رهاب البحر أو الثلاسوفوبيا: أعراضه وطرق علاجه

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا كنت دائماً ما تتجنب الرحلات إلى المحيط، وترفض مشاهدة الأفلام التي تدور أحداثها في المياه العميقة، فهناك احتمال كبير بأنك تعاني من رهاب البحر أو الثلاسوفوبيا (Thalassophobia).

يعاني أغلب البشر من مخاوف طبيعية تجاه المحيطات، فهي عميقة ومظلمة، ومجهولة جداً. ويجب أن تكون شخصاً استثنائياً لتبحر عدة كيلومترات بعيداً عن الشواطئ، وتقفز بهدوء في أعماق المياه.

وعلى الرغم من ذلك؛ تبدو مخاوف الأشخاص الذين يعانون من فوبيا البحر، تجاه أي مسطّحات مائية عميقة، مبالغاً فيها وغير منطقية، لدرجة أن رؤية صورة للمحيط قد تسبب لهم نوبة هلع.

وبينما قد تمثل حياة الشخص مع رهاب البحر تحدياً له، فإنه وكما أنواع الرهاب الأخرى؛ قابل للعلاج.

ما هو رهاب البحر؟

هو نوع من أنواع الرهاب، يتميز بالخوف المبالغ فيه من المياه العميقة؛ كمياه البحيرات والمحيطات. وإما أن يتجنب الأشخاص المصابون بفوبيا البحر، المسطحات المائية العميقة تماماً، أو أن يتحملوا وجودهم بجانبها ولكن مع سيطرة حالة من القلق الشديد عليهم، دون أن يتناسب مستوى الخوف لديهم مع أي حالة خطر فعلية. 

وبينما لم يُشر إلى رهاب البحر، كاضطراب بحد ذاته في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية النسخة الخامسة، فإن أعراضه تندرج تحت المعايير التشخيصية لـ “حالات الرهاب المحدد: رهاب البيئة الطبيعية”.

وترتبط بعض أنواع الرهاب الأخرى ارتباطاً وثيقاً برهاب البحر؛ إذ قد تتداخل أعراضها معاً. ونذكر منها:

  • رهاب الماء آكوافوبيا (aquaphobia)؛ وهو الخوف من الماء.
  • رهاب الأعماق باثوفوبيا (bathophobia)؛ وهو الخوف من الأعماق المائية. 
  • رهاب الكائنات المائية الكبيرة ميغالوهايدروثلاسافوبيا (megalohydrothalassophobia)؛ وهو الخوف من الكائنات أو الأشياء الكبيرة تحت الماء. 
  • رهاب الأمواج سيموفوبيا (cymophobia)؛ وهو الخوف من الأمواج البحرية.
  • رهاب الظلام نيكتوفوبيا (nyctophobia)؛ وهو الخوف من الظلام.
  •  رهاب الفيضانات آنتلوفوبيا (antlophobia)؛ وهو الخوف من الفيضانات. 

ما هي أعراض رهاب البحر؟

ينطوي رهاب البحر على مجموعة متنوعة من الأعراض النفسية والجسدية، شبيهة بالأعراض المصاحبة لنوبات الهلع.

وقد تحدث هذه الأعراض لدى الشخص الذي يعاني من هذا الرهاب، حينما يفكر بالمسطحات المائية العميقة، أو عندما يراها أو يمر بجانبها.

وقد تشمل الأعراض العاطفية أو النفسية لفوبيا البحر ما يلي:

  • اجتياح مشاعر القلق أو الخوف الشديدة للشخص وبصورة مفاجئة. 
  • الشعور بالرهبة.
  • الشعور بالهلع.
  • الخوف من فقدان السيطرة.
  • الأرق.
  • تسارع الأفكار.
  • تجنب الشيء أو الموقف المخيف.

أما الأعراض الجسدية لفوبيا البحر فتشمل ما يلي:

  • الرعشة.
  • تسارع أو ضيق في التنفس.
  • تسارع ضربات القلب.
  • التعرق.
  • الصداع.
  • جفاف الفم.
  • الدوخة.
  • ألم في صدر.
  • الغثيان.
  • قشعريرة.
  • التشوش.

ما هي العوامل المحفزة لأعراض رهاب البحر؟

قد يؤدي التفكير في أحد هذه الأمور أو مواجهتها إلى تحفيز أعراض رهاب البحر؛ وهي:

  • المحيطات.
  • البحيرات.
  • القوارب.
  • السباحة.
  • الغوص.
  • الغواصات.
  • المخلوقات البحرية (واقعية أو أسطورية).
  • صور أو أفلام لأي مما سبق.

ما هي أسباب الإصابة برهاب البحر؟

على الرغم من عدم وجود بحوث مختصة عن رهاب البحر؛ إلا أن هناك مجموعة متنوعة من العوامل الوراثية، والفيسيولوجية، والبيئية والعائلية، قد تساهم في تطوير أنواع معينة من الرهاب لدى بعض الأشخاص؛ مثل رهاب البحر.

العوامل الوراثية

غالباً ما تنتقل اضطرابات القلق؛ بما في ذلك حالات الرهاب ضمن العائلة الواحدة. في دراسة أُجريت عام 2014، أشارت النتائج إلى أن نسبة التوريث في حالات الرهاب والخوف لدى 14 من أصل 21 فرداً (67%) خضعوا للدراسة، تراوحت بين 30 و50%.

دوائر الدماغ

الخوف هو أحد المشاعر التي تنشأ عندما ندرك وجود خطر ما على سلامتنا أو سلامة الآخرين. واستعداداً لهذا الخطر المفترض؛ قد تنخرط أجسامنا في ردود فعل مثل “الكر والفر أو التجميد“؛ وذلك من خلال دوائر وآليات دماغية محددة.

وأظهرت مراجعة بحثية أُجريت عام 2017 تضمنت دراسات على الحيوانات، أنه عندما يكون هناك خلل وظيفي في دوائر الدماغ هذه، يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اضطرابات القلق؛ مثل كرب ما بعد الصدمة (PTSD)، وحالات الرهاب المحدد.

البيئة

وتنجم بعض أنواع الرهاب عن تجربة أولية سيئة أو حدث صادم. وفي حالة رهاب البحر؛ يمكن أن يكون الشخص قد عانى تجربة اقتراب من الغرق في المحيط، أو ربما رأى شخصاً آخر يسقط من قارب في المياه العميقة.

يُطلق على الرهاب الناجم عن حدث صادم “الرهاب التجريبي المحدد”، أما الرهاب الذي لا ينتج عن حدث صادم، فيُطلق عليه “الرهاب غير التجريبي المحدد”، مع العلم أن كرب ما بعد الصدمة ينتج دائماً عن حدث صادم.

ديناميات العائلة

قد يكون لنشأة الفرد في بيئة أسرية تتسم بالقلق، دور في تطور الرهاب لديه، وذلك لأن الخوف يمكن أن يكون شعوراً مكتسباً. 

على سبيل المثال؛ الطفل الذي تعاني والدته خوفاً شديداً من المحيطات، قد يلتقط منها هذا القلق وينشأ لديه بدوره خوف من المحيطات.

كيف يُشخَّص رهاب البحر؟

كما ذكرنا سابقاً؛ لم يُشر إلى فوبيا البحر في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية النسخة الخامسة، كاضطراب بحد ذاته؛ لكن أعراضه تندرج تحت المعايير التشخيصية لـ “حالات الرهاب المحدد: رهاب البيئة الطبيعية”.

ووفقاً للدليل التشخيصي؛ يُعد الشخص مصاباً برهاب البحر إذا استوفت الأعراض لديه المعايير التالية: 

  • خوف أو قلق شديد بشأن شيء أو موقف معين، وفي حالة فوبيا البحر، فإن الخوف يكون من المسطحات المائية العميقة.
  • ويؤدي المحفز (المياه العميقة) دائماً تقريباً إلى حالة من الخوف أو القلق الشديد والمفاجئ.
  • عدم تناسب شدة الخوف مع الخطر الفعلي للشيء أو الموقف المعين.
  • تجنب المحفزات (المحيطات، أو البحيرات، أو الصور أو الأفلام التي تدور أحداثها في المياه العميقة، إلخ) أو تحملها مع الشعور بقلق شديد.
  • يؤدي الرهاب (الخوف من المياه العميقة) إلى ضيق نفسي شديد، أو ضعف في الأداء.
  • يتصف الرهاب (الخوف من المياه العميقة) بالاستمرارية، وعادةً ما يستمر لمدة ستة أشهر أو أكثر.
  • عدم إمكانية تفسير الرهاب (الخوف من المياه العميقة) تفسيراً أوضح من خلال أعراض اضطراب عقلي آخر؛ مثل اضطراب الوسواس القهري (OCD) أو كرب ما بعد الصدمة.

كيف يتم علاج رهاب البحر؟

قد ينطوي علاج رهاب البحر على واحد أو أكثر من الأساليب العلاجية التالية:

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

 عندما يتعلق الأمر بحالات الرهاب المحدد، فغالباً ما يتضمن العلاج المعرفي السلوكي إزالة التحسس أو العلاج بالتعرُّض؛ حيث يتم تعريض الشخص لمحفزاته تدريجياً وصولاً إلى تخفيف القلق الذي تثيره هذه المحفزات. في حالة رهاب البحر؛ قد يبدأ الشخص بالنظر إلى صور المياه العميقة، ثم يتقدم إلى مشاهدة أفلام حولها، ليتمكن في النهاية من الذهاب إلى الشاطئ أو ركوب قارب.

العلاج الدوائي

يمكن وصف أدوية من فئة البنزوديازيبينات؛ مثل الفاليوم أو الزاناكس، أو أدوية من فئة حاصرات بيتا؛ مثل البروبرانولول، للمساعدة في تخفيف القلق، خاصةً في مواقف معينة؛ مثل الحاجة إلى ركوب قارب.

تقنيات الاسترخاء

قد تساعد ممارسات التنفس العميق والتأمل، واليقظة الذهنية أيضاً في تخفيف أعراض القلق.

نظراً لأن الرهاب غير المُعالَج يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة الشخص؛ يوصى بشدة بالتماس العلاج.

على سبيل المثال؛ قد يفعل الشخص المصاب بفوبيا البحر كل ما في وسعه لتجنب الذهاب إلى البحيرة أو المحيط، حتى أنه قد يتجنب مشاهدة الأفلام أو قراءة الكتب التي تعرض السفن أو المحيطات، أو تتحدث عن الحياة في أعماقها. 

إن تجنب الخوف يؤدي إلى استمراره لفترة طويلة من الزمن، أو حتى قد يزيد الأمر سوءاً؛ إذ إن الشخص الذي يتجنب خوفه، قد يتعرض لاحقاً عن طريق الخطأ لأحد المحفزات؛ ما قد يؤدي لإصابته بنوبة هلع

ويتيح العلاج إمكانية إدارة رهاب البحر، بعد تعلّم استراتيجيات التأقلم والتعافي.

كيف تتعامل مع الخوف من المحيط؟

هنالك العديد من الأساليب التي يمكنك اتباعها لتساعدك في السيطرة على الخوف من المياه العميقة.

وتتضمن هذه الأساليب ممارسات على المدى الطويل؛ كالتأمل، وأخرى قصيرة الأمد؛ مثل تمارين التنفس العميق، وتقنيات التخيل.

ممارسة التأمل

يعاني الأشخاص المصابون بالرهاب من القلق الزائد عموماً. ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2012، فإن الشخص المصاب بأحد أنواع الرهاب، أكثر عرضة للإصابة برهاب آخر بنسبة 83%. وقد تساعد الممارسات طويلة المدى؛ مثل التأمل، في الحد من هذا القلق على المدى الطويل.

ويظهر دور التأمل من خلال تدريب الدماغ والجسم على تحقيق حالة استرخاء شديدة تسمى “استجابة الاسترخاء”؛ وهي الحالة المعاكسة للاستجابة لآليات “الكر والفر أو التجميد”.

في دراسة أُجريت عام 2018، تضمنت مسحاً للدماغ، اكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين كانوا يمارسون التأمل لسنوات عديدة، قد أظهروا انخفاضاً في نشاط اللوزة الدماغية لديهم، عندما نظروا إلى الصور التي تثير المشاعر السلبية.

اللوزة الدماغية: جزء من الدماغ له دور في الاستجابة لآليات الكر والفر والتجميد، وهو مسؤول أيضاً عن اكتشاف التهديدات والتكيف مع الخوف.

إذا لم يكن لديك معرفة بممارسة التأمل، فيمكنك الاستعانة بأحد التطبيقات الخاصة بذلك، أو بأداة عبر الإنترنت، أو بأحد الكتب لمساعدتك في البدء. 

تقنيات التخيل

يمكن أن يكون خيالك أداةً مفيدةً لمساعدتك في التمرن على مواجهة مخاوفك. في حالة رهاب البحر؛ يمكنك تخيل مواقف معينة تنطوي على مياه عميقة، وتخيل أنك تتعامل معها بنجاح. 

على سبيل المثال؛ يمكنك تجربة ما يلي:

  • تخيل أنك تقف على شاطئ في المياه الضحلة.
  • تنفس بعمق وتخيل كيف ستشعر بعدم وجود أي خوف.
  • “امشِ” ببطء، أعمق نحو المحيط (يمكنك أن تتخيل أنك ترتدي سترة نجاة).
  • تخيل أنك تطفو على ظهرك دون أي خوف.

إذا كنت تظن أن القيام بتجربة التخيل وحدك يبدو أمراً مبالغاً فيه بالنسبة لك في الوقت الحالي؛ يمكنك الاستعانة بمعالجك النفسي للحصول على بعض الإرشادات، أو التواصل مع صديق تثق به، أو أحد أفراد الأسرة ليكون بجانبك أثناء ممارسة التمرين.

تمارين التنفس العميق

يمكنك ممارسة تمارين التنفس العميق في المنزل، أو عندما تواجه أحد محفزات الرهاب.

على سبيل المثال؛ يمكنك تجربة ما يلي:

  • خذ نفساً عميقاً طويلاً (تخيل أنك تستنشق رائحة طعامك المفضل ببطء).
  • أطلق أنفاسك تماماً كما لو كنت تنفخ لإطفاء الشموع في كعكة عيد الميلاد.
  • افعل ذلك عدة مرات حتى تشعر بارتياح جسدي.

قد يكون الخوف من المسطحات المائية؛ مثل المحيط أو البحيرة، أمراً صعباً، وقد لا يكون تجنب الخوف ممكناً دائماً، كما أن هذا السلوك لن يساعدك على المدى الطويل.

إذا كنت تعتقد أنك مصاب برهاب البحر، فإن اللجوء إلى معالج نفسي متخصص في الرهاب قد يساعدك في رحلتك نحو الشفاء.

وإذا كنت مهتماً بالحصول على الدعم من الآخرين ممن يعانون من حالات الرهاب المحدد؛ يمكنك الاطلاع على The Tribe؛ وهي عبارة عن منصة عبر الإنترنت تُعنى بمجموعات دعم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق المختلفة.

المحتوى محمي !!