغيرة تعزز شعورنا بتقدير من حولنا لنا. نحن بحاجة إلى علاقات ذات مستويات متنوعة، وهذه العلاقات السطحية لا تقل أهمية عن علاقات الصداقة أو العلاقات العاطفية العميقة. على سبيل المثال يحافظ الأشخاص المسنون على علاقات سطحية ولكن مستمرة بأصحاب المتاجر؛ إذ إن هذا النوع من التواصل يمدهم بطاقة كبيرة.
العلاقة الصادقة تمنح طرفيها الطاقة
تغذي العلاقات القائمة على الحوار الصادق روحنا لأنها تقوم على تبادل الطاقة بين الطرفين فكل طرف يعزز طاقته عبر الانفتاح على عالم الطرف الآخر، ولا تنطوي هذه العلاقة على الخضوع أو السيطرة بل على المساواة بين الطرفين والمعاملة بالمثل. فعندما يثق شخص ما بك ويأتمنك على أسراره ويفصح لك عن معاناته، ويكون مستعداً للاستماع إليك في المقابل، يصبح الحوار مصدر طاقة لكليكما.
العطاء للآخرين يشعرنا بالرضا
عندما نكون في وضع يسمح لنا بإعطاء الوقت والحب وتقديم المساعدة، فإننا ننشر الطاقة الإيجابية ويعزز شعور الرضا الناجم عن ذلك تقديرنا لذواتنا، ونحصل بذلك على القدر ذاته من الفائدة التي قدمناها للطرف الآخر.
إن وجود معنىً لما نقوم به يعزز طاقتنا الروحية أضعافاً مضاعفة، فمثلاً عندما ينجح معلم في تعليم تلميذ يعاني من صعوبة في القراءة فإنه سيشعر بطاقة داخلية كبيرة. تقدم العلاقات العلاجية أو التعليمية فائدة كبيرة للطرف المانح؛ إذ إنها تعزز شعوره بقيمته وكفاءته. وفي كل مرة نتبنى فيها سلوكيات تتوافق مع قيمنا الشخصية؛ كالاهتمام بقريبنا المسن، أو الوقوف إلى جانب شخص يتعرض إلى الازدراء الاجتماعي، فإننا نستمد منها طاقةً كبيرةً لأنها تجعلنا في حالة تآلف مع أنفسنا.
جدد طاقتك الروحية
يعزز الإنسان طاقته الروحية بصورة يومية من خلال التواصل مع أحبائه، وعلى الرغم من ذلك فإنه يجب أن يستمد الطاقة من العلاقات الأخرى التي تتوافق مع توقعاته غير الواعية والجوانب التي لم يستثمرها من نفسه بعد، فعلى الرغم من أنه يمكن لبعض الناس العدوانيين والاستفزازيين أن يسببوا لنا الضيق والانزعاج فإنهم يسمحون لنا من جهة أخرى بالتطور والمضي قدماً، وقد تكون هذه العلاقات غير المريحة أفضل طريقة أحياناً لتجديد طاقتنا.